رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 13 فبراير، 2024 0 تعليق

خطبة المسجد النبوي – حادثة الإفك وقواعد لحفظ الأعراض

  • خيرُ النِّساءِ وأكرمُهنَّ على اللَّهِ أزواجُ النبي صلى الله عليه وسلم وأحبُّ أزواجِه إليه أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضي الله عنها
  • لَمَّا كانت رضي الله عنها حافظةً لدِينِها حارسةً لعفافِها أيقنَتْ بمدافَعة اللَّهِ عنها وأحسنَتْ ظنَّها به فكان اللَّهُ تعالى عندَ ظنِّها
  • وعظ الله المؤمنين بعد حادثة الإفك بمواعظ هي قواعد في صيانة الأعراض منها ألا يظن بأهل الخير والعفاف إلا خيرًا
 

جاءت خطبة المسجد النبوي بتاريخ: 21 رجب 1445ه، الموافق: 2 فبراير 2023، بعنوان: (حادثة الإفك وقواعد لحفظ الأعراض)، للشيخ: عبدالمحسن بن محمد القاسم، الذي أكد أن الله -تعالى- أوجَد الخَلْقَ وفاضَل بينَهم، وخيرُ النَّاس وأحبُّهم إلى اللَّه أنبياؤه، ثمَّ صحابةُ نبيِّنا مُحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وخيرُ النِّساءِ وأكرمُهنَّ على اللَّهِ أزواجُه - صلى الله عليه وسلم -، وأحبُّ أزواجِه إليه أمُّ المؤمنينَ عائشةُ -رضي الله عنها.

       وسُنَّةُ اللَّهِ القائمةُ ابتلاء الله لعباده، وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّ الناسِ أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ»(رواه الترمذي)، وفي السَّنة السَّادسة من الهجرة ابتُلي المسلمون ببلاء عظيم، جعَلَه اللَّه امتحانًا للأمَّة كلّها إلى يوم القيامة؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بعد مَرْجِعِهِ من غزوةِ بني المصطلِق كانت معَه عائشةُ -رضي الله عنها-، ولَمَّا دَنَوْا مِنَ المدينةِ، آذَنَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ليلةً بالرَّحيل، فقامت لقضاءِ شأنِها، فمَشَتْ حتى جاوزتِ الجيشَ، ثم أقْبَلَتْ إلى الرَّحْلِ ففَقَدَتْ عِقْدًا لها، فرَجَعَتْ تلتمسه في الموضع الذي فَقَدَتْه فيه، فرفعوا هَوْدَجَها -والهودج مركب يجعل فوق البعير للمرأة- وارتحلوا، ولم يَشْعُرُوا بخُلُوِّ الهودجِ منها؛ لخِفَّةِ وزنِها، قالت عائشة -رضي الله عنها-: «وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ»، قال الذَّهبيُّ -رحمه الله-: «وَعُمُرُهَا يَوْمَئِذٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً»، ثم وجدَتِ العقدَ بعدما استمرَّ الجيشُ، فمَكَثَتْ مكانَها؛ ظنًّا منها أنَّهم سيفقدونها فيرجعونَ إليها، فغلبَتْها عينُها فنامت. وكان الصَّحابي صفوانُ بن المعطَّل - رضي الله عنه - كثيرَ النَّوم فتخلَّف عن الجيش، فلمَّا أصبَح لَحِقَ بالجيش، فرأى سَوَادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاه، فإذا هي عائشة -رضي الله عنها-، وكان رآها قبل نزول الحجاب، فأعرَض بوَجْهِه عنها، واسترجع؛ -أي قال: إنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون-، فاستيقظت باسترجاعه، قالت: «فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ»، قال ابن الأثير -رحمه الله: «وَكَانَ صَفْوَانُ شُجَاعًا خَيِّرًا فَاضِلًا»، فأناخ بَعِيرَه حتَّى رَكِبَتْهُ، ثمَّ انطلَق يقود بها الرَّاحلةَ حتَّى أدركوا الجيشَ في الظَّهيرة.

وَكَانَ سَفَرُهَا خَيْرًا مِنْ أَنْ تَبْقَى ضَائِعَةً

        قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «وَكَانَ سَفَرُهَا مَعَهُ خَيْرًا مِنْ أَنْ تَبْقَى ضَائِعَةً»؛ ولَمَّا رأى رأسُ النِّفاق عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيِّ ابن سلول تَأخُّرَ عائشةَ -رضي الله عنها- عن الجيش طَعَنَ في بيتِ النُّبوَّةِ الطَّاهرِ، ولَمَّا قَدِمَ المدينةَ جَعَل يُشِيعُ الإفكَ في عِرْضِ الشَّريفةِ العفيفةِ -رضي الله عنها- ويَذِيعُه، ويَجمَعُه ويُفَرِّقُه، وكانت مقالةُ عامَّة المؤمنين: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}(النُّورِ: 16)؛ لأنَّ ما حَدَثَ لم يكن رِيبةً، وإنَّما امرأةٌ حديثةُ السِّنِّ فَقَدَتْ رُفْقَتَهَا، فأحسَن إليها صحابيٌّ، وأعادَها إليهم.

مرضها رضي الله عنها

        وأمَّا عائشة -رضي الله عنها- فإنَّها لَمَّا قَدِمَتِ المدينةَ اشتكت من مرض ألَمَّ بها، فمَكَثَتْ في بيتها قريبًا من شهرٍ، وهي لا تعلم شيئًا عمَّا يُقال عنها، غيرَ أنَّها فَقَدَتْ لُطْفَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم - بها إذا مَرِضَتْ، قالت: «وَيَرِيبُنِي في وَجَعِي، أَنِّي لَا أَرَى مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ -أي: لمَنْ عندها-: كَيْفَ تِيكُمْ؟ -أي: كيف هذه-»، وبعد أن أفاقت يسيرًا من مَرَضِها، أَخْبَرَتْها أمُّ مِسْطَحٍ -رضي الله عنها- بقول أَهْلِ الإِفْكِ، قالت -رضي الله عنها-: «فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي»، فلمَّا دَخَلَ عليها رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم - قالت له: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ -قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا-، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ فأَخْبَرَتْهَا بحديثِ النَّاسِ، فاشتدَّ البلاءُ على عائشة بطَعْنِها في عفافها؛ إذ أنفَسُ ما تملكه المرأةُ -بعدَ دِينِها- عِرْضُها، فهو شَرَفُها وجَمالُها، قالت: «فَبَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ -أي: لا ينقطع- لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي -أي: شاقُّها». ومن عظيم هذا الافتراء والبُهتان بَكَتْ نساءٌ مؤمناتٌ، قالت عائشة -رضي الله عنها-: «وبينما هُمَا -أي: أبواها- جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي».

حال النبي صلى الله عليه وسلم

        وأمَّا نبيُّنا محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - فمهمومٌ ساكتٌ لم يُكلّم أحدًا في شأنِ الإِفْكِ، واشتدَّ الكربُ عليه بحَبْسِ الوَحْيِ عَنْه شَهْرًا، لَا يُوحَى إِلَيْهِ في ذَلِكَ شَيْءٌ، فدَعَا عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ، وأسامةَ بنَ زيدٍ -رضي الله عنهما وهما مِنْ أعرفِ النَّاسِ بأهلِ بيتِه-، يَسْتَشِيرُهُمَا في فراقِ أهلِه، وسأل جاريةً عندَ عائشةَ -رضي الله عنها- فقال: «يَا بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئًا يَرِيبُكِ؟»، وسَأَلَ أمَّ المؤمنينَ زينبَ بنتَ جحشٍ -رضي الله عنها-: «مَاذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيْتِ؟» فما عابَها أحدٌ منهم بشيء، ثم دَخَلَ على عائشة وعندَها والداها، فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، وظَنَّتْ أنَّه سيُبَشِّرُها بكَذَبِ أهلِ الإِفْكِ، قَالَتْ: «فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - حينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ، ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ، ولهول ما سمعت ! قالت: قَلَصَ -أَيِ: ارتفَعَ- دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً».

أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

فلمَّا رَأَت الأمر كذلك، لَجَأَتْ لِأَبِيها ليَنْصُرَها، فقالت له: «أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -»، ثم طَلَبَتْ حنانَ أمِّها، فقالت لها: «أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فيمَا قَالَ: قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -[»، فلَجَأَتْ إلى مَنْ في السَّماء، وفَوَضَّتْ أمرَها إليه، وقالت لهم: «إِنِّي -وَاللَّهِ- لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ في نُفُوسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقُونَنِي، وَإِنِّي -وَاللَّهِ- مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}(يُوسُفَ: 18)، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي».

كانت رضي الله عنها حافظةً لدِينِها حارسةً لعفافِها

       ولَمَّا كانت حافظةً لدِينِها، حارسةً لعفافِها، أيقنَتْ بمدافَعة اللَّهِ عنها، وأحسنَتْ ظنَّها به، قَالَتْ: «وَأَنَا -وَاللَّهِ- حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي»، فكان اللَّهُ عندَ ظنِّها، قَالَتْ: «فَوَاللهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ -عز وجل- عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - وهو يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بها أَنْ قَالَ: أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ»، ولطاعتها للَّه، حَفِظَها ونَصَرَها، وخَلَّد ذِكْرَ عفافِها، وأظهر منزلةَ رسولِه وأهلِ بيته عندَه -سبحانه-، وكرامتَهم عليه، وتَوَلَّى هو بنفسه -سبحانه- الدِّفاعَ والذَّبَّ عنهم، وظهَر لأُمَّته احتفاءُ ربِّهم بهم، واعتناؤه بشأنِهم، قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: «وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ في شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ في نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ -عز وجل- فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى»، وأمَّا رأسُ النِّفاق الذي أشاع الإِفْكَ وأذاعَه فتوعَّده اللَّه بالعذاب العظيم، قال -جل شأنه-: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(النُّورِ: 11).

قصة الإفك اختبار لرسول الله صلى الله عليه وسلم

       عظيمٌ عندَ اللَّهِ أن يقال في زوجةِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - ما قيل، قال سبحانه: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}(النُّورِ: 15)، والنفاق في عهد النبوة إنما هو في الرسالة، قال ابن القيم -رحمه الله-: «فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان هو المقصود بالأذى»، وهذه القصة امتحان وابتلاء لرسوله -صلى الله عليه وسلم - ولجميع الأمة إلى يوم القيامة؛ ليرفع بهذه القصة أقوامًا ويضع بها آخرين، والشِّدَّة يعقبها فَرَجٌ، والمؤمن ينال الخير بالبلاء، قال -تعالى-: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}(النُّورِ: 11)، وكذا كانت عاقبةُ عائشةَ -رضي الله عنها-، أنزَل اللَّهُ فيها آياتٍ تُتْلَى إلى يوم القيامة، وسَمَتْ على النِّساءِ بِفَضَائِلِها؛ قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» مُتفَق عليه، ومنَحَها اللَّهُ ذَكَاءً مُتَدَفِّقًا وحِفْظًا ثَاقِبًا، وعِلْمًا واسعًا، والأحاديثُ التي روتها عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أكثرُ ممَّا رُوي عن الخلفاء الرَّاشدين مجتمِعينَ؛ لانشغالِهم وتقدُّم وفاتِهم، لا قلَّةِ سماعهم، بل نَقَلَتْ لهذه الأمَّة رُبعَ أحاديثِ الشَّريعةِ، قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله-: «لَمْ يَكُنْ في الأُمَمِ مِثْلُ عَائِشَةَ في حِفْظِهَا وعِلْمِهَا، وَفَصَاحَتِهَا وَعَقْلِهَا، فَاقَتْ نِسَاءَ جِنْسِهَا في العِلْمِ وَالحِكْمَةِ، رُزِقَتْ في الفِقْهِ فَهْمًا، وَفِي الشِّعْرِ حِفْظًا، وَكَانَتْ لِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ وِعَاءً».

أوجَب اللَّه مَحَبَّتها على كلّ أحد

        وأوجَب اللَّه مَحَبَّتها على كلّ أحد، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة -رضي الله عنها-: «أَيْ بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ فَقَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَأَحِبِّي هَذِهِ» -يعني: عائشة-{متَّفق عليه}، وقد تُوفِّي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بين سَحْرِها ونَحْرِها، وفي يومِها، وفي بيتِها، وهي زوجتُه - صلى الله عليه وسلم - في الدُّنيا والآخرة، قال الذهبي -رحمه الله-: «فهل فوق ذلك مَفْخَرٌ؟ «.

قواعد في صيانة الأعراض

       وعظ الله المؤمنين بعد حادثة الإفك بمواعظ هي قواعد في صيانة الأعراض، قال -سبحانه-: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(النُّورِ: 17)، ومن تلك المواعظ: ألا يظن بأهل الخير والعفاف إلا خيرًا، قال -جل شأنه-: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}(النُّورِ: 12)، وإن علق بالنفس شيء من الظنون الفاسدة من وسوسة أو خيال فلا يتكلم به.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك