رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 30 أكتوبر، 2023 0 تعليق

خطبة الحرم المكي – الابتلاء والتمكين للموحدين المتقين

  • في خِضَمِّ الابتلاءِ والصراعِ بينَ الإيمان والكفر قد يُبطِئ النصرُ على المؤمنين فيَعظُم الخَطبُ ويشتدُّ الكربُ لكنه آت لا محالة
  • الصراع بين الإيمان والكفر سُنَّة مِنْ سُنَنِ اللهِ ولن تجدَ لسُنَّةِ اللهِ تبديلًا
  • إن الله تعالى يبتلي المؤمنين اختبارًا وتمحيصًا ثم يجعل لهم العاقبةَ

جاءت خطبة الحرم المكي بتاريخ: 5 ربيع ثاني 1445، الموافق: 20 أكتوبر 2023م، بعنوان: (الابتلاء والتمكين للموحدين المتقين) للشيخ: عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان؛ حيث أكد -في بداية خطبته- أنَّ الإسلامَ دينُ العزةِ والنصرِ والتمكينِ، دينُ الرحمةِ والرأفةِ والرفقِ واللِّينِ، دينُ الحقِّ والصدقِ والعدلِ واليقينِ، دينُ السعادةِ والفَلَاحِ والفوزِ في الدارينِ، ختَم اللهُ به الرسالاتِ، ونسَخ به المللَ والدياناتِ، وجعَلَه طريقَ العزةِ والنجاةِ، ومِفتاحَ الجناتِ، ووسيلةَ الأمنِ والاستقرارِ والاستخلافِ والتمكينِ في هذه الحياةِ، قال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(النُّورِ: 55).

         ثم بين أن الله -سبحانه و-تعالى-- هو القاهر المدبِّر، له الأمرُ مِنْ قبلُ ومِنْ بعدُ، وإليه تُرجَع الأمورُ؛ {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الزُّمَرِ: 63)، لا مبدِّلَ لكلماته، ولا رادَّ لقضائه، ولا معقِّبَ لحُكمِه، وقد كتَب الغلبةَ والنصرَ لدِينِه وأوليائه فقال: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الْمُجَادَلَةِ: 21).

وعَد أولياءَه بالنصرِ والتمكينِ

         ووعَد أولياءَه بالنصرِ والتمكينِ؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}(مُحَمَّدٍ: 7-8)، وقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الْحَجِّ: 40)، وقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}(الصَّافَّاتِ: 171-173).

كتَب اللهُ الخزيَ على مَنْ حارَب دِينَه

          وقد كتَب اللهُ الخزيَ والذلةَ والصغارَ على مَنْ حارَب دِينَه، قال -تعالى-: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}(الْأَنْبِيَاءِ: 11-15).

يبتلي المؤمنين اختبارًا وتمحيصًا

         إن الله -تعالى- يبتلي المؤمنين اختبارًا وتمحيصًا، ثم يجعل لهم العاقبةَ، قال -تعالى-: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}(الْعَنْكَبُوتِ: 2-3)، وقال: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}(آلِ عِمْرَانَ: 179)، وقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(الْأَنْبِيَاءِ: 35)، وقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(الْمُلْكِ: 2).

إبطاء النصر

         وفي خِضَمِّ الابتلاءِ والصراعِ بينَ الإيمان والكفر قد يُبطِئ النصرُ على المؤمنين فيَعظُم الخَطبُ، ويشتدُّ الكربُ، ويتأخرُ الفرجُ، حتى تخيم ظنونُ اليأس والقنوط، ثم يأتي نصرُ اللهِ، قال الله -تعالى-: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(الْبَقَرَةِ: 214)، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}(آلِ عِمْرَانَ: 154)، وعن صهيبِ بنِ سنانٍ -]-، أن رسول الله -[- قال: «عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلَّا للْمُؤْمِن؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ» رواه مسلم).

الصراع بين الإيمان والكفر

           الصراع بين الإيمان والكفر سُنَّة مِنْ سُنَنِ اللهِ، ولن تجدَ لسُنَّةِ اللهِ تبديلًا؛ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(هُودٍ: 118-119)، ومنذُ بزَغ فجرُ الإسلامِ وأعداؤُه الكفرةُ له بالمرصاد، يتربَّصون به في كل حاضرٍ وبادٍ، ويتحالفون عليه بالجموع والأعداد، لكنَّ اللهَ تكفَّل بحفظِ دِينِه وأوليائه، وجعَل دائرةَ السوء على أعدائه؛ {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}(الْأَنْفَالِ: 7-8).

اللهَ -تعالى- يُمهِل ولا يُهمِل

         إنَّ اللهَ -تعالى- يُمهِل ولا يُهمِل، يُملِي للكفرةِ الظالمينَ، وينتقم للمظلومين، قال -تعالى-: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}(الطَّارِقِ: 17)، وقال: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}(الْأَعْرَافِ: 183)، وقال: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا}(الْمُزَّمِّلِ: 11-13)، فتأخُّر عقابِ اللهِ وبطشِه بالكفرَةِ الظالمينَ لحكمةٍ بالغةٍ، وليس إكرامًا لهم أو نسيانًا عنهم، قال -تعالى-: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}(إِبْرَاهِيمَ: 42-47).

حسن الظن بالله

         فأحسِنوا الظنَّ بالله، واستمسِكوا بدينكم واعتصِموا بوحدتكم، وكونوا يدًا على عدوكم، واسمعوا وأطيعوا لولاة أمركم، واسألوا الله الثبات على دينكم؛ فإن لدينكم عليكم واجبًا فأدُّوه، ولأئمتِكم عليكم حقٌّ فوَفُّوه؛ {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ}(الْبَقَرَةِ: 223).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك