رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 2 فبراير، 2020 0 تعليق

خطاب الله للنبـــي صلى الله عليه وسلم (22) والذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم

     مازال الحديث مستمراً عن تعرض الكفار والمنافقين بالأذى للنبي صلى الله عليه وسلم، وكنا قد توقفنا عند بيان معنى الأذى في قوله تعالى:{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ  قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ  وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (التوبة:61)

والأذى: الإضرار الخفيف، وأكثر ما يطلق على الضر بالقول والدسائس، ومنه قوله -تعالى-: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى}، وقد تقدم في سورة آل عمران.

وهذا الكلام إبطال لأنْ يكون أذنا بالمعنى الذي أرادوه من الذم فإن الوصف بالأذن لا يختص بمن يقبل الكلام المفضي إلى شر بل هو أعم؛ فلذلك صح تخصيصه هنا بما فيه خير.

وجملة (يؤمن بالله) تمهيد لقوله بعده، ويؤمن للمؤمنين بأنه يؤمن بالله فهو يعامل الناس بما أمر الله به من المعاملة بالعفو ، والصفح، والأمر بالمعروف، والإعراض عن الجاهلين، وبألا يؤاخذ أحدا إلا ببينة.

فالناس في أمن من جانبه فيما يبلغه؛ لأنه لا يعامل إلا بالوجه المعروف؛ فكونه يؤمن بالله وازع له عن المؤاخذة بالظنة والتهمة.

     والإيمان للمؤمنين تصديقهم فيما يخبرونه، فتصديقه إياهم لأنهم صادقون لا يكذبون؛ لأن الإيمان وازع لهم عن أن يخبروه الكذب، فكما أن الرسول لا يؤاخذ أحدا بخبر الكاذب فهو يعامل الناس بشهادة المؤمنين، فقوله: (ويؤمن للمؤمنين) ثناء عليه بذلك يتضمن الأمر به، وعطف جملة ورحمة على جملتي يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين؛ لأن كونه رحمة للذين يؤمنون بعد علمه بنفاقهم أثر لإغضائه عن إجرامهم ولإمهالهم حتى يتمكن من الإيمان من وفقه الله للإيمان منهم، ولو آخذهم بحالهم دون مهل لكان من سبق السيف العذل، فالمراد من الإيمان في قوله: آمنوا الإيمان بالفعل، لا التظاهر بالإيمان، كما فسر به المفسرون، يعنون بالمؤمنين المتظاهرين بالإيمان المبطنين للكفر، وهم المنافقون.

      ثم أعقب الترغيب الترهيب من عواقب إيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم وهو إنذار بعذاب الآخرة وعذاب الدنيا. وفي ذكرى النبي  بوصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيماء إلى استحقاق مؤذيه العذاب الأليم.

قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

صرح -تعالى- في هذه الآية الكريمة بأن من يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له العذاب الأليم.

وذكر في (الأحزاب) أنه ملعون في الدنيا والآخرة، وأن له العذاب المهين، وذلك في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}.

     وأما أذية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي كل ما يؤذيه من الأقوال في غير معنى واحد، ومن الأفعال أيضا، أما قولهم: «فساحر، شاعر، كاهن، مجنون، وأما فعلهم: فكسر رباعيته وشج وجهه يوم أحد، وبمكة إلقاء السلى على ظهره وهو ساجد، إلى غير ذلك، وقال ابن عباس: نزلت في الذين طعنوا عليه حين اتخذ صفية بن حُيي، وأطلق إيذاء الله ورسوله وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات؛ لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون إلا بغير حق أبدا، وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه... ومنه.

     لما أرشد الله المؤمنين إلى تناهي مراتب حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكريمه وحذرهم مما قد يخفى على بعضهم من خفي الأذى في جانبه بقوله: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} (الأحزاب:53)، وقوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} (الأحزاب:53)، وعلمهم كيف يعاملونه معاملة التوقير والتكريم بقوله: {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} (الأحزاب:53) وقوله: {وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} (الأحزاب:53) ولا شك أن الكلام السيء عن زوجاته أعظم من ذلك، وأن الاعتداء على آل بيته أعظم من ذلك، وأن سب صحابته أعظم من ذلك، وكله يدخل تحت وعيد الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X