رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 8 أغسطس، 2010 0 تعليق

خدمة التنصير وواشنطن و«إسرائيل» والعداء للإسلام أصبح أهم مؤهلاتها الجوائـــز العالميــــة والعربيـة في الميــزان

 

 

لعل من يتابع الفائزين بالجوائز العالمية الكبرى في المجالات العلمية والطبية والاجتماعية يكاد يجمع على اجتماعهم على صفات عدة، أهمها السير في درب المشروع الأمريكي العولمي والتصور الأمريكي لشؤون العالم، وتبني وجهة النظر الأمريكية في مختلف القضايا سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم ثقافية، وكذلك تأييد المشروع الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط والدفاع عن حق الدولة العبرية في الوجود والاستيطان وابتلاع حقوق الفلسطينيين والعرب، وكذلك العداء للإسلام والكيد له وتوجيه انتقادات شديدة للدين والربط بينه وبين كل الجرائم وأعمال العنف والتطرف والإرهاب.

فباستعراض عديد من الأسماء التي فازت بجائزة نوبل في مجالات عدة نجد أسماء مثل أنور السادات، ومناحم بيجين، وشيمون بيريز وكوفي عنان، ومحمد البرادعي، وأونجي سان سوكي، ومنظمة أطباء بلا حدود والكاتب النيجيري تسونكي والنشطة الإيرانية تيسير عبادي وكذلك أسماء مثل نجيب محفوظ.. نجد ما ذكرناه في السطور السابقة منطبقًا عليهم فهم يتبعون نهج واشنطن والغرب ولا يستطيعون الفكاك منها، بل أدوا دورًا مهمًا في الحفاظ على المصالح الأمريكية وطوعوا مواقفهم للسير في هذا الدرب، فمثلاً شخص مثل مناحم بيجين لم يترك جريمة إبادة جماعية للفلسطينيين والعرب إلا وقام بها وتورط في عديد من المذابح مثل دير ياسين وتصفية عرب فلسطين وغيرها، وهو ما اقترفته يد المجرم الصهيوني شيمون بيريز نفسه الذي أدى دورًا مهمًا في تأسيس الدولة العبرية على جثث الفلسطينيين والعرب، وأسهم في تشريد ملايين اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات.

 

جوائز ومذابح

ولم يكتف بيريز الفائز بجائزة نوبل بهذه الجرائم، بل ارتكب جريمة كانت تكفي لملاحقته بوصفه مجرم حرب وسحب الجائزة منه عندما أصدر الأوامر للطائرات «الإسرائيلية» بقصف أحد مقار الأمم المتحدة بمدينة قانا اللبنانية رغم يقينه أن أغلبية المحتمين بالمبنى من المدنيين.

وما ينطبق على بيجين وبيريز ينطبق وإن كان بشكل مختلف على عديد من الفائزين بهذه الجائزة ومنهم شخصيات عربية، فالرئيس المصري الراحل أنور السادات قدم خدمات جليلة للولايات المتحدة بإبرامه اتفاق سلام مع الدولة العبرية يوقف الحرب بين العرب و«إسرائيل»، ويعطي تل أبيب الفرصة لتعظيم قدراتها العسكرية بعيدًا عن ضغوط المواجهات العسكرية وميزانيات المجهود الحربي، بل إن دوره الأبرز تمثل في شق الصف العربي وقطع العلاقات بين مصر وأشقائها العرب لترتمي أكثر في أحضان العم سام الأمريكي.

 

وإذا واصلنا استعراض الفائزين العرب فنجد الجائزة قد منحت لأسماء عربية عدة مثيرة للجدل وفي مقدمتهم الأديب العالمي نجيب محفوظ في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وهو الذي دأب على هدم ثوابت الإسلام وحتى الإساءة للذات الإلهية "تعالى الله عن ذلك علوا كبير" في رواية «أولاد حارتنا» بشكل فتح الأبواب لتأكيد خبراء في هذا المجال أن إساءة محفوظ للإسلام كانت العامل الأهم في فوزه بالجائزة، وكذلك دفاعه المثير للجدل عن إبرام مصر لاتفاقية السلام وتأييده للتطبيع السياسي والاقتصادي بين «إسرائيل» ومصر، علاوة على سيطرة المنظمات الماسونية على هذه الجائزة ومنحها لكل من يسيرون في ركابها ويعملون على خدمة مشاريعها التخريبية في العالم.

 

 

مكافأة نهاية خدمة

ويلاحظ كما ذكرنا سابقًا أن مثل هذه الجوائز قد تحولت لحوافز مالية ومكافأة نهاية خدمة لمن يسيرون في الدرب الأمريكي - صهيوني والغربي عموماً، وينذرون حياتهم للدفاع عن مصالحهم والكيد لأعدائهم والنيل من الدين الإسلامي والعمل على تذويب الهوية الدينية للمنطقة، فمثلاً فوز منظمات مثل أطباء بلا حدود و(أوكسفام) و(كارايتاس) بمثل هذه الجوائز جاء مكافأة لها على نشاطها التنصيري في أوساط المسلمين في معظم بقاع القارتين الأفريقية والآسيوية، وسعيها لاستعادة مجد «يسوع» في البلدان الإسلامية.

ولا نستطيع هنا تجاهل احتفاء عواصم القرار الدولي الكبرى بكاتبين مناهضين للإسلام مثل صاحب الآيات الشيطانية الهندي البريطاني سلمان رشدي، ونظيرته البنغالية تسليمة نصري، ومنحهم العديد من الجوائز الدولية؛ جزاء لهم على ما قاموا به من جهد في إطار الكيد للإسلام والإساءة إليه وتشويه صورة نبيه [ وأمهات المؤمنين وكبار الصحابة والسلف الصالح العظام.

صورة كربونية

إذا كانت هذه الصورة على المستوى الدولي فإن هذا الأمر يتكرر بصورة كربونية في دول المنطقة العربية، وفي مقدمتها مصر التي تشتعل بها ضجة كبيرة منذ إعلان المجلس الأعلى للثقافة منذ أيام عدة فوز كل من الدكتور حسن حنفي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة وكاتب يدعى د. سيد القمني بجائزة الدولة التقديرية في مجال العلوم الاجتماعية، والاثنان معروفان بمواقفهما المضادة للإسلام وميلهما للتيارات اليسارية والشيوعية وإساءتهما للثوابت الإسلامية ومواقفهم الرافضة لأداء الإسلام دورًا مهمًا في حياة الأمة، بل إن القمني تجاوز كل الحدود بتشكيكه في بعثة نبينا محمد [ ورسالته وتشديده على أن نبوة الرسول الخاتم لم تكن إلا محاولة من قريش للهيمنة على العرب والسيطرة السياسية والاقتصادية والدينية عليهم، والتشكيك كذلك في نزول الوحي على الرسول [ وما تبعه من تأليف رسولنا الكريم للقرآن الكريم، كما زعم هذا المفتري.

ولعل فوز القمني بمثل هذه الجائزة يفتح الباب واسعًا للتساؤل حول سيطرة الجهات التغريبية والعلمانية على مفاصل العمل الثقافي، وتصميمها على تحدي مشاعر المسلمين واستفزازهم ومنح الجائزة لأناس معروفين بعدائهم للإسلام لدرجة أن بعضهم عَدَّ الضجة الدائرة حاليًا حول فوزه حلقة في مسلسل الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، متجاهلا إجماع عدد من العلماء على أن القمني مرتد عن الدين ويجب استتابته ولا يجوز أن يفوز بمثل هذه الجائزة البالغة قيمتها 200 ألف جنيه من أموال المسلمين ودافعي الضرائب، وكان يجب أن توجه لحل مشكلات الأغلبية الفقيرة في مصر.

حزب فرنسا

وقد تصاعدت الضجة في مصر بعد مطالبة مفتي الديار المصرية السابق د. نصر فريد واصل بسحب الجائزة من القمني باعتبار فوزه منافٍياً لهوية الأمة ودستورها الذي ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع؛ لسجل القمني التخريبي والمعادي للإسلام، مشددًا على ضرورة اللجوء للقضاء لإجبار وزارة الثقافة على سحب الجائزة وإلزامه بإعادة الشق المالي منها، وهو الأمر الذي اتفق فيه مع المفتي عديد من النواب في البرلمان المصري، وفي مقدمتهم نواب جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

وما يحدث في مصر يتكرر في عدد من الدول العربية، ففي تونس والجزائر والمغرب يهيمن حزب فرنسا وعرابو التيار الفرانكفوني على مثل هذه الجوائز والمعادين لعروبة الجزائر وهويتها الإسلامية مثل سعيد سعدي وحسين آيت أحمد وعديد من «المثقفين» البربر والأمازيغ على مثل هذه الجوائز بإيعاز من أنصار هذا التيار المسيطرين على الحياة الثقافية في العالم العربي؛ حيث يهيمن الموالون للغرب والسائرون في فلك الأمريكان على هذه الجوائز بشكل حوّل هذه الجوائز لنظام "دائري" مقصور على فئة بعينها يفوز بها فلان هذا العام مؤيدًا من شلة بعينها ليفوز بها آخر من نفس الشلة، لدرجة أن بعضهم يعدها مكافأة نهاية خدمة لمن أسدوا معروفًا للفكر العلماني والتغريبي في العالم العربي وناصبوا الإسلام العداء.

وقد أسهمت سيطرة فئات بعينها على هذه الجائزة في وجود حالة نفور من الجوائز الممنوحة من قبل الدول العربية من فئة المثقفين والأكاديميين المحترمين، ولاسيما أن هذه الجوائز غدت تفتقد أية مصداقية كون أغلب الفائزين بها من أعضاء اللجان المخولة اختيار الفائزين بها، فضلاً عن هيمنة أجهزة الدولة الأمنية والبيروقراطية على ترشيح المقرر فوزهم بهذه الجائزة، وممارسة ضغوط على أعضائها لتعزيز فرص أحد المرشحين للفوز والتمتع بالعائد المالي الوفير.

 

غياب الخبرات

ويرى الدكتور محمد يحيي أستاذ الأدب الإنجليزي بآداب القاهرة أن فوز القمني وحنفي يشكل ردة عن هوية مصر الإسلامية، واستفزازًا لمشاعر الشعب المصري، وتأكيدًا على سيطرة العلمانية العفنة على المؤسسات الثقافية في مصر والعالم العربي، مشيرًا إلى أن جوائز الدولة التقديرية والعديد من الجوائز العالمية لم تعد تتمتع بأي قيمة علمية أو معنوية بعد أن أصبحت لجان تقييم الجوائز ترشح أعضاءها للفوز بها، مع غياب الخبرات القادرة على تمييز الغث من السمين، وسيطرة الأجهزة الحكومية على المؤسسات المانحة للجائزة.

وأوضح د. يحيي أن التحول لمعول هدم لهوية مصر الإسلامية وتخريب الإسلام من الداخل واحتقار الثوابت الإسلامية داخليًا وخدمة واشنطن وتل أبيب، كل ذلك أصبح المعيار الأول للفوز بهذه الجوائز دون الرهان على أية مؤهلات علمية أو خبرات ثقافية، علاوة على اعتلاء المنافقين والمطبلين لأنظمة الحكم لسدة المرشحين لهذه الجوائز ذات العائد المادي الوفير، فمثل هذه الجوائز أضحت: «حصان طروادة» بيد السلطة لمنع ومنح هذه الجائزة للمرضي عنه من قبل الأجهزة الأمنية.

وطالب د. يحيي بوضع معايير موضوعية لإعادة الاعتبار لمثل هذه الجوائز في مصر والعالم العربي، وفي مقدمتها الفصل بين عضوية اللجنة والمرشح للفوز بها، وفرض سرية تامة على أعضاء اللجنة، ومنع الاتصال بهم من قبل المرشحين، وأن يكون المخولون منح الجائزة أكثر قيمة وقامة من المرشحين للحصول عليها، وبهذه الخطوات نمنع انهيار الجائزة ونحفظ لها قيمتها.

 

حرب قضائية

وفي الإطار نفسه عدَّ د.محمد جمال حشمت الأستاذ بجامعة الإسكندرية وعضو مجلس الشعب السابق هذه الجوائز أداة بيد الزمرة العلمانية لدعم مسيرة المخربين لهوية الأمة، ومكافأة لهم على تواصل حملاتهم المعادية للإسلام، المنسجمة مع نهج الأنظمة المستبدة التي لا تخفي ضيقها من الصحوة الإسلامية رغم التضييق والحصار عليها.

وأكد د.حشمت على أهمية استمرار مواجهة سدنة المد العلماني برفع دعوات قضائية تطالب بسحب الجائزة من القمني وحنفي واسترداد المقابل المادي لهذه الجائزة، وانتزاع حكم قضائي بمنع فوز أي من المعادين لهوية الدولة وتوجهها الإسلامي بهذه الجائزة الممولة من الشعب المسلم، مطالبًا بتشكيل لجان مستقلة عن سطوة أجهزة الدولة لمنح هذه الجوائز، ولاسيما أن استمرار الأوضاع الحالية يفرغ الجائزة من مضمونها ويحولها لمسخ مشوّه.

ويرى حشمت أن الضرب بهوية مصر عرض الحائط وخطب ود واشنطن وتل أبيب من خلال منح الجوائز وتكريم سدنة الفكر التغريبي، تشكل كارثة لسمعة مصر ووضعها بوصفها دولة إسلامية رائدة، وتحولها لترس في آلة أعداء الإسلام، وتحول جوائز الدولة التقديرية في مصر لصورة كربونية من الجوائز الدولية التي في أولوياتها خدمة المشروعين الأمريكي والصهيوني والعداء للإسلام كأحد أهم المؤهلات لحصدها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك