رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 7 أغسطس، 2023 0 تعليق

حقوق الطفل في الإسلام

اهتم الإسلام بالطفل واعتنى به في جميع مراحل حياته صحيا ونفسيا واجتماعيا

حقوق الطفل في الإسلام

 

اعتنت الشريعة الإسلامية بالطفل، قبل ميلاده وحتى بلوغه، على مستوى حقوقه والأحكام المتعلقة به، ورعايته صحيا ونفسيا وتربويا واجتماعيا، فرعاية الأطفال في الشريعة الإسلامية من الأولويات، ويعد الإسلام أول المهتمين بحقوق الطفل منذ العصور الوسطى، وسبق في ذلك العصور الحديثة بأكثر من أربعة عشر قرنًا؛ ووضع دستورًا شاملًا لحقوق الطفل وأحاطه بسياج قوي من التشريعات والآداب حتى يظل مصونًا من أي عبث أو اعتداء أو بخس أو استغلال.

لقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالطفل اهتمامًا كبيرًا، فأوجبت له حقوقًا شملت جميع سنوات طفولته المختلفة.

(1) حقه في والدين صالحين

      لعل من أهم حقوق الطفل على أبيه أن يختار له أُما صالحة، وعلى أُمه أن تختار له أبًا صالحاً يتقى الله في تربيته، ويرجع ذلك إلى التأثير العظيم للوالدين في أبنائهم، سواء عن طريق التأثير الوراثي أم البيئي، وكما هو معلوم أن الولد يتقمص شخصية أبيه والبنت تتقمص شخصية أُمها، قال -تعالى- {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (النور: 3)، ثم قال -تعالى-: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} (الاعراف: 58).

(2) حقه في الحياة

     حرم الله -تعالى- قتل النفس بصفه عامه فقال سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} (المائدة: 32)، ثم اختص بيان حرمة قتل الأولاد، ليبين -سبحانه وتعالى- عظيم رحمته واهتمامه بهذا الوليد الذي لم يرتكب جرماً ولم يقترف إثماً، وللتأكيد على أن قتل هذا الوليد عقوبته من أغلظ العقوبات، وأيضاً للإشعار بأن هذا الوليد كائن مستقل يجب أخذه في الاعتبار، وأن يعامل على أساس أنه إنسان جديد، قال -تعالى-: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (الإسراء: 31).

(3) حق الطفل في التسمية

     من حق الطفل على أبويه أن يختارا له اسما حسنا يعرف به، ويتضح لنا أحقية الطفل في التسميه، وهذا الحق جعله الله في الشرائع التي قبلنا وأقرته الشريعة الإسلامية، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسمائكم»، وقال -تعالى- {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا}، (مريم: 7)، يبشر الله -تعالى- زكريا بغلام ويختار له اسمًا لم يسمَّ به أحد قبله.

(4) حقه في الرضاعة التامة

     أوجب لله -تعالى- على الأم أن ترضع صغيرها حولين كاملين، وهي مدة الرضاعة التامة، قال -تعالى-: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 233)، وقد اتفق فقهاء الإسلام على أن الرضاعة واجب على الأم ديانة، تسأل عنها أمام الله -تعالى-، حفاظاً على حياه الرضيع سواء كان ذكراً أم أُنثى، وسواء أكانت الأم متزوجة بوالد الرضيع، أم مطلقة منه وانتهت عدتها.

(5) حقه في الإحسان وعدم الغلظة

      القسوة والشدة على الصغار تأتي بنتائج عكسية على سلوكهم، تؤدي إلى اضطرابات نفسية كما تؤدي أيضاً إلى الشعور بالنقص، فالقسوة والغلظة تؤديان إلى نفور الطفل من المربي وكرهه وعدم الثقة فيما يقوله، استمع إلى قوله -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159).

     يقول ابن خلدون: من كان رباه العسف والقهر، حمله ذلك على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر ذلك علما عليه، وعلمه المكر والخديعة وصارت له هذه العادة خلقاً، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه، وصار عيالاً على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل.

(6) حقه في العدل والمساواة

      لقد أثبتت الدراسات النفسية أن ظهور اضطرابات نفسية واجتماعية على الطفل يرجع معظمها إلى إحساسه بالعدل والمساواة مع أقرانه أو عدمه، ولذلك فالجو المنزلي الذي يسود فيه شعور المحبة والمساواة ينتج أطفالاً منضبطين سلوكيا، مستقرين سلوكياً، والجو المنزلي الذي يسود فيه شعور الاضطهاد والظلم، ينتج عنه أطفال مضطربون في انفعالاتهم، شاذين في سلوكهم، والسنة النبوية الشريفة مليئة بالأحاديث التي توضح ذلك ومن هذه الأحاديث قوله -صلى الله عليه وسلم - «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».

(7) حقه في التوجيه والإرشاد

      اهتم الإسلام بالطفل واعتنى به عنايةً فائقةً، وباعتبار مرحلة الطفولة هي المرحلة الأساسية في بناء شخصية الطفل، فقد أوجب الإسلام على الآباء توجيه أبنائهم توجيهًا سليمًا صحيحًا، وجعل ذلك فرضًا عليهم، وحمَّل الإسلام الآباء أمانة تربية أطفال المسلمين وتأديبهم وتعليمهم، وقد حذر النبي محمد من تضييع هذه الأمانة، فقال: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة»، كما أنه أكد أهمية زرع الأخلاق عند الطفل منذ الصغر، وبين أن الأخلاق لا تغرس إلا من قبل الوالدين؛ فالمسؤولية تقع عليهم في زرع القيم الإسلامية، وكيف أنهم يجب أن يكونوا قدوة حسنة لأطفالهم.

(8) حق الطفل في اللعب

     يعد اللعب بمثابة الشغل الشاغل بالنسبة للصغار، فحياتهم كلها في اللعب ويكون اللعب بالنسبة له موجهًا للتكيف الاجتماعي والانفعالي؛ حيث يتسم الطفل الذي يحرص على اللعب والمرح بالصحة النفسية الجيدة، واللعب ظاهرة نمائية اجتماعية، لها تأثير مباشر على نمو الطفل الاجتماعي والخلقي وتأهيلهم لعالم الكبار، وهو جزء لا يتجزأ من حياته، فلا ينبغي أن يستهان به ويضيق على الطفل فيه فيحدث تصادم بين ذلك وبين ما فطروا وجبلوا عليه.

       وقد وردت أحاديث كثيره تقيد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يلاطف الأطفال ويلاعبهم ويكفل لهم حقهم في اللعب، وكذلك فعل الراشدون وسائر الصحابة من بعده ومن ذلك، أنه - صلى الله عليه وسلم - مر على نفر من أسلم ينضلون فقال «ارموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان راميًا، ارموا وأنا مع بنى فلان» فأمسك أحد الفريقين عن الرمي فقال - صلى الله عليه وسلم -: ارموا وأنا معكم كلكم»، كما أنه يمكن عن طريق اللعب أن تبث فيهم الأخلاق الحسنة كالصدق والأمانة، وتحذرهم من الأخلاق الذميمة كالكذب، والخيانة، والغش، والألفاظ البذيئة ونحو ذلك.

(9) حقه في الإنفاق عليه

      ومن مظاهر رعاية الإسلام للطفل، أنه أوجب على أبيه أن ينفق عليه حتى يقوى ويشتد عوده قال -تعالى- {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}» (الطلاق: 6-7)، وقد أورد الإمام البخاري بابًا كاملاً في فضل النفقة على الأهل والأولاد لأهمية هذا الأمر ومكانته في الشريعة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك