رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد مالك درامي 29 أغسطس، 2023 0 تعليق

حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية – شبهات حول حقوق الإنسان في الإسلا م

يحاول كثير من المشككين في الإسلام وشريعته وأحكامه، تشويه صورته بكل الوسائل والسبل، ومن ذلك إثارة الشبهات حول حقوق الإنسان في الإسلام؛ فاتهموا الإسلام بالعنصرية والطائفية والإرهاب، والهمجية، وأن الإسلام يقوم على قمع الحريات، ولقد اجتهد أهل الإسلام منذ القدم في رد تلك الشبه ونقضها بردود قوية مُحكمة، لكن الخوض في إثارة هذه الشبهات لم يتوقف إلى يومنا هذا، وسوف نعرض -بعون الله- من خلال هذه السلسلة بعض هذه الشبهات، والرد عليها.

الشبهة الأولى: حقوق الإنسان ذات مرجعية غربية بالأساس

روَّج الكثيرون من المشككين في الإسلام من المستشرقين وتلامذتهم من العلمانيين، أن الإسلام لم يعرف حقوق الإنسان إلا مؤخرًا، ويؤكدون أن حقوق الإنسان ذات مرجعية غربية بالأساس. الرد على هذه الشبهة حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية هبة من الله -تعالى- للإنسان؛ مما يجعل هذه الحقوق منوطة بالمفهوم الشرعي لها، وليست خاضعة لأي تفسير كائن من كان إلا ضمن الضوابط الشرعية المعتبرة، كما أنها فكرة أصيلة في الشريعة الإسلامية، ومصادرها الأساسية، ففي الإسلام، الشريعة هي مصدر حقوق الإنسان؛ فالحقوق مأخوذة منها سواء من نصوص خاصة أم من نصوص عامة أم من القواعد العامة للشريعة؛ فما تقرره فهو الحق، وما تنفيه فليس حقا وإن رآه الغرب حقا. والإسلام أقر احترام حقوق الإنسان وقدسها وحماها منذ أربعة عشر قرنًا، أي قبل هؤلاء الذين يشككون في حماية الإسلام لحقوق الإنسان، وتلك الحقوق أصيلة في الإسلام، فلا تقبل حذفًا ولا تعديلاً ولا نسخًا ولا تعطيلاً؛ لأنها حقوق ملزمة شرعها الخالق -سبحانه وتعالى. ترتبط بوجود الإنسان نفسه وهذا بعكس ما جاء به الغرب من حقوق؛ فحقوق الإنسان في الإسلام ليست من حق بشر أن يعطلها أو يتعدى عليها، ولا تسقط حصانتها الذاتية لا بإرادة الفرد تنازلاً عنها، ولا بإرادة المجتمع ممثلاً فيما يقيمه من مؤسسات أيا كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها، كما أن فكرة حقوق الإنسان ترتبط مباشرة بوجود الإنسان نفسه، الذي خلقه الله -سبحانه وتعالى-، وأعطاه صفة التكريم. تكريم الله -عز وجل- للإنسان والإسلام -منذ بزوغه- جاء بإعلان حقوق الإنسان، وقد دخلت هذه الحقوق حيز التنفيذ منذ معرفة وحدانية الله -سبحانه وتعالى-، الذي خلق البشر وكرمهم أفضل تكريم على جميع مخلوقاته يقوله -تعالى-: {ولقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: ٧٠)، فالله -تعالى- هو من كرم الإنسان بدين الإسلام على يد رسول الله [، وحافظ على حقوقه كاملة، وسن عقوبات على من ينتهك تلك الحقوق، وجعل الإنسان المحور المركزي للمسيرة الإنسانية؛ بحيث تصب كل معطياتها وإنجازاتها وطموحاتها في محصلة نهائية هي خير هذا الإنسان وإعمار هذا الكون؛ لأن الإنسان هو أكرم ما في الوجود، وهو فعلا أكرم ما في الوجود. مبادئ إسلامية أصلية ومما سبق يتبن أن فكرة حقوق الإنسان وحرماته لم تأت لنا من الغرب أو من كتابات مفكرين أو مما سجلته العهود والمواثيق الدولية، وإنما هي مبادئ أصلية سبقت بها الشريعة الإسلامية هذه العهود والمواثيق، ولكن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة لحماية حقوق الإنسان في أكمل صورة، وأن ما كفله الإسلام من كرامة واحترام للإنسان لم يعرف من قبل في أمة من الأمم مهما سجلت من حضارات. مفهوم الشريعة أساس الحق فالإسلام سبق القوانين الوضعية والمواثيق الدولية في حفظ حقوق الإنسان ورعايتها، على مفهوم الشريعة أساس الحق، وليس الحق أساس الشريعة، وقرر ذلك جليا قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، والمسلمون يسمعون عن كرامة الإنسان، والتسوية، وتمتد حقوق الإنسان بجذورها إلى تاريخ بعيد، ترتبط مباشرة بوجود الإنسان نفسه، الذي خلقه الله -سبحانه وتعالى-، وأعطاه صفة التكريم.

الشبهة الثاني: جمود الشريعة الإسلامية

زعم بعضهم أن الشريعة الإسلامية جامدة، وأن تطبيقها يتعارض مع حقوق الإنسان، فلا تساير متطلبات العصر لتلبي مصالح الإنسان المتطور. الرد على هذه الشبهة إن أحكام الإسلام أحكام عامة ومطلقة صالحة لكل زمان ومكان، ومن خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها كاملة وغير قابلة للإلغاء، أو التبديل مع تغير الزمان وتبدل الظروف والأحوال؛ لأنها جزء من الشريعة الإسلامية، والإسلام دين ودنيا، وأنه كما اهتم بتنظيم علاقة الفرد بربه اهتم كذلك بعلاقة الفرد بأخيه الإنسان وبعلاقته بمجتمعه؛ وعليه فالأحكام الشرعية التي جاء بها الإسلام على نوعين:
  • الأول: ما يتعلق بعلاقة الفرد بربه من عقيدة وإيمان وعبادات وغيرها، فهذه ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ومن ثم جاءت أحكامها مفصلة، لا مجال للاجتهاد فيها، وهو ما يطلق عليه العبادات.
  • الثاني: ما يتعلق بين الناس بعضهم ببعض، وهو المعروف بالمعاملات، وهذا النوع متطور، ومتغير بتغير الزمان والمكان، بعضه ذو طابع اجتهادي، وهو يتميز بشيء من المرونة، ومن ثم جاءت أحكامها عامة مجملة غير مفصلة، تابعة للمصلحة العامة، حسبما يراه أهل الحل والعقد وأهل العلم، ومن ذلك مبدأ الشورى.
لم تفصل الشريعة كيفية ذلك، بل تركته وفقاً للمصلحة العامة بعد وضع أطره العامة؛ مما يدل على نزعة الشريعة الإسلامية إلى التيسير على الناس؛ لتكون شريعة الله صالحة لكل زمان ومكان.

الشبهة الثالثة: قسوة الحدود الشرعية

        زعم بعض أعداء الإسلام والمشككين فيه، أن إقامة الحدود الشرعية في التشريع الجنائي في الإسلام عموما (من قتل وقطع ورجم وجلد) على المجرمين فيه من القسوة البالغة والوحشية التي لا تتناسب مع عصرنا الحاضر، وفيها امتهان لكرامة الإنسان، ومخالفة للمعايير التي تنادي بها المنظمات الدولية للحفاظ على الإنسان وحقوقه، وأن هذه الحدود عقوبات لا تتفق مع ما وصلت إليه الإنسانية والمدنية في عصرنا الحاضر. الرد على هذه الشبهة من وجوه أن الذي شرع هذه الحدود هو الله -سبحانه وتعالى- خالق البشرية، وهو أدرى بما يصلحهم وما يصلح لهم، قال -تعالى-: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك: ١٤)، فالله رؤوف بعبادة ورحيم بهم، قال -تعالى-: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (لنور: ٢٠)، هذه الحدود ثابتة في الشريعة الإسلامية لحكم عظيمة قد تظهر لقوم وتخفى على آخرين، فلا يضرنا -نحن المسلمين- أن عرفنا الحكمة أو جهلناها؛ فلله الحكمة البالغة في كل تشريع. كل عقاب لابد فيه من شدة ومما هو مسلم به بين العقلاء أن كل عقاب لابد فيه من شدة وقسوة، حتى لو ضرب الرجل ولده مؤدبًا له لكان في ذلك نوع من القسوة، فالزعم بوجود عقاب دون شيء من القسوة مكابرة ظاهرة، فليسموها ما شاؤوا، وإذا لم تشتمل العقوبات على شيء من القسوة والشدة فكيف ستكون رادعة وزاجرة للمجرمين وضعاف النفوس؟ وكذلك نقول في قسوة الحدود، فحرصًا على سلامة المجتمع من الفساد والمرض، كان من الحزم والعقل القسوة على الجزء الفاسد منه، ليسلم باقي أعضاء المجتمع. كما أن إقامة الحدود الشرعية -حينما تصبح تشريعًا نافذًا يلتزم به الأفراد، ويطبقه المجتمع، ويصبح معلومًا للناس جميعًا أنه مَن قتل يُقتَل، وأن مَن سرق يُقطع، وهكذا- فإن كل شيء سيسير على النظام الذي يحقق الأمن والاستقرار، هذا إلى جانب التربية الإسلامية التي تُقوِّي الضمير، وتربط الفرد بالله -تعالى- على امتداد الأزمان والأماكن؛ فالتربية والتشريع الحدودي يرسمانِ للمجتمع الإسلامي الأمن والهدوء والاستقرار، وذلك أعز ما في هذه الحياة. والإسلام قبل أن يحكم على المجرم بالحد قدم له من وسائل الوقاية ما كان يكفي لإبعاده عن الجريمة التي اقترفها، لو كان له قلب حي وضمير، لكنه لما أغلق قلبه وألغى عقله ونزع من ضميره الرحمة، استحق أن يعاقب من جنس صنيعه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك