رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد مالك درامي 2 أغسطس، 2023 0 تعليق

حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية – خصائص حقوق الإنسان ومميزاته في الإسلام

إن الإسلام عقيدة وشريعة، هو دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده المؤمنين؛ فهو نظام دين ودنيا، ينظم علاقة المسلم بربه، وبمجتمعه، وينظم حال الجماعة المسلمة بما يصلح حالها، ويضمن الاستقرار اللازم لها؛ لقيام مجتمع آمن يلتزم أفراده فيه بأمر ربها، ولقد كان الإسلام سباقًا إلى تقرير حقوق الإنسان، وشرع تشريعات تعلي من قيمة الإنسان وحقوقه المتمثلة في المساواة والحرية والعدل؛ لذلك نستعرض في هذه السلسلة حقوق الإنسان التي أقرتها الشريعة الإسلامية وسبقت بها الأمم كافة، وكنا قد تكلمنا في المقال السابق عن مفهوم الحقوق في القرآن الكريم.

      لقد سبق الإسلام المواثيق الدولية والقوانين الوضعية كافة في الاعتراف بحقوق الإنسان، وشدد على ضرورة حمايتها وحفظها ورعايتها بناء على مفهوم الشريعة أساس الحق، وليس الحق أساس الشريعة، وقرر ذلك جليا قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، كما بين الإسلام مقاصد الشريعة الإسلامية بأنها تقوم على حماية حياة الإنسان ودينه وعقله وماله وأسرته.

حقوقٌ أصيلة ثابتة

      فحقوق الإنسان في الإسلام حقوقٌ أصيلة، تثبت للإنسان بمجرّد خروجه وليداً إلى هذه الحياة الدّنيا، وبصفته إنساناً، ومن ثم هي ليست حقوقا مكتسبة، بمعنى أنّ الإنسان يكتسبها بسبب لونه، أو جنسه، أو عرقه، أو دينه، فلكلّ النّاس حقوقهم المعتبرة والأصيلة في الحياة والكسب الطيب، والحريّة الشّخصيّة، وحقّ التّملك والتّصرف في الأموال والأملاك وغير ذلك من الحقوق.

واقعنا المعاصر

      بينما نرى في واقعنا المعاصر أنّ كثيراً من الدّول التي تبنّت مواثيق حقوق الإنسان، قد ظلمت الإنسان كثيراً في تاريخها حينما حرمته من أبسط حقوقه في الحياة، وما الوثائق والصكوك الدولية التي يتباهى بها الغرب حول حقوق الإنسان إلا وليدة هذه العصور الحديثة، وكان أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي لم يصدر إلا في 10/12/1948م، ومثال على الظلم والتعسف، في واقعنا المعاصر استعباد الغرب لذوي الأصول الإفريقيّة عندما دخلوا تلك البلاد مستعمرين.

خصائص حقوق الإنسان في الإسلام

       ولحقوق الإنسان في الإسلام خصائص ومميزات لا توجد في الاتفاقيات والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن أهم هذه الخصائص ما يأتي:

أولاً- حقوق الإنسان في الإسلام منح إلهية

     إن حقوق الإنسان في الإسلام منح إلهية، منحها الله لخلقه؛ فهي ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثله، يمن بها عليه ويسلبها منه متى شاء، أو قرارا صادرا عن سلطة أو منظمة دولية، بل هي حقوق ملزمة، قررها الله للإنسان، فلا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل، ولا يسمح بالاعتداء عليها، ولا يجوز التنازل عنها.

ثانياً- حقوق تنبثق من العقيدة الإسلامية

إن حقوق الإنسان في الإسلام تنبعُ- أصلاً- من عقيدة التوحيد، (شهادة أن لا إله إلا الله) منطلق كل الحقوق والحريات؛ لأن الله -تعالى- الواحد الأحد الفرد الصمد، خلق الناس أحراراً، ويريدهم أن يكونوا أحراراً، ويأمرهم بالمحافظة على الحقوق التي شرعها لهم والحرص على الالتزام بها، ثم كلفهم- شرعاً- بالجهاد في سبيلها والدفاع عنها، ومنع الاعتداء عليها، وهذا ما تكرَّر في القرآن الكريم في آيات القتال والجهاد، قال -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: ١٩٠).

ثالثا- حقوق شاملة لكل أنواع الحقوق

     إن حُقُوق الإنسان في الإسلام شاملة لكل أنواع الحقوق الدينية والبدنية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أن هذه الحقوق عامة لكل الناس، دون تمييز بينهم بسبب اللون أو الجنس أو اللغة، وكلها قائمة على العدل والحكمة، والمصلحة والرحمة.

رابعا: حقوق ثابتة لا تقبل الإلغاء أو التبديل أو التعطيل

     من خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها كاملة وغير قابلة للإلغاء، أو التبديل مع تغير الزمان وتبدل الظروف والأحوال؛ لأنها جزء من الشريعة الإسلامية، فإن وثائق البشر قابلة للتعديل والإلغاء مهما جرى تحصينها بالنصوص، وقضى الله أن يكون دينه خاتم الأديان، وأن يكون رسول الله خاتم النبيين، ومن ثم فما جاء في كتاب الله وسنة رسوله فهو باق ما دامت السماوات والأرض.

خامسا: ليست مطلقة بل مقيدة

     ومن خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها ليست مطلقة، بل مقيدة بعدم التعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية، وبالتالي بعدم الإضرار بمصالح الجماعة التي يعتبر الإنسان فرداً من أفراده.

سادسا: مقدّمة على حقوق بقيّة المخلوقات

      لقد أولت الشّريعة الإسلاميّة الإنسان الاهتمام الكبير باعتباره أهمّ مخلوقٍ على وجه هذه الأرض، فهو المستخلف الشّرعي فيها، وهو مناط التّكليف، وهو منفّذ حكم الله -تعالى- في الأرض، وقد أكّد القرآن الكريم على هذه الحقيقة في قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: ٧٠).

سابعا: مقصدها الأساسي تكريم للإنسان

      الشريعة الإسلامية لم تحافظ على حقوق الإنسان فحسب، بل تجاوزتها إلى ما هو أهم وأسمى، وأعظم إكراماً للإنسان وأكثر إعزازًا له، ألا وهو تقرير كرامة الإنسان، وتفضيله على سائر الحيوان، وإسباغ النعم عليه، وتسخير ما في السماوات والأرض له، يقول -تعالى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: ٧٠).

 

 

حقوق الإنسان في الإسلام تقوم على مبدأين أساسيين

     حقوق الإنسان في الإسلام تقوم على مبدأين أساسيين هما: مبدأ المساواة، ومبدأ الحرية، ويؤسس مبدأ المساواة على قاعدتي وحدة الأصل البشري، وشمول الكرامة الإنسانية لكل البشر، فمسألة حفظ حقوق الإنسان، وتحريم ظلمه وانتهاك حقوقه من مسلّمات الشريعة وأبجدياتها، وهذا الحق مضمون حتى للبهائم والحيوانات، وليس أدل على ذلك من أن تدخل النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت كما جاء في حديث الرسول [؛ حيث قال: « دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ حَشَّاش الْأَرْضِ»، وفي المقابل يغفر الله لزانية ويدخلها الجنة؛ بكلب سقته كان يلعق الثرى من شدة العطش، قال [: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا» فإذا كان هذا المستوى قد ضمن للحيوان، فإن ما ضمنته الشريعة الإسلامية للإنسان أشرف من هذا وأعظم، إنه مفهوم التكريم للإنسان الذي قرره ربنا في الآية السابقة الجامعة المحكمة، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: ٧٠).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك