رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 18 مارس، 2024 0 تعليق

حال المسلمين المتقين الصادقين في رمضان

  • في رمضانَ تهفو النفوسُ للاستجابةِ لأنينِ المكلومينَ ونُصرةِ المظلومينَ وإغاثةِ المستضعفينَ والشعورِ بآلامِ المسلمينَ وهذا مِنْ أبهى صُوَرِ الإقبالِ على اللهِ
  • المسلمُ عندما تَحِلُّ به مواسمُ الطاعةِ يَفْرَحُ بها ويَنْفُضُ عن كاهلِه غبارَ الكسل ويُشمِّرُ عن ساعدِ الجِدِّ ليغتنمَ مواسمَ الخيرِ التي قد لا تتكرَّر
  • الدعاءُ في رمضانَ مقامُه عليٌّ وشأنُه جليٌّ حينَ يخلو المرءُ بربِّه وقد أطبَق الليلُ بسكونِه وأرخَى الليلُ سدولَه وجَنَّ الظلامُ مُرخِيًا ستورَه
  • كُلَّما أقبلتَ على القرآن تلاوةً وتدبُّرًا أقبَل اللهُ عليكَ، وارتَفَعَ قدرُكَ مقاماتٍ وعَظُمَ أجرُكَ وابلًا مِنَ الحسناتِ واستنارَتْ حياتُكَ
 

جاءت خطبة المسجد النبوي لهذا الأسبوع بعنوان: (حال المسلمين المتقين الصادقين في رمضان)، للشيخ عبدالباري بن عواض الثبيتي، الذي بين في بداية خطبته بعض فضائل شهر رمضن قائلاً: هذا رمضانُ قد أقبلَتْ أنوارُه، واقترَب إشراقُه، وحان حلولُه، له في النفوس أزكى مكانةٍ، وفي القلوب محبةٌ وصدارةٌ، نهارُه خزائنُ من الرحمات، وليلُه مغفرةٌ ونفحاتٌ، ألذُّ ما في الكون، وأجملُ ما في الحياةِ والنعيمِ، وقرةُ العينِ الإقبالُ على الله -عز وجل-، وجوهرُ الإقبالِ على اللهِ إقبالُ القلبِ، بأَنْ تجعلَ اللهَ غايتَكَ، ونُصْبَ عينيكَ.

       منافذُ الإقبالِ على الله في رمضان وعلى مدار العمر كلِّه متاحةٌ، ومتنوعةٌ، ومُشْرَعةٌ، فليس بينَها وبينَ القومِ إلا الولوجُ، والصيامُ مِنْ أجملِ صُوَرِ الإقبالِ على اللهِ، يترُكُ المسلمُ طعامَه وشرابَه ابتغاءَ مرضاةِ اللهِ، ومَنْ أقبَل على اللهِ بالصيامِ أقبَل اللهُ عليه بجزاءٍ لا يُوصَفُ، وفضلٍ لا يُتْرَكُ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إِلى سَبْعِ مِائَةَ ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»(رواه مسلم).

الصلاةُ أعظمُ إقبالٍ على الله

       والصلاةُ أعظمُ إقبالٍ على الله؛ فإنَّ وقوفَكَ بينَ يديه يعني مناجاتَكَ له -سبحانه-، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أحدَكم إذا قام يُصلِّي فإنَّه يُناجِي ربَّه»، يُناجِيهِ بحمدِه، والخشوعِ له، والتذللِ والتضرعِ بينَ يديه أَنْ يغفِرَ ويرحَمَ ويعافيَ ويهديَ ويرزقَ، فإذا باشَر القلبُ هذه المعانيَ، خرَج من الصلاة وقد تذوَّق لذةَ القُرْب، ونعيم الإقبال على الله، والصلاةُ في رمضانَ رَوْحٌ وريحانٌ، وخيراتٌ حسانٌ.

رمضانُ والقرآنُ

       وتلاوةُ آيةٍ في كتابِ اللهِ تزيدُ القارئَ إقبالًا على الله، وكلُّ حرفٍ يُدنِيهِ مِنْ خالقِه قُرْبًا ورضوانًا، وإذا اقترَن رمضانُ والقرآنُ فلا تَسَلْ عن النعيمِ الحالِّ بأولئكَ المقبلينَ، والرحمةِ المغشاةِ على أولئك التالينَ، كُلَّما أقبلتَ على القرآن تلاوةً وتدبُّرًا، أقبَل اللهُ عليكَ، وارتَفَعَ قدرُكَ مقاماتٍ، وعَظُمَ أجرُكَ وابلًا مِنَ الحسناتِ، واستنارَتْ حياتُكَ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُقَالُ ‌لِصَاحِبِ ‌الْقُرْآنِ: ‌اقْرَأْ، ‌وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا» رواه أبو دواد.

ذكرُ اللهِ بابٌ واسعٌ مُشرَعٌ

       وذكرُ اللهِ بابٌ واسعٌ مُشرَعٌ بين يديكَ، للإقبال عليه -سبحانه- صباحَ مساءَ، غدوًّا وعشيًّا، قيامًا وقعودًا، والمقبِلُ على الله يستثمِر كلَّ لحظة في رمضان، فهو خفيفُ الظلِّ، سريعُ الانقضاءِ، والجزاءُ عظيمٌ، والفضلُ كبيرٌ، قال رسو الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقولُ اللهُ -تعالى-: أنا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي بي، وأنا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي في مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَأٍ خَيْرٍ مِنُهْم»(رواه البخاري)، فكيف إذا كان الذِّكْرُ في رمضانَ بلسانٍ صائمٍ، وقلبٍ خاشعٍ!.

الدعاءُ في رمضانَ مقامُه عال

       والدعاءُ في رمضانَ مقامُه عليٌّ، وشأنُه جليٌّ، حينَ يخلو المرءُ بربِّه، وقد أطبَق الليلُ بسكونِه، وأرخَى الليلُ سدولَه، وجَنَّ الظلامُ مُرخِيًا ستورَه، ولسانُ حالِه يقول: مَنْ لي سواكَ أَرْتَجِيهِ وألوذُ به، أتيتُكَ محمَّلًا بالخطايا والذنوب فاغفر لي وارحمني، وأَنِرْ قلبي.

خزائنُ الله لا تَنْفَدُ بالعطاء

        خزائنُه -سبحانه- لا تَنْفَدُ بالعطاء، يرى كلَّ دمعةٍ ذُرِفَتْ، يَعْلَمُ حُزْنَكَ، وخلجاتِ قلبِكَ، يُراقِبُ أحزانَكَ، يسمعُ دعاءَكَ، يسمعُ تضرُّعَكَ، بل يُحِبُّ العبدَ اللحوحَ في الدعاء، لا يملُّ مِنْ دُعاءِ العبدِ له، بل يفرحُ أشدَّ فرحٍ، قال الله -تعالى-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (الْبَقَرَةِ: 186).

نُصرة المظلومينَ وإغاثة المستضعفينَ

        وفي رمضانَ تهفو النفوسُ للاستجابةِ لأنينِ المكلومينَ، ونُصرةِ المظلومينَ، وإغاثةِ المستضعفينَ، والشعورِ بآلامِ المسلمينَ، وهذا مِنْ أبهى صُوَرِ الإقبالِ على اللهِ، وحقٌّ أصيلٌ مِنْ حقوقِ الأخوةِ الإيمانيةِ، ومجلَبةٌ لرحمةِ مَنْ في السماء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض، يرحمكم من في السماء»(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

الإقبال على الله

       ولو لم يكن من ثمرةِ إقبالِكَ على اللهِ إلَّا أَنْ يُقبِلَ اللهُ عليكَ لكان كافيًا، وتحتَ هذه الكلمةِ (إقبال الله عليكَ) من المعاني ما لا يُوفِّيها شرحٌ، ولا تستوعبها الكلماتُ، فكيف إذا أقبَل اللهُ عليكَ في رمضانَ؟! يُقبِلُ اللهُ عليكَ بجُودِهِ وكَرَمِهِ وعطائِه وإحسانِه ورحمتِه ومغفرتِه، الذي يُجازِي الحسنةَ بالإحسان وزيادة، والتقربَ بالقُربى وزيادة، والإقبالَ بالقَبول وزيادة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله -عز وجل-: ‌مَنْ ‌جَاءَ ‌بِالْحَسَنَةِ ‌فَلَهُ ‌عَشْرُ ‌أَمْثَالِهَا ‌وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»(رواه مسلم).

ثمرات إقبال الله على العبد

        إذا أقبَل اللهُ على العبدِ أحبَّه، وإذا أحبَّه قَبِلَهُ، وجعَلَه مقبولًا في السماء، محبوبًا في الأرض، أَحْيَا قلبَه، أعزَّ شأنَه، أَعْلَى ذِكْرَه، وسدَّد خطاه، أعانَه في مسعاه، أجابَه إذا دَعَاهُ، ومِنْ كلِّ شرٍّ كَفَاهُ، وإذا أردتَ أَنْ تَعْرِفَ طرفًا مِنْ معنَى إقبالِ اللهِ عليكَ فتأمَّلْ هذا الحديثَ: روى البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ ممَّا افْتَرَضتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يُبْطِشُ بها، ورِجلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذنَّهُ، وما ترَدَّدْتُ عن شَيْءٍ أنا فَاعِلُهُ تَرَدُّدي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ: يَكْرَهُ المَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».

اغتنم مواسم الخيرات

        والمسلمُ عندما تَحِلُّ به مواسمُ الطاعةِ يَفْرَحُ بها، ويَنْفُضُ عن كاهلِه غبارَ الكسل، ويُشمِّرُ عن ساعدِ الجِدِّ، ليغتنمَ مواسمَ الخيرِ التي قد لا تتكرَّر، ويُعَمِّرُ أوقاتِ الطاعةِ التي لا تُفَوَّتُ، يُسابِقُ إلى المغفرةِ والجنةِ، فالغنائمُ في رمضانَ تستحقُّ العزائمَ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»(رواه البخاري)، فإذا فرطتَ في واحدة، فلا تُفَوِّتِ الأخرى، ويا فوزَ مَنْ شمَّر فأدرَكَها كُلَّها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك