رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 19 يوليو، 2010 0 تعليق

تصاعــــــــــد المـــد التنصيــــري في أفريقــــــــــيا عبر المنظمات الغربيــــــــــــة

 ألقت عدة تطورات شهدتها القارة الأفريقية خلال الأسابيع الماضية الضوء على تصاعد النشاط التنصيري في القارة السمراء بهدف استعادة مجد الصليب بها بحسب زعم العشرات من سدنة التنصير وعلى رأسهم صموئيل زويمر الذي وعد خلال مؤتمر كولوردوا عام 1978م بتحويل أفريقيا لقارة مسيحية بحلول عام 2000 عبر التعويل على أكثر من 600 منظمة تنصيرية تعمل في القارة السمراء بين كاثوليكية وإنجيلية وبروتستاتنية.

وكان التطور الأول في هذا الإطار هو قيام السودان بطرد حوالي 13 منظمة تنصيرية تعمل في إقليم دارفور تحت ستار تقديم العون والإغاثة الإنسانية لمواطني الإقليم المسلم والذي تحول الكثير منهم للاجئين بفعل المؤامرة الغربية الساعية لتقسيم السودان عبر إشعال الفتن والصراعات المسلحة في أطرافه المختلفة.

 

 

 

وكان لافتًا سيطرة الأنشطة التنصيرية على جميع المنظمات التي طردت، وكان في طليعتها منظمة الإنقاذ الدولية الأمريكية وإنقاذ الطفولة الأمريكية والتعاون والبناء والتضامن الفرنسية ومنظمة العمل ضد الجوع الفرنسية ومنظمة أوكسفام وإنقاذ الطفولة البريطانية وميرسي كروب وأطباء بلا حدود ومجلس اللاجئين النرويجي وهي جزء من كل يتمثل في عشرات المنظمات التنصيرية التي تعمل في السودان.

 

ولا شك أن السودان كانت له تحفظات شديدة على أنشطة هذه المنظمات وفي مقدمتها دورها التنصيري، غير أن رغبة حكومة الخرطوم في إنجاح جهود التسوية مع منظمات التمرد والتخفيف من حدة الضغوط الدولية عن الخرطوم والسماح لمنظمات التمرد السائرة على الدرب الأمريكي والفرنسي بدخول مفاوضات تسوية مع الخرطوم تقر عدم طرد الخرطوم لهذه المنظمات منذ أمد طويل، كل ذلك قد عطل كثيرًا من صدور قرار بطردها، وكانت الحكومة السودانية تنتظر الظرف المناسب للقيام به والمتمثل في صدور قرار توقيف الرئيس السوداني عمر البشير.

وتمثلت تحفظات الخرطوم على عمل هذه المنظمات في تصاعد دورها التنصيري في أوساط اللاجئين الدارفوريين سواء في مخيمات مقامة على الأراضي السودانية أو في تشاد ومساعيها لتنصير أكبر عدد من أبناء الإقليم الذي يتميز بنقائه الإسلامي باعتباره من أكبر حواضر القرآن الكريم ويتضمن أكثر من نصف حفظته في مجمل أراضي السودان.

وقد سعت هذه المنظمات لتذويب هويته الإسلامية وإغراء أبناء الإقليم الذين وقعوا ضحايا للأطماع الدولية والرغبة من جانب عديد من الدول الغربية في السطو على ثروات الإقليم من ذهب ونفط ويورانيوم وغيرها، وكذلك الصراعات بين واشنطن وباريس على النفوذ في القارة السمراء حيث تعتبر باريس أن تعزيز النفوذ الفرنسي في الإقليم ذي الأهمية الاستراتيجية هو حلقة الوصل بين العالمين الغربي والإفريقي ورد اعتبار لها بعد طردها وتقليص نفوذها في مناطق عدة من القارة السمراء من جانب واشنطن.

 

 

 

تنصير وخطف

 

 المهم في هذا الإطار أن هذه المنظمات مع غيرها قد تطورت في محاولة تنصير عدد كبير من مواطني دارفور، رغم أن الإقليم الذي تتجاوز مساحته نصف مليون كيلومتر مربع يخلو من كنيسة واحدة عبر ربطها بين تقديم عدد من الخدمات وبين الاستماع إلى وعظ تنصيري في مقرات هذه المنظمات، وكذلك الحصول على أموال وأغذية وملابس مرفق بها كتيبات تدعو لاعتناق النصرانية، بل أنشأت العديد من الإذاعات لتعزيز دورها المشبوه.

وتورطت هذه المنظمات المشبوهة في خطف وتهجير العديد من أبناء دارفور سواء في مدن وقرى الإقليم أو في المجمعات الواقعة في الأراضي التشادية خصوصًا الأطفال وبيعهم لأسر فرنسية، وهي الفضيحة التي كشفتها السلطات التشادية بشكل أجبر السلطات الفرنسية على تقديم اعتذار ومعه تعهدات بإعادة عشرات الأطفال المخطوفين لذويهم قبل أن تبدأ خطوات تنصيرهم بشكل تام ودمجهم في أسر فرنسية كاثوليكية.

 

 

 

طابور خامس

 

 وكانت جريمة منظمات التنصير الكبرى هي دخولها في إطار لعبة سياسية قذرة تمثلت في جمع المعلومات عن السودان وتقديمها لأجهزة الاستخبارات الدولية سواء عبر وجودها في دارفور أو في مناطق شرق وجنوب السودان في إطار مخططات تفتيت الدولة السودانية حسب المخططات الأمريكية والدولية لأربعة دول، واستخدام هذه الدويلات في حصار العالمين العربي والإسلامي والتحكم في مناطق شديدة الأهمية من الناحية الإستراتيجية.

ولعبت هذه المنظمات كذلك دورًا مهمًا في جمع وتزويد الأدلة الخاصة بوقوع جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي في الإقليم وتقديم هذه المعلومات المزورة للمحكمة الجنائية الدولية للاستناد إليها في توجيه مذكرة اتهام للرئيس البشير ومن قبله للوزير أحمد هارون وقائد ميليشيات الجنجويد محمد علي كوشيب، وهي معلومات تناقضت بشكل واضح مع التقارير الصادرة عن مؤسسات دينية ومنظمات إغاثة إسلامية وعربية في مقدمتها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين زارت دارفور واستمعت لشهادات من الأهالي وخرجت بنتيجة مفادها أن عدد قتلى الصراع الدامي في الإقليم لا يتجاوز 10 آلاف قتيل كحد أقصى يعود معظمهم لخلافات حول المراعي والمياه ولم تكن لها أي تداعيات عرقية أو دينية.

لذا فهذه المنظمات لم تكتف باستغلال الكارثة التي حلت بمواطني دارفور وأوضاعهم الإنسانية شديدة الصعوبة لتنصيرهم والكيد لهم وتذويب هويتهم، بل عملت كطابور خامس للدول الكبرى بإمدادها بمعلومات وتزوير أدلة لإدانة قادة السودان وتهيئة الساحة لتنفيذ مخططه نفسه.

 

 

 

وجه إيجابي

 

 وقد يقول قائل: رب ضارة نافعة، فقرار السودان بطرد هذه المنظمات التنصيرية قد فتح الباب أمام "سودنة" العمل الطوعي واستغلال الطاقات الوطنية لمواجهة تداعيات الأزمة في دارفور وتجنيب البلاد السماح لمنظمات تنصيرية مشبوهة تسعي لتذويب هوية البلد والإضرار بأمنه القومي بالعمل داخل أراضيه.

بل وإن إحدى الصور الإيجابية للأزمة أن السودان قد أعلن ترحيبه بعودة منظمات الإغاثة العربية والإسلامية للعمل في دارفور لسد الفراغ الذي تركته المنظمات الدولية الراحلة رغم أن هذا الدور قد أثيرت تساؤلات عديدة حوله طوال مدة وجودها في الإقليم، وهي منظمات تمتلك من الخبرة والتجربة ما يجعلها قادرة على سد هذا الفراغ وعلى رأسها الندوة العالمية للشباب الإسلامي وجمعية إحياء التراث ولجنة مسلمي أفريقيا- العون المباشر ورابطة العالم الإسلامي وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة الإسلامية والهيئة الإسلامية العالمية للوقف الخيري ومؤسسة آل مكتوم، ناهيك عن مؤسسات شبه رسمية مثل اتحاد الأطباء العرب.

ولا شك أن هذا الكم الهائل من المؤسسات قادر على مواجهة الموقف وإغاثة لاجئي دارفور والتصدي لجميع المشاكل التي تواجههم عبر تمسكها بمبادئ دينها الحنيف واقتصار أنشطتها على الإغاثة دون أن تحمل أي رسالة سياسية أو أجندات غامضة.

 

 

 

أجندة مشبوهة

 

 أما التطور الثاني فيما يخص المخطط المشبوه لتنصير مسلمي أفريقيا فيتمثل في الزيارة التي قام بها للقارة السمراء البابا بنديكت السادس عشر التي ضمت ما يقرب من عشر دول أفريقية العديد منها يمثل المسلمون بها أغلبية تقترب من نصف عدد السكان على الأقل مثل ساح العاجل والكاميرون وغانا، بل إن بعضها يشكل المسلمون فيها 95 إلى 98% من سكانها مثل غينيا وأغلبية ساحقة مثل سيراليون.

وتأتي هذه الزيارة في ضوء رغبة البابا في تنشيط العمل التنصيري في أوساط المسلمين والوثنيين واستغلال أجواء الاضطرابات السياسية والأمنية وانتشار الفقر لتنفيذ هذا المخطط المشبوه.

ويهدف البابا من خلال هذه الرحلة "الرعوية" - بحسب بيان الفاتيكان عن الرحلة - لتنشيط وتفعيل الجهود التنصيرية التي تغيرت بشدة خلال العقود الماضية رغم المليارات التي أنفقت عليها لاستعادة مجد الصليب في القارة السمراء، لاسيما أن الأوضاع المضطربة فيها والفقر والتخلف والأمية تعطي الفرصة للأنشطة التنصيرية لتحقيق أهدافها وتنفيذ مقررات مؤتمرات التنصير الكبرى التي حددت عام 2000 لهيمنة النصرانية على أفريقيا دون أن يرى هذا الهدف النور رغم أن الساحة قد فرغت لهذه المنظمات المشبوهة لتعيث فسادًا في القارة السمراء بعد عام 2001م والحملة العنيفة على منظمات الإغاثة الإسلامية، وهي الاتهامات التي أجبرت العديد من المنظمات على مغادرة البلاد الأفريقية قبل أن تعمل منذ عدة أعوام على استعادة أرضيتها والوفاء بمتطلبات عملها في العديد من الدول الأفريقية.

لذا فليس خافيًا على أحد أن البابا بنديكت شديد التعصب للكاثوليكية لا يتورع عن مطالبة القساوسة والرهبان ببذل جهود مكثفة لاستعادة مجد الصليب، ومن ثم فإن رحلته الواسعة لعديد من البلدان الأفريقية هدفها مواجهة التصاعد الكبير والإقبال الشديد من جانب مواطني القارة السمراء على اعتناق الإسلام بحيث لا يكاد يمر يوم بحسب أحد التقارير الموثقة إلا ويعتنق آلاف الأفارقة الإسلام لاسيما الوثنيون منهم الذين يجدون في الإسلام قوى روحية كبيرة وعامل توازن كبير بين الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه وهو ما لا يجده الأفارقة في أي دين آخر.

 

 

 

قلق وصعود

 

 ويدفعنا هذا للإشارة إلى أن زيارة البابا للقارة الأفريقية وسعيه لتنشيط العمل التنصيري يعكسان حالة من القلق للصعود الإسلامي الذي شهدته القارة السمراء خلال السنوات الأخيرة وهو ما يتفق معه الدكتور جمال عبد الهادي الأستاذ بجامعة أم القرى سابقًا بالإشارة إلى أن قرار السودان طرد هذه المنظمات التنصيرية قد جاء متأخرًا؛ حيث تركت تعيث فسادًا في دارفور وتبث سمومها وتحاول تجريف هوية إقليم القرآن في السودان وهو ما يتطلب أن تسعى منظمات الإغاثة الإسلامية للتدخل بقوة وتقديم خدماتها للمتضررين من الأوضاع في دارفور وهي قادرة ـ بإذن الله ـ بما تمتلكه من إمكانيات وبشكل أكبر جودة على تقديم هذه الخدمات غير المسببة والتي لا ترتبط بأجندات مشبوهة.

ولفت عبد الهادي إلى أن هذه المنظمات كانت تعمل "عينًا" لأجهزة الاستخبارات الغربية والتي لا تخفي بأي حال من الأحوال ضيقها من نهضة السودان ورغبتها في تفتيته والسطو على ثرواته مما يجعل هذا القرار مصيبًا رغم تأخره.

ويعتبر د. عبد الهادي أن زيارة البابا بنديكت السادس عشر لأفريقيا تأتي في إطار المساعي لتنصير القارة السمراء في ظل حالة الغضب والقلق  من تعثر مخططات التنصير رغم المليارات التي أنفقت عليه، مشددًا على ضرورة وجود دعم رسمي لمنظمات الإغاثة الإسلامية للتصدي لهذا المخطط المشبوه رغم يقيني أن مساعي التنصير لن تحقق أهدافها أبدًا في القارة السمراء.

 

 

 

مخاوف شديدة

 

 وفي إطار موازٍ يرى الشيخ شعبان رمضان موباجي مفتي أوغندا أن مخاطر الغزو التنصيري قد تصاعدت خلال الفترة الأخيرة في القارة السمراء وستزداد شراسته مع زيارة بابا الفاتيكان لعديد من الدول الأفريقية، لاسيما أنه سيركز خلال هذه الزيارة على دفع الدول الأفريقية لتسهيل  مهمة بعثات التنصير التي ترصد لها سنويًا ما يتجاوز 3 مليارات دولار لدعم النشاط التنصيري في القارة الأفريقية وغيرها.

ويلفت موباجي إلى أن هذه الأنشطة لم تجن ثمار ما وضعته سواء في أوساط المسلمين أو الوثنيين في أفريقيا، لاسيما أن الديانة المسيحية وبعكس الإسلام لا تجد آذانًا صاغية لدى الأفارقة، مشددًا على أن هذا الإعراض لا يبقي المخاطر الشديدة التي تواجه مسلمي أفريقيا نتيجة هذا الاندفاع التنصيري الرهيب لاسيما من جهة تركيزهم على علمنة المواطنين الأفارقة وإبعادهم عن دينهم كمرحلة أولى لتنصيرهم، وهو أمر شديد الخطورة وينبغي التصدي له عبر تعاون وثيق بين المؤسسات الإسلامية في أفريقيا وجمعيات الإغاثة والعمل الخيري الإسلامي لاستعادة أرضيته، لاسيما أن وجود المنظمات الإغاثية الإسلامية رغم أهميته مازال غير كاف لمواجهة هذا المد التنصيري الجارف.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك