رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 27 يوليو، 2010 0 تعليق

تراجع الانتماء للوطن والأمة خطر داهم يهدد أمتنا

 

لعل من يستقرئ الأوضاع داخل الساحة العربية يجد عددًا من الظواهر الغريبة والمستجدة على بلداننا العربية خلال العقد الحالي فاجأت جميع المتابعين والمراقبين، بل أشعلت قلقهم على المصير المؤلم الذي تتجه إليه شعوبنا ودولنا وفي الطليعة منهم شباب أمتنا الذي يواجه حجما هائلاً من التحديات, أبرزها ما عاناه من محاولات تذويب هويته وانتمائه إلى أسرته فوطنه وأمته, ومحاولة فرض أنساق قيمية غريبة عليها تختلف بالضرورة عن منظومته القيمية على الصعيدين الاجتماعي والديني, وتحاول فرض نسق العولمة عليه على جميع الصعد ليبتعد عن جذوره وثوابته ويبحث له عن مرجعية تنسجم مع توجهات الهيمنة العالمية.

     ومن يتابع البلدان العربية حاليًا يجد أن الانتماء للوطن والأسرة إلى الوطن وحتى إلى الدين يواجه اختبارا شديد الصعوبة, فمثلاً إذا نظرنا إلى دولتين مثل العراق واليمن نجد أن الهوية والانتماء الوطني لشعبي البلدين, أو بالأحرى لمجموعات عرقية ودينية قد تراجعا بصورة لافتة لمصلحة الانتماء العرقي والطائفي, الذي أصبح يشكل أولوية لدى شرائح معينة من المجتمع, فمن يلاحظ الاحتقان الطائفي بين السنة والشيعة والأكراد في العراق يضع يديه على قلبه وعلى مستقبل هذا البلد وكيف ضاع  الانتماء إلى الوطن الأكبر لمصلحة العرقية والقبلية والمذهبية.

     ويتكرر نفس المشهد في اليمن من حيث نكوص جانب كبير من انتماء مواطنيه لوطنه لمصلحة أمور طائفية ومذهبية, وكيف تمردت مجموعة عرقية على النظام الحاكم وأولي الأمر تنفيذًا لأجندة إقليمية وكيف ضحي هؤلاء بانتمائهم لوطنهم وعرضوا وحدته لمحك قوي وصار مستقبل البلاد على شفا الانهيار، دون أن يضعوا في اعتبارهم أن هذا البلد يظلهم بظله وهو السيناريو الذي تكرر في وسط البلاد على يد فئة خارجة عن إجماع المسلمين لم يعد انتماؤها لوطنها يشكل أي أهمية لديها،  بل إن إسالة دماء مواطنيهم وأشقائهم في الوطن صارت أمرا ميسورًا لديهم بسبب تبنيهم لفكر ضال ومضل يقودهم ويقود بلدانهم للضياع.

     بل إن الأمر يزيد خطورة عندما ننتقل لجنوب البلاد حيث يتنبى مجموعة يطلق عليها (الحراك الجنوبي) فكرا انفصاليا مخربا يهدد وحدة البلاد التي دفع فيها اليمنيون الغالي والنفيس من أجل أن ترى النور، حيث صار الانتماء للقبيلة ولمجموعات جغرافية وسياسية بعينها هو الهم الأول ولتذهب وحدة البلاد للجحيم.

عرقية ومذهبية

     ما يحدث في اليمن والعراق من حيث تحول الانتماء للعرق والمذهب والقبيلة إلى الشغل الشاغل ليس بعيدا عن كثير من البلدان وإن كان بصورة أقل قتامة، فبحسب دراسات صادرة عن جهات رسمية في عدد من البلدان العربية ومنها مصر وبلدان الخليج دقت هذه المراكز ناقوس الخطر عبر دراسات ومؤتمرات ناقشت قضية الانتماء والمخاطر التي تهدد الأوطان والأمة من وراء تراجعه، وهناك دراسة للدكتور عبد الهادي الجوهري أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنيا عن «الانتماء والعولمة» حيث أكدت الدراسة أن أخطر آثار العولمة على الهوية والانتماء هو ما يتصل باقتحامها للبنى الثقافية والحضارية لشعوب العالم تحت دعوى التوحيد الثقافي، وما يؤدي إليه ذلك من تصدع الهوية الثقافية في بلدان العالم المتأثرة  بالعولمة، فضلاً عن تداعياته  على ما  يسمى بالصراع القيمي، بالإضافة إلى إضعاف مشاعر الانتماء، ولما لذلك من تأثير في تشرذم المجتمع وصراعه وتفككه. 

     ويلفت الجوهري إلى أن الشباب هم أكثر فئات المجتمع خروجًا على الانتماء، لكن العوامل التي دفعت إلى تراجع (وليس اختفاء) فكرة الانتماء امتد تأثيرها إلى الجميع... لكنها ربما تأخذ مع الشباب - بما يحمله من طاقة وطموح، وما يمثله من بداية للحياة - صورة أكثر بروزًا؛ فكيف سيشعر الفرد بالانتماء لوطنٍ لا يملك فيه لقمة عيشه أو أرضاً يسكن فيها؟ وكيف سيشعر بالانتماء لوطن لا يحصل فيه على حقوقه الطبيعية، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟!

تقزيم الوطن

     بل إن الأمر يزيد خطورة في ظل التحديات الخطيرة التي تواجه بلداننا  حيث تتجاذب مصائرها مراكز القوى والنفوذ هذه، فتشوش مفهوم الانتماء الوطني لدى الشباب لسيادة ثقافة الدفاع عن القبيلة الحزب المصالح المالية التي قزّمت الوطن في عقل المواطن ليصبح قبيلة أو حزبا سياسيا أو منطقة جغرافية.

     وأكدت الدراسة أن هناك علاقة إيجابية بين درجة الانتماء لدى المواطنين و معدلات التنمية وتقدم المجتمع، أي إنه كلما زادت درجة معدلات الانتماء لدى المواطنين في أي مجتمع زادت معدلات التنمية وتقدم ذلك المجتمع.

     وعددت الدراسة مظاهر تراجع الانتماء للوطن، منها مثلاً تبني أنماط ثقافية بعيدة عن تراثه الديني والاجتماعي وتراجع قضايا الوطن والأمة، إلى آخر ترتيب الأولويات لأجل قضايا فئوية وقطرية وسعي عدد كبير من المواطنين إلى هجرة أوطانهم، حيث أكدت أن 54% من شباب الجامعات في مصر يتوقون للسفر للخارج ليجدوا فيه فرصة لحياة أفضل في ظل حالة اليأس من تحسن الأوضاع بسبب موجة من التطورات السياسية والاقتصادية التي لا تصب في مصلحة الأغلبية العظمى من المواطنين.

     ولعل الأمر يزداد خطورة عندما نلحظ تدني الانتماء للوطن والأمة داخل العالم العربي إلي درجة أن كثيرًا من الشباب العربي يقيس انتماءه لوطنه بتشجيعه في مباراة لكرة القدم، وكيف قاد الأمر إلى أزمة شديدة بين مصر والجزائر كادت تهدد بانقطاع العلاقات بين البلدين بشكل كشف الهوة السحيقة التي تهدد الأمة، وكيف نجحت الحكومات في تجييش الموتورين من البلدين كوقود لهذه الأزمة، دون أن تقر بعجزها عن استغلال هذا الانتماء في مشروعات وطنية أو قومية عملاقة تتصدى للمشاكل المزمنة التي تعانيها دولنا في مقدمتها الفقر والبطالة والتخلف الاقتصادي.

شعور متأخر بالأزمة

     ومن اللافت أن العديد من الدول العربية قد بدأت تهتم بهذه المشكلة وأخضعت الأمر للدراسة، حيث استضافت مملكة البحرين مثلاً مؤتمرًا حول «الهوية في الخليج العربي.. التنوع ووحدة الانتماء» الذي نظمه معهد البحرين للتنمية السياسية حضره لفيف من المتخصصين وناقشوا عدة محاور تتضمن «الهوية والانتماء الوطني في الخليج العربي» و«التنوع السكاني والتسامح والهوية في الخليج العربي» و «الإسلام والعروبة ومسألة الهوية» و «قضايا الهوية والعولمة» ووضعوا توصيات مهمة لمواجهة تراجع الانتماء الوطني وكيفية استعادة الانتماء وتوجيهه لخدمة بلدان المنطقة.

     ومن الأمور الخطيرة أن تراجع الانتماء للأوطان واكبه تراجع الانتماء للأمة العربية والسخرية من ماضيها بما فيه من صفحات مجيدة، واليقين بعجز هذه الأمة أن تجد مكانًا لها تحت الشمس في وقت يتصاعد الإعجاب بالنموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الغربي، وهو أمر كرسه شعور الشباب بأنه مهمل، وأنه لا يلقى الرعاية والاهتمام، وأن حقوقه مهدرة وحاجاته مهملة بالمقارنة بما يحدث في العرب من اهتمام ومساواة بين المواطنين، وهو أمر  يلعب دورًا رئيسيًا في شعور الشاب العربي بعدم الانتماء وعدم الاستعداد لبذل الغالي والنفيس من أجل وطنه ورفعته.

مسؤولية رسمية

     ويشير د.علي ليلة أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس إلى أن العبث بانتماء المواطنين لأوطانهم لعبة خطيرة وتهدد بعواقب وخيمة، بل إن الدول الكبرى تستخدم الانتماء كأداة مهمة لحماية مصالحها، فلم يعد الصراع بين الدول صراعًا عسكريًا مسلحًا بقدر ما أصبح صراعًا حضاريًا وثقافيًا وسياسيًا، ويأتي الاستقطاب الثقافي والفكري والسياسي في مقدمة ذلك الصراع، ومن ثم اهتمت الدول بالعمل على تحصين شبابها وتأهيلهم سياسيًا ضد محاولات الغزو والاستقطاب الخارجي، وكذا تأكيداً للهوية الوطنية وتعميقاً للانتماء والولاء، وهو أمر لا نراه واضحًا في أجندة بلداننا العربية حيث تركت شبابه نهبًا لأنماط ثقافية وتعليمية تضعها على طبق من ذهب أمام أعدائها.

     واتهم ليلة الأجهزة الرسمية بمختلف أطيافها بالمسؤولية عن تراجع شعور المواطنين بالانتماء لأوطانهم، وتملك زمام المبادرة لاحتواء هذه المشكلة، بدءًا من إصلاح الإعلام الاستهلاكي المشبع بالنمط الغربي في الحياة والتفكير فيما يحدثه من  تناقض صارخ بين ما يتم تقديمه في الإعلام وما يشكل ميراث الأمة من الدين والتقاليد، لافتا إلى أن ديننا الحنيف اعتبر أن الانتماء للأوطان واجب شرعي عبر حديث رسولنا الكريم [ عندما خاطب مكة: «والله إنك لأحب البقاع إليّ ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت» وهو نص مهم يجب أن يكون له دور في إشعار الشباب بأهمية الانتماء للوطن.

     وشدد د. ليلة على أهمية  دور المناهج المدرسية في تعزيز ثقافة سلوك الانتماء الوطني  التي انحسرت بقوة  كنتيجة لهيمنة الشركات الرأسمالية ونفوذها في صناعة القرار السياسي الذي أصبح يخدم مصالحها لا مصالح الجماهير، فأصبحت ثروات الشعوب ترحل من خزائن الحكومات وجيوب ملايين الأفراد إلى جيوب حفنة من الأفراد.

     ويعتقد ليلة أن تراجع دور الدولة وتلاشي  قدرتها على تحقيق  طموحات وأحلام الشباب وشعورهم بتمييز الحكومات بين الأفراد  وفقاً لانتماءاتهم الحزبية والقبلية والمناطقية والمذهبية، جعلت أفراد الشعوب يبحثون عن تكتلات يرونها تحقق لهم مستوى من الأمان، فمنهم من ذهب باتجاه صناعة تكتلات قبلية مؤثرة، ومنهم من ذهب باتجاه صناعة تكتلات حزبية، ومنهم من ذهب باتجاه صناعة تكتلات مناطقية، ومنهم من ذهب باتجاه تكتلات دينية، ومنهم من ذهب باتجاه تكتلات مذهبية، لافتا إلى أن العلاج لا يتوقف عند لوم الشباب على التحرر من الشعور بالانتماء، بل يجب الحديث عن الأسباب التي همّشت ذلك الشعور.

إعلام استهلاكي

     فيما عزت د.عزة كريم الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تراجع الانتماء إلى حزمة من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية منها ارتفاع نسبة البطالة وعجز الشباب عن توفير فرصة عمل وارتفاع نسبة العنوسة وتفشي الفقر، متسائلة: كيف يشعر المواطن بالانتماء لوطن لا يحقق الحد الأدنى من مطالب الحياة؟! لافتة إلى أن وسائل الإعلام مسؤولة أيضًا عن تراجع الانتماء من خلال ما تقدمه من مظاهر للحياة الغربية مما قد يبعث على الانبهار بها والرغبة في تقليدها، أو ما قد تعرضه هذه المؤسسات من مشكلات وهموم في الحياة الاجتماعية وتبالغ في إبراز هذه المشكلات إلى حد يدفع الشاب إلى الشعور باليأس، وعدم الأمان والاستقرار، وتهز شعوره بالفخر والإعجاب والاعتزاز بوطنه ماضيه وحاضره ومستقبله.

     وتلفت د.كريم إلى أن وسائل معالجة هذه المشكلة متاحة وتتمثل في التوعية الوطنية والتربية الدينية التي ترسخ المشاعر الدينية والإسلامية وتؤصلها وتنميها في ذهن الشاب وفي حسه ووجدانه عبر إصلاح المؤسسات التعليمية وإعادة الاعتبار للمناهج الإسلامية لدورها المهم  في غرس الشعور بالانتماء عن طريق إبراز مفاخر الحضارة الإسلامية التي هي ولا شك أرقى الحضارات التي عرفتها الإنسانية قاطبة .

وكذلك إبراز ما ينطوي عليه تاريخنا القديم والحديث من الأمجاد الخالدة والانتصارات العظيمة.

      وأشارت الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن  النشاط السياسي يعد إحدى الوسائل لاستعادة الشعور بالانتماء، وتعزيز قيمة الذات والانخراط بدور فاعل في المجتمع يؤدي للمشاركة في صنع القرار ويخرج بالفرد من الحالة الهامشية التي يعيشها، فضلا عن أن الأسرة هي الحصن الأهم لتكريس الانتماء فالفرد الذي يشعر بالاهتمام في الأسرة ينتمي بالطبع للأمة والوطن.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك