رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود بركات- سوريا 24 يوليو، 2010 0 تعليق

تذمر وشكوى

خرجت أبحث عن عمل أسد به خلتي، فأعياني البحث دون أن أوفق في العثور على ضالتي، فخرجت ثانية لأبحث في أحضان الطبيعة عما يسهم في نفي الضيق عن نفسي، فمشيت بعض  الوقت ورأيت رجلاً يحمل صندوقاً خشبياً، فاقتربت منه وسألته عن سر هذا  الصندوق، فوجدته قد جمع فيه أصنافاً كثيرة من حشرات وقوارض وزواحف وطيور وادعى أنه يجمعها من باب الهواية. وإذ رأى مني فضولاً قاتلاً واستفساراً لا ينتهي عن كيفية الاحتفاظ بها اعترف أنه يبيعها لبعض الجهات.

وطلبت إليه.. لا بل رجوته كثيراً أن أعمل معه؛ يقنعني من الأجر الكفاف ومن الزاد خبز حاف، فمثل هذه الأعمال لا تحتاج إلى روتين طويل ممل يبالغ فيه أرباب العمل، فهم من التخمة بما لا يشعرهم بألم الطاوي وحاجته للعمل وسرعة تعيينه، وبدا لي أخيراً أن الرجل لم يكن بحاجة إلى كثير أو قليل من الرجاء، فقد طلب إليّ أن أجمع له ما أستطيع، وخصص لي أصنافاً ثمنها أفضل بكثير من غيرها، وخلال فترة قصيرة جمعت له الكثير مما أراد مما زاده إعجاباً وبي تعلقاً.

وسألته مرة أن أرافقه لأروي فضولي - الذي لا يقف عند حد - بما يجري لهذه الكائنات، فاصطحبني وهو كاره للصحبة، وتبين لي سبب ذلك: أن الرجل يحصل على أجر عظيم بجهد ضئيل مقارنة بالجهد المضني الذي أقوم به والأجر الزهيد الذي يمن به علي.

وكما يقول العوام: «كل شي بتزرعو بتقلعو إلا ابن آدم ازرعو بيقلعك» ولما زرعني ذلك الرجل وعرفت سر المهنة قلعته من شرشه - أي من جذره - حين صرت أبيع تلك الكائنات بنصف الثمن الذي كانوا يدفعونه إليه.

وعرفت عن كثب ما يجري لهذه الكائنات إذ كانت تتوزع بين التحنيط، وهذا الصنف يستخدم للعرض بين الأثاث الفاخر في بيوت الأثرياء، وآخر يستخدم في كليات العلوم كدروس عملية في التشريح، وقسم ثالث يباع للمخابر لإجراء التجارب الطبية، ورأيت هذه الكائنات وصبرها واستسلامها لأدوات التشريح الحادة حتى تنتهي أخيراً إلى سلة النفايات.

وقفزت إلى ذهني الأشباه والنظائر - وما أكثر ما تقفز - وأجريت مقارنة عاجلة بين العرب وبين أمريكا وحلفائها، فإذا رأت أمريكا ذات النظر الثاقب والرأي السديد أن تجرب فعالية قنابلها وصواريخها في بلاد المسلمين، وقدرتها في خدمة التكنولوجيا والحضارة على تمزيق الأشلاء العربية، إذا أبدت إعجاباً ورضاً وارتياحاً وروحاً رياضية إزاء الجسد العربي فوق المشرحة اليهودية، أكثرنا الشكوى وبالغنا في الصراخ والعويل والنواح وكأننا - أستغفر الله - وحدنا من خلقنا الله، وكأن تلك الحشرات لا خالق لها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك