رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 13 يوليو، 2010 0 تعليق

-تجربة رائدة رغم قلة الإمكانيات – مدرسة (ورثة الأنبياء) .. منارة علمية في أرض الكويت

 تحويل الأفكار إلى مشاريع عمل ليس بالأمر الهين، فالأفكار لا تنشأ من فراغ، وإنما تنسج المعاناة خيوطها الأولى، ولا تنجح فكرة ما إلا إذا استجمعت شروطاً عدة للنجاح، فلا تنجح أي فكرة ما لم يحملها شخص تملك عليه كيانه وتأخذ بمجامع نفسه فيعيش الفكرة ويعيش لها، يُجّسدها سلوكًا وفكرًا، وتستغرق عليه جُلَّ وقته، وبقَدْر وضوح رؤية ذلك الشخص لفكرته وتعمقه في فهمها واستبصاره بمستقبلها ينجح في تنفيذ فكرته على أرض الواقع، هذا باختصار ما حدث في مشروع مدرسة ورثة الأنبياء حيث كانت كما ذكر شيخنا الفاضل الشيخ عثمان الخميس – حفظه الله - فكرة شخصيَّة في مُخيّلته، حيث كان ينظر الشيخ إلى طلب العلم في الكويت وإلى ضعفه نوعًا ما، وعدم وجود منهج تأصيلي يجتمع عليه طلبة العلم، ففكر في البداية في مدرسة تستقبل الأطفال منذ الصغر أي من الابتدائي ثم المتوسط ثم الثانوي، فيتخرجون فيها وقد اعْتُنيَ بهم عناية تامة بحفظ القرآن الكريم وحفظ متون السُنَّة، وكانت هذه أمنية وفكرة كان يتمنى تحقيقها، وفي الوقت نفسه سخَّر الله له أحد الإخوة الذي عرض عليه فكرة إنشاء مدرسة للكبار، ولما وجد الشيخ أن الفكرة الأولى تحتاج إلى تحضير وإعداد كبير بعكس الفكرة الجديدة قرر البدء بإنشاء مدرسة للكبار، واستقر الرأي على تسميتها (مدرسة ورثة الأنبياء) وبفضل الله تم إنشاء المدرسة.

كان هذا بداية حواري مع الشيخ – حفظه الله – عن مدرسة (ورثة الأنبياء) تلك التجربة الرائدة التي نبتت في أرض طيبة لطالما رَعَتْ مثل هذه التجارب قديمًا وحديثًا.

 واستكملت الحوار مع الشيخ – حفظه الله – وسألته عن المعايير التي تم من خلالها اختيار المناهج والمعلمين والمشايخ الفضلاء بالمدرسة؟

فقال حفظه الله:

- المناهج التي تدرس بالمدرسة هي العلوم الشرعية المعروفة من الفقه والحديث والتفسير وعلوم القرآن وعلوم المصطلح والعلوم الشرعية بشكل عام التي تُدرَّس في الكليات الشرعية ككلية الشريعة بجامعة الكويت  وجامعة الملك سعود والجامعة الإسلامية وجامعة الأزهر وغيرها من الجامعات الإسلامية المعروفة، وتم اختيار المشايخ والمدرسين بالمدرسة بعناية تامة بفضل الله، ولما قمنا بالبدء في تنفيذ الفكرة عرضنا الأمر على كثير من المشايخ، فمنهم من اعتذر لانشغاله، ومنهم من توقف لحين يرى مدى نجاح المدرسة، والذي وافق هو من يعمل معنا الآن، ولكن بفضل الله لم يعارض أحد الفكرة والكل وافق، وخاصةً أننا ما زلنا في السنة التمهيدية.

> ما طبيعة الشهادة التي سيحصل عليها الطالب حال تخرجه، وهل ستكون معتمدة من جهة أكاديمية معينة؟

- إن شاء الله سيحصل جميع الطلبة على شهادات وإجازات من المشايخ أنفسهم حتى ييسر الله لنا ونستطيع استخراج الترخيص قريبًا.

معايير التقييم

- ما المعايير التي يتم من خلالها تقييم الطلبة خلال السنة الدراسية؟

- لا شك أن للتقييم أهمية كبيرة، ولكن الإشكالية في هذا الأمر أن عدد الطلبة كبير - نسأل الله أن يبارك فيهم -  والمعلمون والشيوخ بشكل عام منشغلون بأشياء أخرى بين العمل والدروس الخاصة لكل منهم، وكثير منهم -حفظهم الله - يعتذرون عن عدم قدرتهم على متابعة هؤلاء الطلبة وخاصة النساء منهم، حيث إن الحضور بالنسبة لهن غير إلزامي؛ لذلك صار الاعتماد على نتائج الاختبارات النهائية فقط، وحتى فكرة عمل اختبارات قصيرة وجدنا من الصعوبة تنفيذها وكما قلت لك فنحن ما زلنا في بداية الطريق.

- من الملاحظ - حفظكم الله - ضعف الحملة الإعلامية للمدرسة، فكثير من الناس وطلبة العلم لم يسمع عنها إلا متأخرًا، ومنهم من لم يعرف عنها شيئًا على الإطلاق؟

- نحن ثلاثة الذين عملنا ولله الحمد والمنة، ولا يوجد أي لجنة أو جهة رعت هذا الموضوع  - ليس رفضًا ولكننا لم نطلب من أحد منهم – وبفضل الله هي جهود فردية وشخصيَّة إلى الآن، ونسأل الله أن يبارك فيها.

- وأنتم في نهاية السنة الدراسية التمهيدية ما هي الثمرات التي تحققت في هذه الفترة والتي يمكن من خلالها الحكم على نجاح المدرسة من عدمه؟

- أهم ثمرة تحققت إلى الآن هي استمرارية المدرسة بفضل الله، وكوننا في نهاية السنة الأولى والأعداد بفضل الله ما زالت كبيرة، فهذا دليل القبول عند الناس، ونرجو أن نكون من المقبولين عند الله تبارك وتعالى.

والثمرة الثانية هي ثناء كثير من الرجال والنساء بفضل الله على جهود المدرسة واستفادتهم منها.

والأمر الثالث رغبة كثيرَّ من المحسنين في المساهمة في دعم المدرسة ماديًا لِما رأوه من تلك الثمرات بفضل الله.

- ماذا تقول للمشككين في قدرة المدرسة على الاستمرار وأنها مجرد حماس وقتي سرعان ما ينفض وينقضي؟

- هؤلاء هم المثبطون وهم في كل زمان ومكان، والإنسان حقيقةً إذا سمع أقوال هؤلاء المثبطين واستجاب لهم لن يصنع شيئًا، وللأسف هؤلاء موجودون في كل مجتمع وأقوالهم معروفة دائمًا: فلن تنجح، ستفشل، وغيرها من العبارات المحبطة التي لا يُجيدون غيرها، ولكن نحن نعمل لله سبحانه وتعالى، ونسأله سبحانه أن يوفقنا، ولن نستطيع أن نوقفهم ولكننا سنعمل، ونسأل الله لنا ولهم الهداية.

الحركة العلمية

- ما  تقييمكم للحركة العلمية في الكويت، وخاصة أن مشروع المدرسة من المشاريع الرائدة في هذا الشأن، كذلك فإن الكويت شهدت مؤخرًا انطلاق مثل هذه المؤسسات كمدرسة دار الحديث وجامعة المدينة العالمية وغيرهما من المشاريع العلمية؟

- بداية بالنسبة لدار الحديث التي خرجت أنا أتوقع أنه تم التحضير لها من قبل ولله الحمد والمنة، وهذا دليل على أن الفكرة واردة عند إخواننا لإنشاء مثل هذه المدارس، ولا نقول نحن قدوةً لغيرنا، ولكننا نسعى كما يسعون وهم معنا على الجادة وعلى هذا المنهج السليم، وأرجو أن تكون مثل هذه المشاريع لبنات طيبة في هذه البلاد، وأيضًا تكون بداية إن شاء الله لانتشارها في أماكن أخرى، وقد اتصل بي بعض الإخوة من قطر وأبدوا إعجابهم بالفكرة، وبالفعل قام وفدٌ منهم وصل إلى عشرين شخصًا وزارونا واطلعوا على الفكرة بالتفصيل وتشجعوا لإنشاء مثلها في قطر.

> بفضل الله المدارس والمعاهد السلفية والجامعات الإسلامية موجودة في بلدان كثيرة من بلاد المسلمين، فهل لديكم خطة مستقبلية لتنسيق الجهود فيما بينكم وبين تلك المؤسسات، ولماذا لا يتم إنشاء رابطة خاصة تجمع تلك الجهود؟

- طبعًا هذه الأمور مطلوبة جدًّا، ونحن الآن في بداية الطريق، ومجرد أن تنتهي هذه السنة التمهيدية سنبدأ سلسلة من الرحلات العلمية والتنسيق والارتباط مع إخواننا المشايخ والعلماء في كل بلاد العالم.

- ختامًا بارك الله فيكم، كلمة توجهونها لطلبة العلم  الدارسين منهم في المدرسة أو غيرهم ممن لديهم الرغبة في الالتحاق بهذا الركب المبارك.

- أقول لهم شعارنا في هذه المدرسة:

العلم يبني بيوتًا لا عماد لها

                                                  والجهل يهدم بيت العز والكرم

ندعو جميع الطلبة أن يلتحقوا إذا بدأ التسجيل مرة أخرى، ونحن بفضل الله عندنا من الطلبة من هم كبار في السن، وأصغر طالب عندنا عمره تسع سنوات وقد اشترك هو وأمه وأبوه، وعلى الشباب أن يحرص على طلب العلم وتحصيله، ونسال الله التوفيق للجميع.

الإجرات الإدارية للمدرسة

وبعد لقائي بالشيخ حفظه الله التقيت بالمسؤول الإداري للمدرسة الذي آثر عدم ذكر اسمه، ولعله من الجنود المجهولين وراء نجاح المدرسة بعد فضل الله تبارك وتعالى، وهو الشخص الذي أشار إليه الشيخ في حديثه، وبادرته بالسؤال عن طبيعة العملية الإدارية في المدرسة فيما يخص الهيكل والمقر الإداري  للمدرسة، وفريق العمل الذي يدير تلك العملية، فقال مشكورًا: بالنسبة للهيكل الإداري فهو ما زال محدودًا حيث إنه قيد الإنشاء ولم تنته الصورة النهائية له بعد, فالمشرف العام للمدرسة فضيلة الشيخ عثمان الخميس, ثم مدير اللجنة العلمية الشيخ نواف السالم, ثم اللجنة العلمية التي مهمتها متابعة وتنظيم المناهج العلمية للمدرسة, واللجنة الإدارية تعتمد حاليًا على التطوع، ولم يتم توظيف أحد حتى الآن، وإنما سوف يكون التنظيم الإداري وتعيين الموظفين بعد الانتهاء من بناء مقر المدرسة إن شاء الله.

آليات التسجيل

- ما آليات تسجيل الطلبة بالمدرسة، وهل يتم أخذ رسوم منهم، وكم عدد الذين سجلوا بالمدرسة هذا العام؟

- يتم تسجيل أسماء الطلاب الراغبين في الالتحاق بالمدرسة في المسجد الذي تعقد به الدروس العلمية مقابل رسوم رمزية, أما عن عدد الطلبة المسجلين في المدرسة حاليا فيقارب عددهم الألف وثلاثمائة طالب.

- هل تُكلمنا مشكورًا عن نظام السنة الدراسية وعدد أيام الدراسة والساعات الدراسية التي يدرسها الطالب بالمدرسة وهل الحضور إلزامي؟

- نظام السنة الدراسية على فصلين, وعدد أيام الدراسة 32 يوماً في السنة تقريبًا، والدراسة حاليًا في يومي السبت والاثنين من كل أسبوع  من بعد صلاة العصر حتى الساعة التاسعة والنصف ليلاً, يستثنى منها أيام العطل الرسمية.

ويمكن للنساء الاستماع إلى الدروس عن طريق الإنترنت دون الحضور إلى المسجد، أما الطلاب فالحضور بالنسبة لهم إلزامي عدا أصحاب الظروف القاهرة فمن الممكن استثناؤهم.

آليات الاختبار

- ما هي آليات اختبار الطلبة وفي أي مكان سيعقد الاختبار؟

- سوف يتم اختبار الطلاب في نفس المسجد على الطريقة التقليدية للاختبارات.

- من المعروف أن العملية التعليمية مكلفة نوعًا ما حتى ولو كانت تتم داخل المسجد، فهل لديكم مشكلة في توفير النفقات التي تحتاجها المدرسة، وهل الرسوم المأخوذة من الطالب تغطي تكاليف تلك العملية؟

- بالنسبة للمصاريف, نعم نحن نواجه أحيانًا بعض الصعوبات والعجز المادي, فقمنا بالتعاون مع بعض اللجان الخيرية وتم تقديم بعض المساعدات من قبلهم مشكورين, وما زالت المدرسة بحاجة للدعم المادي خاصة لتكاليف بناء المقر الرئيسي للمدرسة.

وإلى الآن المورد الرئيسي لمصاريف المدرسة عن طريق أخذ الرسوم من الطلاب, علمًا أن المدرسة لا تأخذ شيئاً كأرباح مادية، فهي مدرسة خيرية يحتسب القائمون عليها الأجر من الله تعالى, والمدرسة ملتزمة بجميع قوانين الدولة في جميع شؤونها.

العقبات الأساسية

- ما العقبات الحالية التي تقابلكم كإداريين في إدارة المدرسة وتنظيم شؤونها؟

- من العقبات الأساسية التي تواجه الإداريين حاليًا عدم وجود مقر لهم، وأيضًا النقص المادي؛ مما يسبب عدم إمكانية تعيين موظفين للمدرسة، وغيرها من الأمور التي نسأل الله أن نتجاوزها قريبا بإذن الله، فأملنا في الله كبير.

- ما رؤيتكم للمدرسة بعد خمس سنوات من الآن؟

- نسأل الله عز وجل أن يكتب لهذه المدرسة النجاح وينفع بها العباد وأن يتحقق هدف المدرسة المنشود بأن نُخرِّج جيلاً جديداً من  ورثة الأنبياء وهم العلماء؛ ليحملوا على عاتقهم أمانة هذا الدين، وليوصلوا هذه الأمانة لمن بعدهم من العباد  كأسلافنا من الصحابة الطيبين الطاهرين والتابعين ومن تبعهم من أمثال أئمتنا الكبار كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله جميعا, وهذه سُنَّة الله في خلقه.

وختامًا: لا شك أننا بعد هذا الحوار نجد أنفسنا أمام تجربةٍ رائدة بذل أصحابها كثيراً من الجهد رغم قلة إمكاناتهم المادية والبشرية، نسأل الله أن يتمَّ عليهم فضله ويكتب لهم التوفيق والسداد، ولا شك أنَّ الأمة في أمس الحاجة لمثل هذه النماذج المتميزة التي يكون لديها القدرة على الانتقال بالعمل للإسلام من ميدان القول والفكر إلى ميدان العمل والجدّ، ومثل هذه المشاريع التي تعتني بالعلم وطلبه لا بد أن تلقى كل الدعم والرعاية ممن يحملون همَّ هذا الدين، من أولئك الصادقين الذين تحترق قلوبهم على الحال الذي وصلت إليه الأمة، فالعلماء الربانيون وحدهم هم الذين لديهم القدرة بما يملكونه من قوة الإيمان وقوة العقيدة أن ينقلوا الأمَّة من الضعف إلى القوة، ومن الذل والهوان إلى الكرامة والحريَّة، ومن الشتات إلى الوحدة، ومن الاستضعاف إلى الاستخلاف والتمكين في الأرض، وهذا ما تسعى إليه مدرسة ورثة الأنبياء وغيرها من المؤسسات السلفية العلمية، نسأل الله التوفيق للجميع.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك