رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: بقلم: علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل 9 أكتوبر، 2023 0 تعليق

بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات (5) شبهـات المشـركين والـرد عليها

 

  • إذا حققت العلم بالتوحيد الذي أمر الله به وبالشرك الذي حرّمه الله زالت عنك هالات شبههم فغدت عندك سرابًا لا حقيقة
  • النبي صلى الله عليه وسلم  قاتل المشركين على جحدهم توحيد العبادة ولم يقاتلهم على توحيد الربوبية
  • ظن المشركون أن الشرك فقط هو عبادة الأحجار وهذا ظن فاسد لأن الشرك كل من جعل مع الله أحدا ملكا مقربا أو عظيما أو ذليلا صغيرا أو كبيرا أو جليلا أو حقيرا
 

هذه تأملات ومجالس علمية في مقاصد كتاب كشف الشبهات، الرسالة الماتعة النافعة لشيخ الإسلام المجدد لما اندرس من معالم الدين في القرن الثاني عشر، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، -رحمه الله- وأجزل له المثوبة، وكشف الشبهات هذا المختصر النافع المفيد، فكانت هذه المذاكرة حول مقاصد هذه الرسالة مع بعض مضامينها وألفاظها.

  • قال -رحمه الله-: إن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرا، فضلًا عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم، فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقرون بما ذكرت، ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئًا وإنما أرادوا الجاه والشفاعة، واقرأ عليهم ما ذكر الله في كتابه ووضحه، هذه أول شبهة سيكشفها الشيخ في كشف الشبهات، وهي نحو ثلاث عشرة شبهة، ثلاث منها رئيسية، وهي التي يكثر ذكرها من أولئك، وهي ما سنتناولها بالتفصيل في الحلقات القادمة إن شاء الله.

الشبهة الأولى

  • وهي قولهم: «نحن لا نشرك بالله، بل نعتقد أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله وحده»، هذه الشبهة تفيد أن صاحبها وملقيها ما عرف التوحيد الذي جاءت به الرسل؛ لأنه قال: نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله؛ فهذا هو توحيد الربوبية، ولم يمنع هذا التوحيد قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - للكفار مع أنهم كانوا يقرون به، لكن ما نفعهم إقرارهم به وحده، إذًا فهؤلاء ما عرفوا الشرك وما عرفوا التوحيد! فهذه الشبهة وما أكثر ما نسمعها من هؤلاء وأمثالهم! بل إن من طاوعهم على هذه الشبهة قادتهم إلى أن أشركوا بالربوبية؛ لأن هؤلاء المعتكفين عند المقامات والأضرحة المتعلقين بالأنبياء والصالحين اعتقدوا فيهم التأثير والنفع والضر والتصرف في الكون بعد ما كانوا يعتقدون أنهم مجرد وسائط إلى الله، ويعترفون أن المقصود وهو الله، والنافع الضار المؤثر المتصرف هو الله، لكنهم مع تطاول المدة وعدم الإنكار بلغوا هذا الحد، وانتقلوا من الشرك القبيح في العبادة إلى ما هو أقبح منه الشرك في الربوبية.
  • وقوله «واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه» يعني الآيات التي جاءت أن هؤلاء أقروا بذلك مثل قوله -تعالى-: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3) وقوله -سبحانه-: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (يونس:18)، يقولون المقصود هو الله لكن هؤلاء وسائط يشفعون لنا، والحجة لا تقوم إلا بفهم لها يعرفها وليس مجرد أن يردها من غير إدراك لمعانيها.

الشبهة الثانية

  • قال -رحمه الله-: «فإن قال هذه الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام، أم تجعلون الأنبياء أصنامًا؟ فجاوبه بما تقدم»، وانتبه إلى هذه الشبهة فهي ناشئة من الجهل بالشرك؛ فلم يعرفه، وذلك أن أولئك المشركين في الجاهلية ما عبدوا أصنامًا أحجارًا بذاتها، إلا لأنها رموز إلى أقوام ورجال صالحين؛ وليست هي المقصودة بالتعظيم والعبادة لذاتها، بل لكونها رموزًا لأولئك، كما قال -عز وجل-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} فهؤلاء المبررون من الملائكة والأنبياء والصالحين هذا شأنهم مع الله يبتغون رضوانه، ومع هذا ما عذرهم ذلك، وهذا من جهلهم بالشرك؛ فظنوا أن الشرك فقط هو عبادة الأحجار وهذا ظن فاسد، بل الشرك كل من جعل مع الله أحدا: ملكا مقربا، أو عظيما أو ذليلا، صغيرا أو كبيرا، أو جليلا، أو حقيرا.

أصل كبير لدى المخالفين

  • وهذه الشبهة أصل كبير لدى المخالفين من القبورية والمتكلمين الذين ظنوا أن الشرك المخرج من ملة الإسلام هو في عبادة الأصنام والحجارة، وفي اعتقاد التأثير في الصالحين مع الله، أما اتخاذهم إلى الله وسائل ووسائط تقرب إليه فهو التوحيد عندهم وأمثالهم، في تغافل وتجاهل عظيمين لقوله -تعالى- في أول سورة الزمر: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}.

إقرار الكفار بتوحيد الربوبية

  • قال -رحمه الله- «فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله، وأنهم أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكر، فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } (الإسراء: 57) الآية، ويدعون عيسى بن مريم وأمه وقد قال الله -تعالى-: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (المائدة) واذكر له قوله -تعالى-: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (سبأ) وقوله -سبحانه- و-تعالى-: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (المائدة) فقل له: أعرف أن الله كفر من قصد الأصنام، وكفَّر أيضًا من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم .
  • يعني أولئك المدعوون أي الذين يدعون المشركين من دون الله من الأنبياء ومن الملائكة ومن الجن ومن الصالحين يبتغون إلى ربهم الوسيلة - وهي التقرب والقربى - أيهم أقرب؟ ولهذا يوم القيامة يتبرؤون من دعوة هؤلاء كما تبرء عيسى - عليه الصلاة والسلام - ممن اتخذه وأمه إلَهَيْن، كما تتبرأ الملائكة ممن عبدهم {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (سبأ: 41)، «وقل له عرفت أن الله كفَّر من قصد الأصنام وكفَّر أيضًا من قصد الصالحين» فهم ظنوا أن التكفير لمن قصد الحجارة، ومعلوم أن الأصنام ما قُصدت لذاتها ولكن لأنها رموز عن أولئك الصالحين، ولهذا حرم التصوير لأنه وسيلة إلى الشرك».
ولهذا فالتصوير جاء الوعيد والتشديد في تحريمه؛ لأنه وسيلة وذريعة إلى الشرك، وبه حصل أول شرك في بني آدم سواءً نحتًا أم رسمًا باليد الذي يُسمى الآن: (الفن التشكيلي) أو تصويرا بالكاميرات والآلات، ثم تُعظم في المجالس والمنتديات والنوادي وغيرها. فإن هذا -وإن لم يعبده ويعتقد فيه صاحبه في الوقت الحاضر- لكن يكون ذريعة إلى هذا التعليم.

الشبهة الثالثة

  • قال -رحمه الله-: «فإن قال: الكفار يريدون منهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم، فالجواب: أن هذا للكفار سواءً بسواء، واقرأ عليه قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3) وقوله -تعالى-: {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ } (يونس: 18)، هذه هي الشبهة الثالثة.
فالشبهة الأولى: يقول: أنا ما أشركت، أنا أعتقد أن الله هو الخالق الرازق، والشبهة الثانية يقول: إن هذه الآيات نزلت فيمن عبد الأصنام وأنا لا أعبد الأصنام، أنا أتقرب إلى الله بهؤلاء الصالحين، بجاههم وبقدرهم، فهذه الشبهة الثالثة يقول: إن الكفار يريدون منهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار، فلاحظوا أنه رجع إلى توحيد الربوبية.

الجهل بكلمة التوحيد

       وهذا من الجهل الذريع بهذه الكلمة، كلمة التوحيد لا إله إلا الله، ولهذا الشيخ المجدد -رحمه الله- دندن كثيرًا حول بيان هذه الكلمة، فليس معناها: لا نافع ولا ضار ولا خالق إلا الله، وإنما معناها: لا معبود بحق إلا الله، وهذه مشكلة عظيمة وواقعة، وهذا المفهوم التبس على كثير من بلاد المسلمين خصوصًا المراكز العلمية الشهيرة والجامعات الشهيرة لدى المسلمين؛ حيث يدرِّسون الناس التوحيد بأن معناه: معنى لا إله إلا الله: لا خالق لا رازق إلا الله، كعقيدة علماء الكلام والصوفية التي يسمونها: التوحيد.

العلم بالتوحيد

        فالعلم بالتوحيد أمرك الله به، وبعث إليك رسله -عليهم الصلاة والسلام- دعاة إليه، وأنزل به كتبه، والعلم بالشرك الذي حرّمه الله وعظَّمه وشدَّد النكير عليه وعلى أهله، إذا حققتهما وعرفتهما زالت عنك هالات شبههم، فغدت عندك سرابًا لا حقيقة، عجاجًا لا شيء تحتها، قال -رحمه الله- «واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم فإذا عرفت أن الله وضحها في كتابه، وفهمتها فهمًا جيدًا فما بعدها أيسر منها»  

قواعد خمسة في الرد على شبهات المشركين

المقصد الأعظم في تأصيل ردِّ تلكم الشبه والجواب عليها واضح بأمور خمسة رئيسة: 1 - أن الله بين التوحيد بأنه لا معبود بحق إلا الله، وتوحيد هؤلاء هو توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون، فلا ينفعهم والحال هذه، قال -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (الحج: 62)! 2 - النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم على جحدهم توحيد العبادة ولم يقاتلهم على توحيد الربوبية. 3 - أنه - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم وحكم عليهم بالنار؛ لأنهم لم يُحققوا لله العبادة. 4 - أنهم ما اعتقدوا في آلهتهم النفع والضر، وإنما جعلوهم وسائط عند الله شفعاء صالحين. 5 - أن هذه الأصنام كانت رموزًا لصالحين، اعتقدوا فيهم الصلاح، فقصدوهم، إذا عرفت هذا وتبينته وتحققته فإن ما بعده من الشُبه كُله هين، ولا تهتم به.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك