رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فضيلة الشيخ الدكتور :علي بن عبدالعزيز الشبل 11 سبتمبر، 2023 0 تعليق

بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات (2) الفر ق بين مشركي زمننا والمشركين الأولين

   

  • زعم  القبوريون أن المقامات والأضرحة مشروعة لأنها خارجة عن معنى الأصنام وهذا غلط عظيم وجهل خطير بالتوحيد وأدلته
  • مشركو العرب كانوا يعبدون الله ويوحدونه في أنواع من العبادة لكنهم أشركوا في غيرها والعبادة لا تكون صحيحة إلا إذا كانت خالصة من الشرك في جمـيــع أنواعهــا
  • مشركو العرب كانوا مقرين بأن الله هو الذي يخلقهم ويرزقهم ويحييهم ويميتهم ولكن شركهم في العبادة في التقرب في الاعتقاد
  الشيخ: د. علي بن عبدالعزيز الشبل هذه تأملات ومجالس علمية في مقاصد كتاب كشف الشبهات، الرسالة الماتعة النافعة لشيخ الإسلام المجدد لما اندرس من معالم الدين في القرن الثاني عشر، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، -رحمه الله- وأجزل له المثوبة، وكشف الشبهات هذا المختصر النافع المفيد، فكانت هذه المذاكرة حول مقاصد هذه الرسالة مع بعض مضامينها وألفاظها. وقد ذكرنا في المقال السابق حقيقة التوحيد ومعناه، والفرق بين التوحيد عند أهل السنة وعند غيرهم من الفرق، ثم ذكرنا أن الشرك طارئ في بني آدم ليس أصيلًا، وقلنا: إن النبي - [- كسر الأصنام؛ لأنها رموز الشرك وتكسيره إياها من حسم مادة الشرك؛ فهم ما عبدوا الحجر لذاته ولكن عبدوا ما يرمز إليه الحجر، وتطور هذا ببعضهم مع طول العهد حتى عبدوا الأحجار واعتقدوا فيها النفع والضر، ولهذا بلغ العرب في جاهليتهم الحضيض الداني في الوثنية، ومن صور وثنيتهم أنَّ أحدهم اتخذ حجرًا ربا، فجاءه يومًا وإذا هذا الثعلب على ربه يتبول، فقال: أربٌّ يبـــول الثعلبــان برأســـه لقد هان من بالت عليه الثعالب فهُدي بهذا إلى التوحيد والإيمان بالله -عزوجل. وآخر يتخذ إلهه من التمر يعجنه ويعبطه ويشكله حتى يكون مثل الصلصال يرسمه، فإذا جاع أكله. هذه حالهم قبل بعثة النبي - [- فجاء النبي - [- فكسر صور الأصنام وصور الصالحين، فقد جاء داعيًا لهم بالتوحيد داعيًا إلى أن يفردوا الله بالعبادة، ولما سأل الحصين والد عمران -رضي الله عنهم- كم تعبد؟ قال: أعبد ستة آلهة، خمسة في الأرض وواحد في السماء، قال: من تقصده في حاجتك في رغبائك في سرائك قال: الذي في السماء، قال: إذن فأفرده بالعبادة، قال: نعم، لأنها وافقت بداهة الفطرة وبداهة العقل. تنبيه مهم مما سبق يتضح أن الأصنام والأوثان من حجارة أو نحوها لم تكن مقصودة لذاتها، وإنما هي رموز للصالحين والأولياء، وهذا ما لم يدركه القبوريون وغيرهم؛ حيث ظنوا الشرك محصورًا في عبادة الأصنام، وعليها نزلوا آيات أحاديث النهي عن الشرك في الكتاب والسنة. زعم مكذوب وزعموا أن المقامات والأضرحة مشروعة؛ لأنها خارجة عن معنى الأصنام، وهذا غلط عظيم وجهل خطير بالتوحيد وأدلته في الوجهين، قامت عليه أكثر شبههم في توحيد العبادة، وسيظهر لك هذا الغلط في تفهم شبهاتهم التي كشفها الشيخ المجدد -رحمه الله- في رسالته هذه، فليتنبه لهذا المسلم وليراعه طالب العلم فإنه مفيد جدا، يفيده ويعينه في جدال المشركين وإبطال شبههم، وليتدبره، قال -رحمه الله تعالى-: «وآخر الرسل محمد - [- وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا». حال العرب مع جاهليتهم هذه مقدمة في حال العرب مع جاهليتهم الجهلاء؛ فإنهم لم يكونوا خالين من مظاهر العبادة، بل كانوا يصلون ويحجون ويتصدقون ويعظمون الله ويعظمون حرمه ويتعبدون لله -جل وعلا-؛ فما كانوا خلوا عن العبادة لكنهم كانوا على انحراف خطير في أصل العبادة، وذلك بصرف نوع من العبادة أو أكثر، كأن يذبح أحيانًا لغير الله وسائر ذبحه لله، أو يدعو ويستغيث أحيانًا بغير الله وسائر حاله دعاء الله والاستعانة به...! ولهذا لو قلت لك هل كان العرب ليست لهم عبادة؟ الجواب: لا، بل كانوا يعبدون الله -جل وعلا-، ويُعظمونه ويحجون بيته ويتصدقون ويُصلون، ويُعظمون حرماته. الفرق بين القبوري والعربي في جاهليته وهذه مقدمة مهمة؛ لأنه سيأتي مشرك قبوري وعابد مقام وضريح يُقدم قرابين لهذا الضريح أو يطوف به أو يدعوه، ويقول لا إله إلا الله، فما الفرق بينه وبين العربي في جاهليته؟ وما الفرق بينه وبين أهل مكة في الجاهلية؟ الجواب: لا فرق؛ لأن أهل مكة كانوا يعظمون الله -جل وعلا-، ويعظمون الحرم، حتى إن الرجل من العرب كان إذا وجد في الحرم قاتل أبيه، وقاتل أخيه لا يُهيجه؛ تعظيمًا لحرم الله -جل وعلا-، بل إذا وجده في الأشهر الحرم في أي مكان لا يُهيجه ولا يصيب منه تعظيمًا لهذا الزمان من تعظيمهم للحرمات، وإذا أرادوا قتل أحد خرجوا به خارج الحرم، بل كانوا إذا جاءهم مظلوم انتصروا له حتى ولو من أنفسهم، وهذا مما جاء به النبي - [-، لكنه حذرهم من الشرك. وكانوا يحجون وكانوا لا يطوفون بالبيت بثياب عصوا الله فيها؛ ولهذا إن كان لأحدهم أحد أو صديق من أهل مكة يُعطيه ثيابا طاف بها وإلا طاف عُريانًا، فإن أهل مكة يُقال لهم «الحمس» وهم يطوفون بثيابهم وإنما الذي يتجرد من ثيابه هو الأفقي إن لم يجد من يعيره ثيابه من الحمس! وهذا من الازدواج والتناقض، وذلك أنهم في هذه الأمور يُشددون في المعاصي وفي التوحيد يتهاونون! ولهذا امتنع النبي - [- أن يحج على الفور لما فرض الله عليه الحج في العام التاسع لوجود مظهر الشرك ومظهر الفسوق، ولهذا أناب عنه من يحج بالناس أفضل الصحابة أبو بكر الصديق -]- ثم أردفه بعلي وأبي هريرة -رضي الله عنهما- يصيحان بالناس: «ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان»، وفيه أنزل الله قوله -جل وعلا-: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا} (الأعراف: 31). كانوا يعبدون الله ويوحدونه فهؤلاء كانوا يعبدون الله ويوحدونه في أنواع من العبادة، لكنهم أشركوا في غيرها، والعبادة لا تكون صحيحة إلا إذا كانت خالصة من الشرك في جميع أنواعها، وقس هذا على أهل زماننا يتضح لك أنهم متساوون فيما هم فيه من الشرك؛ في مشركي زماننا مع المشركين السابقين؛ من حيث صرف العبادة أو بعضها لغير الله، مع زيادة مشركي زماننا عليهم في الشرك في الربوبية في حالي السراء والضراء. وسائط بينهم وبين الله قال -رحمه الله- «ولكنهم يجعلون المخلوقات وسائط بينهم وبين الله، يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة وعيسى ومريم وأُناس غيرهم من الصالحين؛ فبعث الله محمدًا - [- يُجدد لهم دين أبيهم إبراهيم، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلًا عن غيرهما، وإلا فهؤلاء المشركون مقرون ويشهدون أن الله هو الخالق الرزاق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، وأن جميع السموات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيها كلهم عبيده وتحت صرفه وقهره». الإقرار بتوحيد الربوبية لقد كان المشركون ومنهم أهل مكة يعبدون الله ويوحدونه، وكانوا مقرين بتوحيد الربوبية يعتقدون أن الخالق واحد هو الله، وأن الرازق واحد، وأن المحيي واحد، وأن المميت واحد، وأن المتصرف في كونه واحد، لا يعتقدون أن هناك متصرفا غيره، وبهذا يظهر الفرق بين المشركين الأولين وبين غُلاة المشركين المعاصرين الذين يدَّعون أن لصالحيهم وأن لمقربيهم تصرفات في العالم وفي الكون، وهذا شرك في الربوبية، وأولئك المشركون الأولون ما أشركوا مع الله في الربوبية، فانظر إلى الفرق بين مشركي زماننا والمشركين الأولين! هذه المسألة الأولى. المسألة الثانية أن مشركي العرب كانوا يشركون مع الله أناسًا صالحين إما ملائكة أو أنبياء أو رسلا أو أولياء، الملائكة مثل: جبريل، والأنبياء مثل: عيسى وعُزير ودانيال ويونس، وكانوا يشركون في صالحين مثل مريم وود واللات... إلخ، أما مشركو زماننا فقد يشركون بمن هو طالح فاسق فاجر والعياذ بالله، وقد يُقيم الضريح على جسم حمار أو كلب ويلبس على الناس أنه قبر رجل صالح، ألاحظتم أيها الإخوة الفرق بين هذا وذاك؟، ولهذا ساق الشيخ لكم أن هؤلاء شركهم في أنهم تقربوا إلى هؤلاء الصالحين بأنواع من العبادات، فمنهم من كان يعبد الجن خوفًا منهم، قال -تعالى-: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}، فقد كان ينزل أحدهم إلى المكان يقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهائه، وهذا شرك في الاستعاذة. موحدون مقرون لله بالربوبية وأما في الربوبية فهم موحدون مقرون لله بالربوبية؛ ولهذا ساق الشيخ في هذا المقام آيتين من القرآن: آية سورة يونس، وآية سورة المؤمنون قوله -تعالى-: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}، وقوله -تعالى-: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}، فهم مقرون بأن الله هو الذي يخلقهم ويرزقهم ويحييهم ويميتهم، ولكن شركهم في العبادة في التقرب في الاعتقاد، شرك الاعتقاد: أن يعتقد أن هذا ينفعه عند الله ولو لم يقع هذا في الشرك لكان مشركًا في اعتقاده، وأعظم منه أن يعتقد أن هذا مؤثر يؤثر في الكون في العالم، يعلم الغيب، وهذا شرك في التأثير وهو شرك في الربوبية، وهو أقبح من الشرك في العبادة وكلاهما قبيحان!. وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب نبه على الفرق بينهما مرارًا، ومن مواضع هذا التفريق الشهيرة ما ذكره في نواقض الإسلام العشرة، فالناقض الأول في شرك الربوبية، والثاني في شرك الوسائط، والله المستعان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك