رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فضيلة الشيخ الدكتور :علي بن عبدالعزيز الشبل 29 أغسطس، 2023 0 تعليق

بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات (١) الشرك طارئ في بني آدم ليس أصيلًا

هذه تأملات ومجالس علمية في مقاصد كتاب كشف الشبهات، الرسالة الماتعة النافعة، لشيخ الإسلام المجدد، لما اندرس من معالم الدين في القرن الثاني عشر، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، -رحمه الله وأجزل له المثوبة-؛ فكانت هذه المذاكرة حول مقاصد هذه الرسالة مع بعض مضامينها وألفاظها.

       بدأ -رحمه الله- كتابه بما يبدأ كتبه، والشيخ -رحمه الله- له منهج في كتبه ورسائله، ولا سيما الرسائل المختصرة والمتون وأمثالها، يبدأها بـ(بسم الله الرحمن الرحيم) تأسيًا بالكتاب العزيز، وبكتب النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستئناسًا بما روي من غير وجه «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله فهو أبتر»، وبقوله: (اعلم -رحمك الله): أمر بالعلم، والأمرُ بالعلم أمر بخير، وأفضل الخير أن تعلم، وهذا تشبه واقتداء بالكتاب العزيز؛ فإن أول أية أنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم- {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، اقرأ: يعني: اعلم، والله -جل وعلا- قال في أعظم معلوم وأكمله وأشرفه في آية سورة محمد، وهو التوحيد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}، ولهذا نقل الشيخ محمد بن عبدالوهاب في «ثلاثة الأصول» عن الإمام البخاري في كتاب العلم أنه قال: باب العلم قبل القول والعمل، وقول الله -تعالى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، وهذه الجملة: البسملة ثم الأمر بالعلم والدعاء للمتعلم، منهج في رسائل الشيخ المختصرة ومتونه، تتميز به مختصراته ورسائله.

 اعلم -رحمك الله

       «اعلم -رحمك الله» وهذا دعاء للمتعلم برحمة الله عليه، وأن يرحمه ربه، ومن رحمة الله عليه أن يعرف ويتعلم أشرف معلوم، وأن يعلم أردأ معلوم، فأشرف معلوم هو توحيد الله -عزوجل-، وأردأ معلوم هو الشرك، ومعرفة الشرك لا لذاته بل للحذر منه ليحذره الإنسان، وليحذره طالب العلم من باب معرفة الشر والخبث ليجانبه، كما قال الأول:

عرفت الشر لا

                                                    للشر ولكن لتوقيه

ومن لا يعرف الشر

                                                   من الخير يقع فيه

       وحذيفة - رضي الله عنه - يقول: «كان الناس يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه»، والله -جل وعلا- ذكر عن إبراهيم -عليه السلام- أنه قال -لما دعا ربه-: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}، فدعا ربه أن يجنبه هو - وهو خليل الله - وأبناؤه -وهم أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام- الشرك بعبادة الأصنام؛ فمعرفة الشر لا تقل أهمية عن معرفة الخير، لا للشر ولكن للحذر منه والانتباه من الوقوع فيه! كما هو حال بعض المنتسبين إلى العلم في هذا الزمان، فإنه وإن لم يقع في الشرك، لكنه يهوِّن من شأنه، ومن الوقوع فيه، أو يسوغ للناس ما وقعوا فيه من الشرك أصغره وأكبره، بأمثال هذه الشُّبَه والتلبيسات والمغالطات التي تولى الشيخ -رحمه الله وجزاه عنا وعن المسلمين خيرًا- الجواب عنها.

التوحيد هو إفراد الله -سبحانه بالعبادة

       قال -رحمه الله-: «اعلم -رحمك الله- أن التوحيد هو إفراد الله -سبحانه- بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده، فأولهم نوح -عليه السلام-، أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر»، هذه المقدمة في أن تعلم أن التوحيد الذي بعث الله به رسله من أولهم نوح - عليه السلام - إلى آخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكر الشيخ آدم -عليه السلام-؛ لأنه كان نبيا مبعوثًا إلى مؤمنين وهم أبناؤه وزوجته، وفي الحديث لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن آدم أنبي كان؟ قال: «نعم نبي مُكلم»، وبينه وبين نوح -عليهم الصلاة والسلام- عشرة قرون، فكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على التوحيد، حتى حدث في قوم نوح الشرك، فبعثه الله بالتوحيد، وهو إفراد الله بالعبادة.

 فما هذا التوحيد؟

التوحيد له معنى عند أهل السنة، وله معنى عند القبورية، وله معنى عند الصوفية وله معنى عند الأشاعرة.
  • التوحيد عند أهل السنة
فمعنى التوحيد عند أهل السنة: هو إفراد الله بالعبادة، هو شهادة أن لا إله إلا الله، ولهذا المقدمة كلها دائرة على تحقيق هذا المعنى، التوحيد هو معنى لا إله إلا الله، وهو إفراد الله بالعبادة، بأنه لا أحد يستحق العبادة إلا الله.
  • التوحيد عند القبورية
أما التوحيد عند القبورية: هو التقرب إلى الله -جل وعلا- بأوليائهم، بصرف أنواع من العبادة لهم؛ لأنهم لهم جاه وقدر عند الله؛ فغدا التوحيد شركا وجعلوا الشرك توحيدًا، وشركهم بذبحهم القرابين ونذورهم ودعائهم واستغاثتهم بعبدالقادر أو بالدسوقي، أو بالشاذلي، أو بالبدوي، أو التيجاني، أو بأسماء كثيرة عمت وطمت في بلاد المسلمين شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا؛ حيث جعلوا لأصحاب المقامات منزلة وتطور هذا عند بعضهم حتى اعتقدوا التأثير والنفع والضر والتصرف في أحوال الكون، وهذا شرك في الربوبية. 1 - جعلهم وسائط بينهم وبين الله شرك في العبادة. 2 - أن يعتقدوا أنهم مؤثرون يملكون النفع والضر والتصرف في العالم وهم أموات في قبورهم فهذا شرك في الربوبية.
  • التوحيد عند الصوفية
والتوحيد عند الصوفية غايته: الفناء في المعبود، وهو تحقيق الجبر بطريق تحقيق توحيد الربوبية.
  • التوحيد عند الأشاعرة والمتكلمين
أما التوحيد عند الأشاعرة والمتكلمين: فهو إفراد الصانع المخترع وهو أيضًا فناء في توحيد الربوبية، ولهذا التوحيد الذي هو غاية عند الصوفية في طبقاتهم وفرقهم وعند الأشاعرة عن المتكلمين والماتريدية وغيرهم فتوحيدهم الذي يفنون به أنفسهم هو الجبر، وهو ألا يشاهد غير الله، وكل فعل فهو طاعة لله، وسبيله وطريقه توحيد الربوبية: إفراد الله -عزوجل- بالخلق والرزق والصناعة والإحداث.

الشرك طارئ في بني آدم ليس أصيلًا

        فهذا نوح -عليه الصلاة والسلام- أنكر قومه الشرك في أولئك الصالحين: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وهم رجال صالحون كانوا في أولئك القوم فماتوا في وقت مقارب، فحزن عليهم قومهم فجاءهم الشيطان فسول لهم - والشيطان يطبخ على نار هادئة، لا يستعجل النتائج كما يفعل بعض المتهورين - جاء إلى هؤلاء وقال: صوروا عليهم صورًا -يعني انحتوا لهم منحوتات تشبههم- وانصبوها في مجالسكم فإذا رأيتموها نشطتم على العبادة، فجاءهم بمقصد طيب لكن السبيل إليه سيء وبدعة، ففعلوا ذلك فذهب ذلك الجيل وجاء جيل بعدهم من أحفادهم نُسي فيهم العلم، فجاءهم الشيطان، وقال لهم: إن آباءكم ما صوروا هذه الصور إلا أنهم كانوا صالحين، وكانوا يستشفعون بهم الله، يتوسلون بهم إلى الله، فدعوهم فوقعوا في الشرك وعند ذلك بعث الله نوحًا -عليه السلام-، وهو أول شرك وقع في بني آدم؛ فدل ذلك على أن الشرك طارئ في بني آدم ليس أصيلًا. ومختصو علم الاجتماع الذين أخذوا علمهم عن أساتذتهم في فرنسا أو أوروبا وأمريكا: من أمثال (سارتر) وغيره يقولون: إن الشرك في الإنسان أصيل؛ لأن الإنسان كان بدائيا في حياته وفي طعامه وشرابه ولبسه حتى في معتقداته، ثم ما زال يتطور حتى بلغ التوحيد وهذا من أبطل الباطل!. فمن أول إنسان؟ أليس آدم -عليه السلام؟ فآدم كان موحدًا، وكذا بنوه على عشرة قرون، حتى جاء الشرك، إذًا فالشرك طارئ ودخيل على الإسلام والتوحيد، والأصل في بني آدم أنهم كانوا أهل توحيد وإسلام.

كسر صور الصالحين

        والنبي - صلى الله عليه وسلم- كسر صور الصالحين المنحوتة؛ حيث كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، صورت على رجال صالحين، منها الأصنام التي كان العرب يعبدونها، (اللات): وهو رجل كان في الطائف، وكان يلت السويق للحاج يطعمهم إياه، والسويق نوع من الطعام، فلما مات -وكان صالحًا- عكفوا على قبره، وأوحى إليهم الشيطان أن صوروا له صورة، فصوروا صورة هي رمز عن هذا الصنم؛ فأصبحوا يتقربون إليه، وكذا الحال في مناة والعزة وهبل، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كسر الأصنام وأبطلها؛ لأن الإبطال لها إبطال لمادة الشرك.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك