رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ذكريات 22 يوليو، 2010 0 تعليق

بعد الانتخابات.. فهــل نعــي الــدرس؟

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإني أكتب هذه السطور قبل الاقتراع المرتقب لمجلس الأمة بيوم واحد، وقبل ظهور نتائج صناديق الاقتراع؛ وذلك لأن نتائج القواعد السلفية بصفة خاصة - وهي التي تهمني - قد ظهرت منذ الأيام الأولى لحل المجلس! لكنها لم تقف عند مؤشر واحد ونتيجة واحدة، بل هي في ارتفاع ونزول ومد وجزر حتى كتابة هذه السطور، ولا أظنها ستقف بعد الانتخابات عند حد!

وما أريد توضيحه في هذا المقال وفي هذا الوقت بالذات بعد انخفاض حدة التوتر مع قربنا من الحدث ، أننا كنا في الأيام الفائتة في محنة عظيمة ونازلة لو عرضت على الفاروق] لجمع لها أهل بدر؛ لأنه يتورع عن إمضاء أمر قد تكون عاقبته وخيمة على الأمة، أما في هذا الزمان - ولا حول ولا قوة إلا بالله - فثقافة «أنا رأيي وأظن» هي السائدة في مجتمعنا! وكأن مسائل النوازل تؤخذ بالرأي المجرد والظن!

 

لذلك لابد للمشايخ والمربين والمصلحين في هذا البلد أن يعوا خطورة هذا المبدأ الخطير، والذي بدأ يظهر في أخلاقيات الجيل الجديد من المنتسبين لهذه الدعوة المباركة - الدعوة السلفية - هذا الفكر الذي يناقض تماما أسس وقواعد المنهج السلفي بل ينسفها ويقتلعها من جذورها؛ فإنه ليس من الأبجديات الشرعية للمنهج السلفي كلمة «رأيي وأظن»، بل إن من قواعد المنهج السلفي ومن أول ما يجب أن يؤصل في معتقد متبعيه «قال الله وقال رسوله» ثم الرجوع للراسخين في العلم؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} (النساء: 83) قال السعدي - رحمه الله - «هم أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها» اهـ.

فلم نسمع من علمائنا وكبار مشايخنا أنهم يفتون بالرأي المجرد أو بالظن، بل لا يفتون إلا بالدليل ولا يجتهدون إلا من خلال قواعد وضوابط علمية، ولا تصدر الفتوى إلا بعد البحث والتحري ومشاورة أهل الاختصاص في كل نازلة، فإن كانت النازلة في أمر طبي جمعوا لها الأطباء، وإن كانت النازلة في مسألة سياسية جمعوا لها أهل السياسة.. وهكذا، ثم بعد ما يستعرضون رؤى المختصين يجمعون بين الدليل الشرعي والواقع العملي بضوابط وقواعد شرعية، وما أدل على ذلك مما حدث من قريب في مسألة توسعة المسعى في الحرم المكي؛ فقد جمع لهذه النازلة من العلماء والمختصين في علم الجيولوجيا ليقيسوا جذور جبلي الصفا والمروة، ومن المعمرين الذين أدلوا بشهادتهم بما رأوه من حجم الجبلين قبل إزالتهما، ثم بعد ذلك صدرت الفتوى والتي أجازت التوسعة، فخضع لهذه الفتوى ورضي بها ليس عوام الناس فقط  بل كبار العلماء ورؤوسهم، فلماذا لا نتأدب بأدب علمائنا وهم بين ظهرانينا؟!

أقول هذا الكلام؛ لأننا في كل نازلة وكل انتخابات نجد من يخذّل أو يخطئ من يأخذ بفتوى الكثير من العلماء في جواز الدخول في البرلمانات، بل من المؤسف حقا أنه في هذه الانتخابات بالذات زاد الأمر سوءا بازدياد الفجوة بين أفراد المنهج الواحد، وهو ما قام به البعض من محاولة فرض رأيه بعدم نزول فلان، وما ذلك إلا بسبب شبهة أثارها ويثيرها الليبراليون والحاقدون!!

وما علم المسكين أن هدف المنافقين ليس شخصا بعينه، بل المراد هو ضرب الدعوة السلفية ودعاتها، ولو نحيت هذه الشخصية عن خوض الانتخابات فسنجد الطعن واللمز بمرشح آخر من مرشحي السلف، بل لم يكتف بعض المنتسبين لهذه الدعوة بإبداء رأيه، بل زاد النار حطبا بتغريره ببعض صغار المنتمين للدعوة وحثهم على تبني رأيه والترويج له!! مما أدى إلى ضعف الأداء وزعزعة الثقة والاضطراب في صفوف السلفيين - ولا حول ولا قوة إلا بالله - ولو أنه راجع تاريخ النفاق لوجد أن طرق المنافقين في كل زمان واحدة، فأولئك رؤوس الخوارج لما أرادوا زعزعة دولة الخلافة طعنوا في عمال عثمان] حتى عزل بعض عماله وأحل غيرهم حتى تسكن الفتنة، ولكن الخوارج لم يرضوا بذلك بل تجرؤوا على أمير المؤمنين]  فأمروه بالتنحي عن الخلافة!! إظهارا منهم أنهم بذلك يحفظون الأمة - زعموا - فاغتر بإشاعتهم وأكاذيبهم حديثو السنّ سفهاء الأحلام، ولم يغتر بهم صحابي واحد من أصحاب رسول الله[ ولا قال برأيهم واحد منهم، ولم نقرأ أن صحابيا واحدا أمر عثمان بالتنحي عن الخلافة درءا للفتنة كما صورها الخوارج للهمج والرعاع؛ لأن الصحابة كانوا على نور من ربهم وبصيرة بمؤامرات المنافقين؛ فعلموا يقينا أن الهدف ليس فردا من أفراد الأمة، بل الهدف هو فتنة الأمة بشق صف المسلمين وسن سنة لم تشرع في الدين.

ولا يظن القارئ الكريم أنني بهذا المثل التاريخي أقارن بين مرشحي السلف وبين خليفة المسلمين، وخاصة إذا كان الخليفة هو صاحب رسول الله[، لا وكلا، ولكنني أقارن بين فكر الخوارج والمنافقين في ذلك الزمان وفكر الليبراليين والحاقدين أصحاب المصالح القذرة في زماننا هذا؛ فإن الشبهة واحدة والهدف واحد والنفاق مهما تلون بشبهه وتعددت طرقه فالهدف والمقصد واحد وهو ضرب رأس الهرم؛ حتى تتصدع القاعدة ويتفرق شملها، فهل نعي هذا الدرس؟!

وكلما ظهرت رؤوس لها ثقلها في العمل الدعوي بشتى مجالاته سواء كانت سياسية أو علمية قاموا بالهمز واللمز لمحاولة تشويه صورته؛ لجعل الخصومة داخل كيان الجسد الواحد، فالأشخاص الذين طعنوا في دعاتنا ومرشحينا السلفيين هم أنفسهم الذين طعنوا في علمائنا الربانيين ووصفوهم بعلماء السلاطين أصحاب الفتاوى المعلبة!!

فبما أننا عرفنا عدونا وأساليبه فكيف نعالج جسدنا الضعيف الذي يتأثر بكلام المرجفين؟ هذا ما أسأل الله أن يعينني على تسطيره في المقال القادم بإذن الله. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك