بريد الفرقان
تقوى الله فضلها وثمراتها
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل».
قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ}(آل عمران: 102)، قال: أن يطاع فلا يُعصي، ويُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر، وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات ومعنى ذكره فلا ينسى ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها.
وقال طلق بن حبيب رحمه الله : التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام؛ فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه فقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ { 7 } وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}(الزلزلة: 7 - 8)،
فلا! تحقرن شيئا من الخير أن تفعله ولا شيئا من الشر أن تتقيه. وقال الثوري رحمه الله:
إنما سموا متقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يُتقى.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به.
وقال الحسن رحمه الله: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم، وأدوا ما اقترض الله عليهم.
وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير.
وقال موسى بن أعين رحمه الله : المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم الله متقين.
وقال ميمون بن مهران رحمه الله: المتقي أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه، وقد يغلب استعمال التقوى على اجتناب المحرمات، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه وسئل عن التقوى فقال: هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه ، قال: ذاك التقوى، وأخذ أحدهم هذا المعنى فقال:
خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى
واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
وأصل التقوى أن يعلم العبد ما يُتقى
ثم يتقي، قال عون بن عبدالله رحمه الله: تمام التقوى أن تبتغي علم ما لم تعلم منها إلى ما علمت منها . وذكر معروف الكرخي عن بكر بن خنيس رحمهما الله قال: كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقي؟ ثم قال معروف الكرخي:إذا كنت لا تحسن تتقي أكلت الربا وإذا كنت لا تحسن تتقي لقيتك امرأة ولم تغض بصرك، وإذا كنت لا تحسن تتقي وضعت سيفك على عاتقك، قال ابن رجب رحمه الله : وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (الزمر:73).
د. أحمد السعدي – مصر
تاج الأمنيات
يتقدم بأوراقه لطلب وظيفة وهو يردد في داخله: «لن أفوز بهذه الوظيفة»، تتقدم لطلب النقل وهي تقول: «قلبي يقول: إن اسمي لن يدرج في حركة النقل»، يسجّل في الجامعة وهو يحدّث نفسه أنه لن يحصل على مقعدٍ في التخصص الذي يرغبه.
والنتيجة أن أياً منهم لم يحصل على ما يرجوه، وقد صدق حدس وظن كلًّ منهم، فيضرب كفيه ببعضهما قائلا بحسرة: «هذا ما توقعته، أنا حظي سيء».
والحقيقة- يا كرام- أن أمثال هؤلاء ليسوا سيئي الحظ، بل سيئي الظن بالله سبحانه وتعالى، ألم يقل سبحانه في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء»؛ أي أنا قادرٌ على أن أفعل بعبدي ما ظن أني فاعلٌ به، الإنسان ابن أفكاره، سجين معتقداته، فمتى ما توقع الخير أتاه، ومتى ما أحسن بربه الظن أكرمه وأعطاه، فما أجمل أن نصبغ أمنياتنا بالأمل، ونعطّر أحلامنا بفألٍ حسن، ونتوّج أهدافنا بحسن الظن بالله جل وعلا، ساعين في ذلك بالعمل، وصدق التوكل، والأخذ بالسبب، وبذل الجهد والوسع، ونغرس روح الفأل الحسن في نفوس النشء فينطلقوا في أحلامهم متعبدين لله بحسن ظنهم به، وثقتهم بتيسيره، ولاسيما في المواطن التي تضعف فيها همتهم وتذبل فيها حماستهم.
ولعل طلابنا في السنة الأخيرة من الثانوية أو الجامعة بحاجة هذه الأيام إلى جرعة عالية من التفاؤل وحسن الظن بالله والتوكل عليه أكثر من حاجتهم إلى التذكير الدائم بخطورة هذه المرحلة وأهميتها في مستقبل الشاب أو الشابة؛ إذ إن إدراكهم لحساسية هذه المرحلة وخطورتها إدراك مبالغ فيه يزرع في نفوسهم خوفاً ويأساً يضرّهم أكثر مما ينفعهم، ويربكهم أكثر مما يفيدهم.
فافتحوا نوافذكم للأمنيات، واستقبلوها بحب، وألبسوها تاج الأمنيات (حسن الظن بالله)، وانتظروا تحققها بثقة وإيمان.
منال عبدالعزيز السالم
الرمال والصخر
كان الصديقان يمشيان في الصحراء، وخلال الرحلة تجادلا فضرب أحدهما الآخر على وجهه.
وتألم الرجل الذي ضُرب على وجهه، ولكنه لم ينطق بكلمة واحدة ولكنه كتب على الرمال: «اليوم أعز أصدقائي ضربني على وجهي».
استمر الصديقان في المشي إلى أن وجدوا واحة فقرروا أن يستحموا.
علقت قدم الرجل الذي ضُرب على وجهه في الرمال المتحركة وبدأ في الغرق، ولكن صديقه أمسكه وأنقذه. وبعد أن نجا الصديق من الموت قام و كتب على قطعة من الصخر : «اليوم أعز أصدقائي أنقذ حياتي».
الصديق الذي ضرب صديقه و أنقده من الموت سأله: «لماذا في المرة الأولى عندما ضربتك كتبت على الرمال و الآن عندما أنقذتك كتبت على الصخرة»؟
فأجاب صديقه: عندما يؤذينا أحد علينا أن نكتب ما فعله على الرمال؛ لأن رياح التسامح قد تأتي يوماً وتمحوها، ولكن عندما يصنع أحد معنا معروفاً فعلينا أن نكتب ما فعل على الصخر لعدم وجود ريح تستطيع مسحها. تعلموا أن تكتبوا آلامكم على الرمال، وأن تنحتوا المعروف على الصخر.
يوسف الصديق
لاتوجد تعليقات