رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 13 فبراير، 2024 0 تعليق

اهتمام النبي – صلى الله عليه وسلم – بالعلم

وإنّ من ينظر في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - يجد مدى اهتمامه بالتّعليم ودعوته إليه، ففي بدرٍ جعل فداء كلّ أسيرٍ ممّن يحسنون القراءة والكتابة أن يعلّم عشرةً من أبناء الأنصار، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ، فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ»، كما خصّص يوماً لتعليم النّساء، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ: «اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا»، فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ.

أثر العلم في نهضة الأمّة وتقدّمها

        إنّ العلم من مقوّمات الحياة في المجتمع؛ فلا يمكن أن تُبنى حضارةٌ دون أن يكون أحد أركانها العلم، فبالعلم تتقدّم الأمم والمجتمعات، وإنّ النّاظر في تاريخ الأمّة لَيلاحِظ أنّ رقيّها كان مرتبطاً بالعلم ارتباطاً وثيقاً، فبالعلم يحصل التّطوير للصّناعة والزّراعة والطّبّ وغير ذلك من التّخصّصات الّتي يحتاجها المجتمع، وإنّ طلب العلم لا يتوقّف عند العلوم الشّرعيّة فحسب، بل إنّ المجتمعات تحتاج إلى كلّ علمٍ نافعٍ في جميع المجالات الّتي فيها مصلحةٌ للبشريّة؛ كالطّبّ والهندسة ونحوها، فها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر زيد بن ثابت - رضي الله عنه - بتعلّم اللّغة السّريانيّة للحاجة إليها، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَ يَهُودَ، وَقَالَ: «إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي» فَتَعَلَّمْتُهُ، فَلَمْ يَمُرَّ بِي إِلَّا نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ، ولقد مدح الله داود وسليمان بالعلم فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} (النّمل: 15).

الاهتمام بالعلوم الدنيوية

       وهذا العلم لم يقتصر على علم الدّين فحسب، بل كان منه علمٌ دنيويٌّ كصناعة الحديد، وجاء في معرض الحديث عن العلوم الكونيّة -الّتي لا تقلّ أهمّيّةً عن العلوم الشّرعيّة- قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (فاطر: 27).

حاجة الأمة إلى العلم والمعرفة

        ما أحوج أمّة الإسلام -اليوم- إلى العلم والمعرفة، لتصبح في مصافّ الأمم المتقدّمة، بل في صدارتها؛ بالمساهمات المختلفة في الإنتاج العلميّ العالميّ، حيث إنّ القوى العظمى في عالمنا اليوم لا تكتسب قوّتها من محض قوّتها العسكريّة ونفوذها الاقتصاديّ فحسب، بل كذلك بمقدار ما تنتجه من علمٍ ومعرفةٍ وما تجنيه من حصيلة البحث العلميّ الدّائب؛ لأنّ العلم هو السّلاح القويّ الّذي يعيد لنا أرضنا وثقافتنا وعزّنا ومجدنا، وهو أرضٌ خصبةٌ لإنبات رجالٍ يعرفون ما لهم وما عليهم، ويكونون قادرين على تغيير هذا الواقع الأليم، ومواجهة الأفكار الفاسدة والثّقافات المضلّلة، وإنّ العلم أساس نهضة الأمّة وقيام الحضارات، فبالعلم تُبنى الأمجاد، وتسود الشّعوب، وما فشا الجهل في أمّةٍ من الأمم إلا قوّض أركانها، وأوقعها في الرّذائل والمتاهات المهلكة. فإذا كان العلم أساس نهضة الأمّة، فإن هذه النّهضة منوطةٌ بتربية أجيالٍ على علمٍ ومعرفةٍ، ولنعلمْ أنّ للأسرة دوراً عظيماً في تحمّل هذه المسؤوليّة في غرس القيم في نفوس أولادهم.

رسالةٌ للمعلّمين والمعلّمات

       التّعليم رسالةٌ عظيمةٌ تقلّدها الأنبياء، وورثها العلماء، وقام بها الصّلحاء، فطوبى لمن عرف حقّها، وأدّاها على الوجه المطلوب الّذي يرضي ربّ الأرض والسّماء، فبالتّعليم حقوقٌ وواجباتٌ وأماناتٌ، أشفقت من حملها الأرض والسّماوات، وخافت منها الجبال الرّاسيات، ولكنْ حملها المعلّمون والمعلّمات، حملوها على ظهورهم، ووضعوها في رقابهم، فطوبى للمخلصين المجدّين، وويلٌ للمستخفّين المضيّعين، قال: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} (العنكبوت: 13).

رسالة ائتساءٍ واقتداءٍ

       رسالة العلم والتّعليم رسالة ائتساءٍ واقتداءٍ بأشرف الخلق - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان خير المعلّمين وإمام المربّين والموجّهين، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ:... فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ لِي: «إِنَّمَا الصَّلَاةُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، فَإِذَا كُنْتَ فِيهَا فَلْيَكُنْ ذَلِكَ شَأْنُكَ»، فَمَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَطُّ أَرْفَقَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم . فكان - صلى الله عليه وسلم - خير المعلّمين والمربّين، حليماً رحيماً رفيقاً، ييسّر ولا يعسّر، ويبشّر ولا ينفّر، فاقتدوا أيّها المعلّمون بإمامكم، فإن الآمال معقودةٌ عليكم في تعليم النّاس وهدايتهم، وستجدون فيهم الجاهل والسّفيه، فاصبروا وصابروا، واغرسوا بأيديكم بذوراً؛ فقريباً يكون ثمارها وحصادها، واغرسوا العلوم النّافعة والأخلاق الجامعة لخيري الدّنيا والآخرة، وكونوا أمام طلّابكم قدوةً حسنةً، فإنّ أعينهم تراقب أفعالكم، فأروهم من أنفسكم خيراً.

يا رعاة الجيل وأمنة التّعليم

       أنتم بيت القصيد، ومحطّ الرّكب، وبين أيديكم عقول النّاشئة، وعدّة المجتمع وأمله، فأخلصوا لله، واعلموا أنّ نبيّكم أكبرَ من شأنكم، وأعلى من مقامكم، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: «فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ».

رسالةٌ للآباء والأمّهات

       إنّ مهمّة تربية الأولاد مهمّةٌ عظيمةٌ، لا سيّما في هذا الزّمن الّذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدّت فيه غربة الدّين، وكثرت دواعي الفساد، حتّى صار المربّي مع أولاده كراعي الغنم في أرض السّباع الضّارية، إن غفل عنها أكلتها الذّئاب، فأوصيكم أيّها الآباء والأمّهات بحقوق المعلّمين والمعلّمات خيراً؛ فاغرسوا في قلوب أبنائكم حبّ العلّم والعلماء، وإجلال المعلّمين والمعلّمات، وتوقيرهم واحترامهم؛ طلباً لمرضاة الله، فليس دوركم هو توفير الحاجيّات المدرسيّة والنّفقات اليوميّة فقط، فهذا واجبٌ عليكم تجاه أبنائكم، ولكنّكم أيّها الآباء عليكم واجبٌ أعظم وفرضٌ أكبر؛ ألا وهو: تحمّل المسؤوليّة الكبرى في تعليم أولادكم وتربيتهم ومتابعتهم، فأنتم المخاطبون بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التّحريم: 6)، وهذه الآية أصلٌ في تعليم الأهل والذّريّة. واعلموا أنّ التّربية والتّعليم ليستْ مقتصرةً على المدارس والمعلّمين، بل هي عملٌ مشتركٌ بين الوالدَينِ والمدارس، فعلّموا أولادكم الأدب قبل ذهابهم إلى مقاعد الدّراسة وطلب العلم، وتأمّلوا كيف خاطب الله موسى عليه السلام، قال: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} (طه: 12)، لقد علّمه الأدب بقوله: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ}، وعلّمه أدب الحديث بقوله: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (طه:13).    

حاجة الأمة إلى العلم النافع

كمْ نحن اليوم بحاجةٍ إلى العلم النّافع الّذي نبني به حضارتنا، ونبلغ به مجدنا، و نقضي على داء الجهل الّذي ما انتشر في أمّةٍ إلا تهدّم بنيانها، وتزعزعت أركانها، وحلّ بها الخراب، لأنّه من وساوس الشّيطان، حيث إنّه أول ما يلّبس على النّاس أن يصدّهم عن العلم، ويأمرهم بالجهل؛ لأنّه يعلم أنّ العلم نورٌ، فيسعى جاهداً ليطفئ مصابيحهم، ويجعلهم يتخبّطون في الظّلمات، وعندئذٍ يفرح فرحةً عظمى؛ لأنّه يستطيع بِدَاء الجهل أن يحقّق كلّ ثمرةٍ قبيحةٍ من الكفر والفساد والظّلم والنّفاق ونحوها.  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك