رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 11 أكتوبر، 2010 0 تعليق

اليهودية والباطنية..مصالح وأهداف (2-2)

 

 

الفرق الباطنية ونخص منها في أرض فلسطين القاديانية (الأحمدية)،  والبهائية، والدروز، هم ورقة يحقق اليهود والغرب بها أهدافهم ومصالحهم في المشرق الإسلامي، ولا يستغني كل من عادى الإسلام والمسلمين عن جهود الفرق الباطنية وعقائدها في طعن المسلمين من الخلف، فهم الأداة التي تفرق الأمة وتشعل الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وشبهاتهم التي يشيعونها هي تلك الأكاذيب التي يستخدمها اليهود – على وجه الخصوص – في التشكيك والتهوين من مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين.

وزيارات البهائيين إلى الكيان اليهودي الغاصب لم تعرف الانقطاع طيلة المراحل السابقة، وهي تأخذ بعداً دينياً عميقاً، يتمثل في كون أهم مركز ديني بهائي في العالم مُقاما في مدينة حيفا على جبل الكرمل، وقد تم منذ حوالي عقدين إنشاء قصر ضخم في المدينة نفسها ليستوعب عدد الزائرين سنوياً من بهائيي العالم.

وقد اعترف الناشط البهائي (أسلمنت) بأن الابتهاج في حيفا كان عظيماً عندما استولى الجنود البريطانيون والهنديون (التابعة للحكومة الإنجليزية) عليها بعد قتال دام 24 ساعة في 23 سبتمبر سنة 1918م .

والتشابه بين العقيدة اليهودية وما تدعو إليه البهائية كبير، فاسم البهائية نسبة إلى البهاء مأخوذ من التوراة، فقد ورد في مزامير داود ترنيمات عن بهاء الله: «أن السموات تحكي عن بهاء». وقد خلعت اليهود على «ميرزا حسين علي» هذه الصفة وزعموا أنه المقصود بما ورد في أسفار اليهود، وشروح كتب تراث البهائية لا تختلف عن شروح اليهود، بل كأنك تقرأ في تلمود اليهود، فهي مطابقة لما جاء في شروحات اليهود لنبوءات التوراة.

والبهائية تقتفي أثر اليهودية في نظرتها إلى علامات يوم الخلاص؛ حيث تعد قضية الخلاص مرتبطة بعودة اليهود إلى: «أرض الأجداد» – بزعمهم - وبهذا الخصوص كتبت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة تقريراً أشارت فيه إلى أن: «علاقة البهائيين باليهود في فلسطين هي أعمق من علاقة المسلمين بفلسطين، وأن البهائيين يدعمون تشكيل دولة صهيونية»  .

وكُتُب بهاء الله كانت تدعو للتجمع اليهودي على أرض فلسطين، وزار ابن بهاء الله (عباس)الملقب بـ (عبد البهاء) سويسرا وحضر مؤتمرات الصهيونية ومنها مؤتمر بال 1911م. وحاول عبد البهاء تكوين طابور خامس وسط العرب لتأييد اليهود والصهيونية ، وقد كرمته بريطانيا لما أتى إلى فلسطين بمنحه لقب (سير) فضلاً عن أرفع الأوسمة الأخرى.  وقد تولى رئاسة شؤون البهائيين في عام 1963 م اليهودي الصهيوني (ميسون) وهو أمريكي الجنسية، ليكون رئيساً روحياً لهذه الطائفة في العالم كله.

والبهائيون يحرمون الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ضد الأعداء وخاصة اليهود، ويدعون إلى السلام مع اليهود وتقبل الأمر الواقع على أرض فلسطين، وأيد البهائيون تجمع اليهود في فلسطين، وعدوا أن ذلك مما جاء في العهد القديم.

وكتب شوقي أفندي زعيم الحركة البهائية  في30 يونيه 1948م، إلى (بن جوريون) أول رئيس وزراء للكيان اليهودي يعبر له عن أطيب تمنياته من أجل رفاهية الدولة الجديدة، وقد عقد البهائيون المؤتمر البهائي العالمي في سنة 1968م في رعاية الكيان اليهودي، وجاء في المؤتمر البهائي العالمي الذي عقد في القدس المحتلة 1967 م برعاية الكيان اليهودي في حفل الختام: «أن الحركتين اليهودية والبهائية متممتان لبعضهما البعض وتجتمعان في أكثر النقاط».

ويقرون بأنهم واليهود تجمعهم قواسم مشتركة ، فهم يقولون بأن الفترة التي قضاها (بهاء الله) في السجن والمنفى الأربعين عاماً، هي الفترة نفسها التي قضاها بنو إسرائيل في التيه في صحراء سيناء!، ويقول أتباع (بهاء الله) أن نبوءات بهاء الله - التي يزعم أتباعه على الإنترنت أنها تحققت -  هي ما تنبأ به بتحقيق الوعود التي جاءت في العهد القديم بخصوص إعادة تجمع اليهود في الأرض المقدسة وفي زماننا هذا.

والبهائية يقصدون بالمعبد الأقصى: قبلتهم في عكا، كما إن القاديانية حينما يطلقون مسمى المسجد الأقصى يكون مقصدهم بذلك معبد قاديان في الهند، وهذا ما جاء نصاً في كتبهم؛ وبذلك توافق قول البهائية والقاديانية في زعمهم أن المسجد الأقصى ليس هو مسجد القدس. 

ولا شك أن الكيان الصهيوني يرعى معابد تلك الفرق، واللافت للنظر أن مركز القاديانية في فلسطين في منطقة حيفا، لا بيعد إلا القليل عن معابد البهائيين في جبل الكرمل، وكلاهما يلاقي العون والاحترام من قبل الاحتلال اليهودي.

وهم كذلك لا يجدون حرجاً في تشبيه (قبة محفل عباس) بقبة مسجد الصخرة في المسجد الأقصى، كما يصف اليهود مدينة حيفا بأبرز معالمها (مينائها الشهير) وكذلك (قبة محفل عباس) وهي كما يقولون تشبه إلى حد كبير مسجد الصخرة المذهبة في المسجد الأقصى.

فلا مكانة للقدس عند البهائية، بل لا مكانة لمكة والمدينة عندهم، لأن عملهم هو التهوين من مكانة مقدسات المسلمين، وجعل مقابرهم ومعابدهم التي أنشؤوها حديثاً لها البهجة والمكانة التي تفوق مقدسات المسلمين جميعاً.

وكان من أولويات الكيان اليهودي فور إنشائه في العام 1948م انتقاء الدروز من بين العرب وتمييزهم عنهم واحتواؤهم ، وفي المقابل رأى دروز فلسطين كيان اليهود فرصة للعب على التناقضات بين المسلمين واليهود خروجاً بأعلى مكسب يمكن أن تحققه أقلية لا يزيد عددها عن 250 ألفاً بين عرب يزيد تعدادهم عن 250 مليونا (أي 1% فقط).

وقد بدأت الاتصالات مبكراً بين نشطاء الحركة الصهيونية والدروز، منذ عام 1930م، وخلال ذلك وقَّع معظم زعماء الدروز على البيان الذي يعلن أن موقف الطائفة الدرزية من (النزاع اليهودي الفلسطيني) هو موقف محايد.

وعدد الدروز في مناطق 1948م – فلسطين المحتلة -  يبلغ 120 ألف نسمة، ولا يشمل هذا العدد نحو 18 ألف درزي يعيشون في الجولان السوري الذي احتله الصهاينة في عام 1967م وضموه في 1981؛ حيث رفض معظمهم الجنسية الإسرائيلية، ويبلغ العدد الإجمالي للدروز نحو 300 ألف نسمة يتوزعون بين سوريا ولبنان وإسرائيل.

وفي عام 1948م بعد إعلان قيام (دولة اليهود)انصرف جل اهتمام اليهود إلى تحقيق أقصى استفادة عسكرية من وجود الدروز، بعد أن تأكدت نيتهم بالتعاون غير المحدود مع الكيان الصهيوني؛ مما دفع الاحتلال اليهودي إلى إنشاء وحدة خاصة في الجيش هي وحدة الأقليات، كما نجحت الآلة العسكرية الصهيونية في استعمال الشبان الدروز لأكثر أدوارها فظاعة وقسوة بحق أهل فلسطين، ويبلغ عدد الدروز حالياً في الجيش قرابة 19000 مجند، فهم عملياً عناصر المهمات القذرة في قوات الاحتلال، بدءا من الصورة التقليدية الرائجة للجندي الدرزي في حرس الحدود، الذي يقتحم البيت الفلسطيني في الضفة الغربية أو قطاع غزة ليمارس الترويع ، وانتهاء بقائد سرية يمارس أبشع المهمات.

والوقوف في صف الاحتلال اليهودي ضد الفلسطينيين ، باركه وأيده شيخ الطائفة في فلسطين وزعيمها الروحي (موفق طريف) منذ 1993، فهو لا يعارض أن يخدم الدروز في جيش الاحتلال، وفي مقابلة له مع صحيفة (الصنارة العربية) الصادرة في فلسطين المحتلة عام 48 - في أحد أيام شهر تشرين الأول - أكتوبر 2004م  طالب طريف الدروز بالإخلاص لدولة اليهود، والقتال تحت علَمِها.

وللوقوف على أسباب ذوبان دروز فلسطين في المشروع الصهيوني كتب  سليمان الناطور: «إن أقطاب الحركة الصهيونية فطنوا إلى حقيقة الخلافات المذهبية بين الدروز وباقي العرب الفلسطينيين، فاتصلوا بهم من أجل تعميق هذه الخلافات وتشعيبها وأقاموا معهم علاقات حميمة، وقد برز من بين القادة الصهاينة في هذا المجال (أبا حوشن)، رئيس بلدية حيفا، في ذلك الوقت الذي أقنع الكثيرين من الدروز بالتعاون مع المنظمات الصهيونية العسكرية قبل الإعلان عن الدولة العبرية وخصوصاً (الهاجناه). وبعد إقامة الدولة العبرية، صادرت الحكومة الإسرائيلية معظم الأراضي التي تعود للدروز، فحرموا من مصدر رزقهم الوحيد: الزراعة، وبذلك وجد الدروز في الخدمة في الجيش الإسرائيلي مصدراً للرزق، حتى أن الكثيرين من القيادات الدرزية قد وقعت في العام 1955 على عريضة تطالب الحكومة الإسرائيلية بفرض الخدمة الإجبارية على الدروز، وهذا ما كان في العام الثاني».

ولا شك أن خدمة الدروز في الجيش الصهيوني لعشرات السنين أدت إلى فقدان معظمهم للشعور بالانتماء للأمة العربية والشعب الفلسطيني، ووسائل الإعلام الصهيونية تتواطأ مع مؤسسات الاحتلال في عدم تغطية رفض الخدمة في صفوف بعض الشبان الدروز، التي بدأت تتزايد حتى لا تتسع الظاهرة أكثر.

ونظراً لصعوبة تمييزهم عن بقية العرب من حيث الشكل واللغة، فقد انخرط عدد كبير منهم في أجهزة الاستخبارات (الإسرائيلية)المختلفة، ووحدات المستعربين والتي تعنى باغتيال واختطاف ناشطي جماعات المقاومة الفلسطينية، وكذلك في المهمات التجسسية كما حدث في مصر مع الجاسوس الدرزي (عزام عزام) و40% من القوى العاملة الدرزية يعتاشون على الخدمات الأمنية والعسكرية أي بانضمامهم إلى جيش الاحتلال.

ومع كل هذه الخدمات التي قدمتها الطائفة الدرزية للمشروع الاحتلالي في فلسطين والإخلاص المنقطع النظير إلا أنهم يعاملون معاملة مجحفة في كثير من الأحيان من المؤسسات اليهودية، على اعتبار أنهم عرب ، فهم مستثنون من العمل في المواقع المهمة في الكيان الصهيوني، فهم كما وصفهم الصحافي صالح النامي: «عرب في الحقوق.. يهود في الواجبات»، وهذا دفع بعض الناشطين من دروز فلسطين إلى المطالبة بتساوي الحقوق والامتيازات التي تمنح اليهود ويستثنى منها الدروز.

فحين اقتحم (شارون) ساحات المسجد الأقصى المبارك في 28/9/2000م وتلك الشرارة التي أطلقت انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية)، كان ذلك بحماية (حرس الحدود) الذي يضم الكثير من أبناء الدروز في فلسطين؛ وهم لا يتورعون عن اقتحام المسجد الأقصى والتجول في باحاته، فليس له حرمة في معتقدهم.

وتستخدم الشرطة الصهيونية عناصرها من الطائفة الدرزية في المواجهات التي تحدث في القدس والتضييق على أهلها، وتنفيذ الاعتداءات على المسجد الأقصى، ومنع المصلين الفلسطينيين من حضور صلاة الجمعة، وأضحى العسكري الدرزي صورة نمطية في الحواجز التي يقيمونها على مداخل المدينة القديمة. 

وكلما كانت في القدس والمسجد الأقصى احتجاجات ضد الاعتداءات على المسجد الأقصى من قِبل الجماعات اليهودية وبلدية القدس وغيرها من مؤسسات الاحتلال، نشروا الآلاف من رجال الشرطة وحرس الحدود حول المسجد الأقصى وواجهوا أهل القدس، وفي كثير من الأحيان تؤدي تلك الاشتباكات إلى قتل أو إصابات أو اعتقال.  

ولوضع حد لممارسات أبناء الطائفة ممن يعملون في حرس الحدود في مصلحة سجون الاحتلال، وجه الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال نداء لزعماء الطائفة الدرزية ووجهائها، للتدخل الفوري والسريع، ناشد فيها الأسرى قادة الطائفة الدرزية الضغط على أبنائها للاستقالة الفورية، وترك العمل في مصلحة السجون وكل أجهزة الاحتلال ذات الاحتكاك المباشر بالشعب الفلسطيني والمعتقلين، منعا للاصطدام، ودفعا للحرج ودرءا للمفاسد، على حد وصفهم.

ونخلص مما سبق إلى أن مؤسسات الاحتلال نجحت – إلى حد كبير – في استخدام ورقة رابحة وهي (دروز فلسطين) للفصل بينهم وبين أهل فلسطين من المسلمين من ناحية، ومن ناحية أخرى بينهم وبين الدروز في سوريا ولبنان؛ وكذلك في جعل الدروز جزءاً من الصراع العربي الصهيوني ومعاداة المسلمين، فقادة المشروع اليهودي عملوا على جمع شتات اليهود، ودعموا هذا الشتات بالفرق الباطنية ، واستخدموا كل ما يعينهم في استمرار وجود كيانهم الغاصب على أرض فلسطين، وتلك الحميمية في العلاقة  لا شك أنها عمقت الهوة بين الدروز وأهل فلسطين، وحققت لليهود مكاسب إستراتيجية، وأصّلت الخلاف في نفوس أبناء الوطن الواحد ليأخذ مع أبعاده العقدية، أبعادا أخرى كالانتمائية والعدائية.

 وكلما زاد تمكين الفرق الباطنية في فلسطين سهلت على اليهود المهمة الاحتلالية – وهذا ديدن الاستعمار في كل أشكاله - ويتم اللعب على الطائفية وتأجيج الخلاف والعداء بين أبناء الدولة الواحدة، وزيادة الفجوة هي المعيار الذي يقيس به الاحتلال الصهيوني نجاحه في استخدامه الفرق والأقليات.

وقد أثبتت الأحداث التاريخية أن الفرق الباطنية عملت مع أعداء الإسلام للنيل من دولة الإسلام والمسلمين، فالكيد والطعن في العقيدة الإسلامية الصافية النقية وتشويهها، والسعي لإخراجها عن مسارها الصحيح بإدخال الريب والضلالات في نفوس المسلمين، والتظاهر بنصرة المستضعفين وتحقيق العدل وقهر الظالمين وإقامة دولة الإنصاف، تلك هي دائرة عمل الفرق الباطنية على اختلاف معتقداتها ومنطلقاتها.

وبعد التلبس والتظاهر بالإسلام، وتفسير (الكتاب والسنة) تفسيراً باطنياً يوافق أهواءهم ومقاصدهم؛ لإدراكهم عدم قدرتهم على محاربة الإسلام والتصدي له وجهاً لوجه؛ اهتمت الفرق الباطنية بدراسة البيئة التي تحاول أن تبث أفكارها وعقائدها، ووجدت بعض تلك الفرق أن الكيان الصهيوني بيئة ملائمة لإقامة معابدهم وقبلة حجهم؛ حيث الرعاية والدعاية. 

ويستدعي ذلك الدفاع والمواجهة، فحجم الصراع والتحدي والمخاطر التي تحيط بالمسجد الأقصى من فرق وديانات وحركات تسعى جاهدة للتقليل من شأن المسجد الأقصى وتشويه تاريخه ومكانته، فالمسجد الأقصى رمز للإسلام والمسلمين ، والنيل من المسجد الأقصى مقصد لكسر إرداة الشعوب الإسلامية، وبث الوهن في نفوس المسلمين، والأفعال من الأمة المسلمة يجب أن تفوق حجم تلك المقاصد الخبيثة والسهام المتجهة إلى المسجد الأقصى وعقائد المسلمين، فالإسلام لم يواجه خطراً أشد أذى وأعدى للإسلام من دعاة الباطنية على اختلاف فرقهم وجماعاتهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك