رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالله بن همام 25 يوليو، 2010 0 تعليق

الهجوم على مناهج التربية الإسلامية لماذا الآن؟! العلمانيون والطائفيون يحاولون ضرب الوحدة الوطنية وزعزعة عقيدة الأجيال القادمة

 

 

الحملة الحالية ضد مناهج التربية الإسلامية ليست جديدة، وقد حاول الكثيرون المس بهذه المناهج، وسلكوا كل السبل لتشويهها مستخدمين طرقا متعددة ومسميات عجيبة مثل  أن هذه المناهج تسعى لضرب الوحدة الوطنية"، وأنها مناهج تكفيرية  رغم عدم إتيانهم بدليل واحد يؤكد مزاعمهم، وقد كانت المسألة محصورة في تصريحات بعض وكلاء المراجع وبعض المقالات الصحفية، ولم تتجاوز النقاشات الإعلامية في الصحافة الوطنية.

إلا أن الهجوم يأتي الآن من قبل بعض نواب الأمة الذين كان ينبغي أن يكونوا من أبعد الناس عن الوقوع في شرك الطائفية ومحاولة شق الصف، فضلا عن أنهم يخالفون دستور الدولة الذي تنص مادته الثانية على أن "دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع"، وكذلك المادة الثالثة عشرة التي تنص على أن "الدولة تصون التراث الإسلامي والعربي وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية"، ومواد أخرى تنص على الالتزام بالشريعة وعدم نشر ثقافة العداوة والبغضاء والطعن بثوابت الدين أو النيل من الرموز الإسلامية.. ومن هنا يأتي السؤال: ألا يعد تعليم الناشئة وتعريفهم بالتراث الإسلامي والعقيدة الصحيحة المبنية على الدليل القاطع من الكتاب والسنة الصحيحة من واجبات الدولة بنص الدستور في الوقت الذي نجح منهم 9 نواب و4 ليبراليين؟! ولماذا يحاول هؤلاء شق صف الأمة وتنفيذ أجندات خارجية رغم أن البلد عاش آلاف السنين بالوئام والتعايش السلمي بين طوائفه ولم تكن عقيدة الأكثرية تسبب مشكلة للأقلية؟! فما الذي جعل هؤلاء يهاجمون التربية الإسلامية؟! ولماذا يزداد في هذه الأيام الهجوم على الحجاب الشرعي والتهاون في شأنه؟! هل أصبحت مهمة النائب أن يتطاول على الثوابت الشرعية أو يتهم مناهج التربية  بالتكفير وغير ذلك؟! وهل نحن أمام تكتل جديد يستهدف عقيدة الأمة وتشويه سمعة الدعاة، ولاسيما بعد التشويه الذي طال العديد من أبناء الدعوة الإسلامية إبان الانتخابات المنصرمة؟!

 

اتهامات صريحة

تعددت الاتهامات التي وجهها بعض النواب إلى مناهج التربية الإسلامية وأغلبها تدور حول أن المناهج تكفيرية وتعتمد على شق الصف، أو أنها بعيدة عن الدين الإسلامي الحنيف، وكأن هؤلاء النواب اكتشفوا شيئا جديدا لم يكتشفه الأساتذة والخبراء والمتخصصون في الميدان التربوي والتعليمي الذين وضعوا هذه المناهج، وقال أحد هؤلاء النواب في تصريح له: إن من أبرز ما يهدف إلى تحقيقه هو العمل على تغيير المناهج المدرسية التي يرى أن معظمها بعيدة كل البعد عن الدين الإسلامي الحنيف، وطالب نائب آخر بإعادة النظر في المناهج التعليمية بالصفين العاشر والحادي عشر ولاسيما مناهج التربية الدينية.

ومن الواضح أن هؤلاء النواب ينطلقون من منطلقات طائفية محاولين إجبار الأغلبية على رأي الأقلية، متناسين أن تصريحاتهم هذه هي بداية شق الصف؛ لأن اعتبار تعليم الناشئة العقيدة الصحيحة نوعا من تكفير الآخرين وكل من يخالفهم يوصمون بالتكفيري حتى يكرهوا الأخرين في كلامه وإبعاده عن معرفة الحق والباطل، وهذا منهج يسلكه الطائفيون عبر مر التاريخ ويعلم أن هذا الأمر بداية لشق الصف بين المجتمع، ويخلق بلبلة وشقاقا بين أبناء الشعب الواحد، وعليه ينبغي على هؤلاء ألا يعتقدوا أن ما أفرزته الانتخابات الأخيرة يحقق لهم انتصارات وهمية على حساب  عقائد الناس ومبادئهم.

 

ما الذي ينقمون منه؟!

عندما تتابع التصريحات النارية التي يطلقها هؤلاء النواب الجدد وكذلك بعض المرجعيات منهم، يخيل إليك أن هناك انتهاكا صارخا لحقوق فئة من فئات المجتمع تتعرض للظلم والاضطهاد بسبب هذه المناهج  التكفيرية والبعيدة عن الدين الإسلامي الحنيف على حد وصفهم، ولكنك إذا كلفت نفسك التصفح السريع لكتاب التربية الإسلامية بالصف العاشر لا تجد لهذه الضجة المفتعلة مسوّغا منطقيا إلا أن تكون نوعا من التمثيل الدائم لدور الضحية؛ لجلب تعاطف الرأي العام الداخلي والدولي، وتشويه سمعة البلد ووصم كل من تعلم وتخرج من النظام التعليمي الكويتي بأنه إرهابي، وأن المناهج لم تعرض عرضاً منظماً وفق مقاييس دولية من قواعد التأليف والتقييم وصفات مخصوصه للجنة التأليف .

وإذا استعرضنا استعراضاً سريعاً مكونات كتاب التربية الإسلامية في الصف الثاني الثانوي لا نجد فيه إلا أنه كتاب مبسط يحاول تعليم الناشئة مبادئ العقيدة الإسلامية بطريقة تربوية سلسة، ووفق البراهين الساطعة والأدلة القاطعة المجمع عليها من قبل العلماء المعتبرين والأئمة السابقين، وينقسم الكتاب إلى سبعة مفاهيم رئيسة وهي: المفهوم الأول: الاعتقاد بوحدانية الله تعالى وأساس الإسلام، المفهوم الثاني: العبادة طهارة وتهذيب للنفس، المفهوم الثالث: القرآن الكريم رسالة ومعجزة، المفهوم الرابع:  السنة النبوية ومكانتها في التشريع، المفهوم الخامس: تشريع الحلال والحرام حماية لحقوق الإنسان، المفهوم السادس: الإسلام يحدد وينظم مسؤولية الأفراد في المجتمع، المفهوم السابع: توثيق الحقوق في الإسلام وواجبات المسلمين نحوها.

ومن نظر إلى هذه المفاهيم بعين منصفة يجد أنها لا تتعارض مع الدين الإسلامي الحنيف ولا تحاول شق الصف كما يحاول بعضهم تسويقه الآن، ومع ذلك فإن هؤلاء المشككين وضعوا جميع هذه المفاهيم جانبا وتجمدوا عند المفهوم الأول الذي يتحدث عن الاعتقاد ومعرفة العقيدة الإسلامية، ونواقض التوحيد، ولنا أن نتساءل: لماذا الهجوم على مفهوم العقيدة والتوحيد دون غيره؟! هل هناك ما يسوّغ ذلك؟! هل معرفة العقيدة الإسلامية تسبب هذا الإشكال للنواب الجدد أم إن وراء الأكمة ما وراءها كما يقول المثل؟!

وفي الكتاب نفسه نقرأ في بداية الدرس الأول العبارة الآتية: "إن العقيدة الصحيحة السليمة القويمة هي تلك العقيدة التي بعث الله  تعالى بها الرسل والأنبياء منذ آدم عليه السلام وحتى محمد[ إلى الناس في أي مكان وزمان، وهي عقيدة واحدة لا تتعدد ولا تتجزأ؛ لأنها منزلة من عند العليم الخبير"، فهل يا ترى هذا الباب هو الذي أقض مضاجع هؤلاء؟! وهل هناك سبب وجيه يسوّغ هذا الهجوم الشرس على مناهج التربية الإسلامية من قبل طائفة بعينها، رغم تأكيد الخبراء أن هذه المناهج مهمتها ما هي إلا ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في عقول الناشئة لحماية المجتمع من الخلل والانحراف، ولم يسجل أي اعتراف من قبل المعلمين في الساحة التعليمية، وليس من قبل العلماء المختصين، بل جاء التقييم العالمي والخليجي أن هذا الكتاب حصل على درجة الامتياز.

 

لا تفتحوا باب الشر:

وفي رد له استنكر الدكتور بسام الشطي الهجوم على مناهج التربية الإسلامية من قبل من وصفهم بالنواب الليبراليين والطائفيين، قائلا: إن مناهج التربية الإسلامية جاءت من خلال لجان بها أساتذة وخبراء تربويون وشرعيون في الميدان وموجهون ومعلمون أوائل، وقد قُيّمت هذه الخطة من قبل جامعات عربية وإسلامية ومن أعرق المؤسسات وحصلت على درجات عالية، وتعد لجنة تطوير المناهج وتأليفها وتقييمها من أقدم اللجان في وزارة التربية، واستمدت الأهداف من أهداف التعليم العام، وأهداف الوزارة وأهداف كل مرحلة، آخذين في الاعتبار الأهداف النفسية والحركية والوجدانية والقيمية، ويخضع ذلك للاعتبارات الوطنية والعقدية ودين الدولة ورفع مستوى السلوك الاجتماعي ومخاطبة الواقع وروح العصر، واعتبار تفاعل الطلبة والأسرة، وتعزيز المفاهيم التي ترسخ المعاني وفق ما جاء في الكتاب والسنّة، على منهج الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وقال أيضا: يريدون عبادة القبور واتخاذ الأنداد مع الله - عز وجل - أليس هذا يعيدنا إلى أول شرك بشري ظهر في عهد نوح عليه السلام عندما عبدوا رجالاً صالحين: {وداً وسواعا ويغوث ويعوق ونسراً} فجاءهم الشيطان ووضعوا التماثيل على قبورهم ثم اتخذوهم أندادا وشركاء (مراقد، أولياء) وغيرهما من المسميات؟!

فقال تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم}، فحرم الله عز وجل أن يعبد أحد معه؛ فهو الإله الحق الذي يتوجه إليه المسلم الدعاء والتوكل، وهو الذي يستغاث ويستعان به ويلتجأ إليه ويجب الفرار إليه؛ قال تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}، والنافع والضار الذي يكشف الكرب عن الناس هو الله وحده: «{وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله}، فهناك من يدعو غير الله ويذبح لغيره، وجاء في الحديث «من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار» رواه البخاري، وكذلك جاء في الحديث: «لعن الله من ذبح لغير الله» رواه مسلم، وقد جعلوا لهذه الأضرحة قبورا يعكفون عليها ويرجون منها النفع، وكانت آخر وصية للنبي[ قبل موته: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» رواه مسلم.

ويحلفون بغير الله تعظيما، وفي الحديث: «من حلف بغير الله فقد أشرك» رواه أحمد.. فالذي يستلم أركان القبر ويتمسح بها ويقبل أعتابها، ويعفّر وجهه في تربتها ويسجد لها إذا رآها ويقف أمامها خاشعا متذللا متضرعا سائلا مطلبه وحاجته من شفاء مريض أو حصول ولد أو تيسير حاجة، فهذا يبتعد عن الصواب ويخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة التي جاء وبعث من أجلها محمد بن عبدالله[ .

وطالب الدكتور الشطي هؤلاء النواب بألا يفتحوا باب شر على الكويت، واصفا مطالبهم بالمخالفة لصريح القرآن وصريح الأحاديث التي هي من الثوابت الراسخة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وقال: لا يجوز عرضها على المجلس والتصويت عليها، معتبرا هذا الفعل هو التأزيم بعينه الذي يشغل مجلس الأمة عن مشاريع التنمية، ويحرق كل صفحات الآمال التي ترجوها الحكومة من هذا المجلس بسبب هذا التأزيم.

 

حرب على الفضيلة:

ومن جانبه اعتبر الدكتور فهد صالح الخنـة أن نشوة الشعور بالانتصار أفقدت بعض النواب الجدد توازنهم؛ مما جعلهم يرفعون سقف مطالبهم حتى دخلوا في المحظورات، مشيرا إلى أن بعض الليبراليين بدؤوا  على الفور المطالبة بإلغاء تدريس التربية الإسلامية في المدارس الحكومية، فضلا عن التصريحات التي كانت تتعلق بالحجاب في فترة الانتخابات التي جاءت على لسان بعض المرشحات من أن الحجاب فرض على نساء النبي[ فقط، وتم تكراره من قبل بعض الليبراليين الآخرين في لقاءات تلفزيونية، وقال: إنها أباطيل علمانية قديمة يرددها بعضهم للحرب على الحجاب والحشمة والفضيلة، وكذلك مطالبات الآخرين بإلغاء مادة التوحيد من مناهج وزارة التربية، التي هي عقيدة الأمة قاطبة وعقيدة أهل الكويت، ومطالبهم بإلغاء ما يتعلق بالاستغاثة بالأموات وزيارة قبور الأولياء والصالحين والاستغاثة بهم، فضلاً عن مطالب سابقة لبعضهم بإلغاء تجريم سب الصحابة وأمهات المؤمنين.

وقال الدكتور الخنة: ما لم يغلب صوت العقل والحكمة والواقعية على طرح الإخوة الليبراليين والشيعة فإن المواجهات النيابية- النيابية ستتعدى الحدود المتعارف عليها سابقا والبادي أظلم، وما يريده الشعب الكويتي من نواب الأمة هو الالتفات إلى همومه وحل مشكلاته، واستقرار البلد وتنميتها وحث الحكومة على العمل لتحقيق مصالح العباد والبلاد، أما الأطروحات الشخصية والأجندات الطائفية والحزبية الخاصة فسوف تشغل المجلس عن القيام بدوره، ولن يستطيع أحد أن يغير ثوابتنا لأنها راسخة في وجدان الأمة ولن نسمح بالمساس بها.

ومن الواضح للجميع أن البلد لا يتحمل مثل هذه الصرخات المفتعلة التي تحاول إذكاء نار الطائفية في هذا المجتمع الآمن، ويبدو أن نشوة الانتصار غير المتوقع أعمت أبصار بعض النواب الجدد مما جعلهم يتخبطون غير مدركين عاقبة تصريحاتهم، فانظروا هداكم الله ماذا فعلت الطائفية في دول الجوار، وحاولوا تجنيب البلد من شرها وهول عاقبتها.

 وقال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك