رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 4 أغسطس، 2010 0 تعليق

النصح للخلق والحرص على نفعهم

 

 

من سمات المسلم بذل النصيحة  لعامة الناس والسعي في إيصال النفع لهم؛ فالمسلمون الصالحون أعلم الناس بالحق وأنصح الناس للخلق؛ وذلك لأنهم يتمسكون بالوحي ويمتثلون أوامره وينتهون عن نواهيه ويقفون عند حدوده ويتخلقون بآدابه، فهم أحرص الناس على اقتفاء آثار النبي[ ظاهرا وباطنا واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ومن ذلك النصيحة لعامة المسلمين وخاصتهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان مكارم الأخلاق التي يتحلى بها أهل السنة والجماعة: "ويدينون بالنصيحة للأمة ويعتقدون معنى قوله[: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه، وقوله[: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". ويعتقدون معنى قوله[: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا"، ويندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفسافها، وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة".

 وكتاب الله تعالى وسنة رسوله[ يحثان على ذلك؛ فقد قال الله عز وجل: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، قال الشيخ ابن سعدي: التواصي بالحق الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي يوصي بعضهم بعضا بذلك ويحثه عليه ويرغبه فيه، والتواصي بالصبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى أقدار الله المؤلمة.

وقال تعالى: {ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة}؛ قال الشيخ ابن سعدي: {وتواصوا بالمرحمة}  للخلق من إعطاء محتاجهم وتعليم جاهلهم والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه، ومساعدتهم في المصالح الدينية والدنيوية، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه.

وأخرج مسلم عن تميم الداري أن النبي[  قال:" الدين النصيحة " قلنا : لمن؟ قال[:"لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" قال النووي: ومعنى الحديث: عماد الدين وقوامه النصيحة؛ كقوله: "الحج عرفة" أي عماده ومعظمه؛ فالنصيحة كما عرفها الخطابي وغيره: هي كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلا.

وقال الشيخ ابن سعدي: وأما النصيحة لعامة المسلمين فقد وضحها النبي[  بقوله:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وذلك بمحبة الخير لهم والسعي في إيصاله إليهم بحسب الإمكان، وكراهة الشر والمكروه لهم والسعي في دفع ذلك ودفع أسبابه، وتعليم جاهلهم ووعظ غافلهم ، ونصحهم في أمور دينهم ودنياهم، وكل ما تحب أن يفعلوه معك من الإحسان فافعله معهم ، ومعاونتهم على البر والتقوى ومساعدتهم في كل ما يحتاجونه.

وعن أبي هريرة أن رسول الله[ قال: "حق المسلم على المسلم ست" قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال:"إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه"، قال الصنعاني: «وإذا استنصحك» أي طلب منك النصيحة «فانصحه» دليل على وجوب نصيحة من يستنصح وعدم الغش له، وظاهره أنه لا يجب نصيحته إلا عند طلبها، والنصح بغير طلب مندوب؛ لأنه من الدلالة على الخير والمعروف .

 وأساس النصح للناس وقوامه محبة الخير لهم كما يحبه المرء لنفسه، وكراهة أن ينالهم مكروه في دينهم ودنياهم كما يكره ذلك لنفسه؛ فعن عبد الله بن عمرو قال: قال[:"من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتيَ إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه" أخرجه مسلم، وقال[:"اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب" أخرجه أحمد والترمذي .

 ومن النصح للخلق الحرص على إيصال الخير لهم والسعي في ذلك، تحقق المطلوب أم لا؛ كما دل على ذلك قوله[: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن اعتكف في المسجد شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل". 

فظاهر مما تقدم أن النصح للخلق والسعي في تحقيق مصالحهم وكف الأذى عنهم من أبرز صفات المؤمنين، وعلى المسلم أن يحرص على ذلك ولو بأقل القليل كما نقل ابن رجب عن يحيى بن معاذ أنه قال: ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك