رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 21 أغسطس، 2010 0 تعليق

النسيان في القرآن (2/2)

 

ثانياً - النسيان المضاف إلى الشيطان :

قد يرد النسيان مضافا إلى الشيطان تسببا وابتداء كقوله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، قال ابن سعدي:"أي: بأن جلست معهم على وجه النسيان والغفلة". 

وقوله عز وجل: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}؛ قال ابن سعدي:"وهذا الذي جرى عليهم من استحواذ الشيطان الذي استولى عليهم، وزين لهم أعمالهم، وأنساهم ذكر الله، وهو العدو المبين، الذي لا يريد بهم إلا الشر {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}.

ومنه قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}؛ قال ابن سعدي: أي: فأنسى الشيطان ذلك الناجي ذكر الله تعالى، وذكر ما يقرب إليه، ومن جملة ذلك نسيانه ذكر يوسف الذي يستحق أن يجازى بأتم الإحسان.

ثالثاً - النسيان المضاف إلى الله تعالى:

1- ينبغي تنزيه الله تعالى عن النسيان بمعنى الغفلة والذهول :

نزه الله عز وجل نفسه عن النسيان لأنه صفة نقص وعيب، فقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا}، وقال تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}، قال ابن سعدي:" أي: قد أحصى أعمالهم من خير وشر، وكتبها في كتاب، وهو اللوح المحفوظ، وأحاط به علما وخبرا؛ فلا يضل عن شيء منها، ولا ينسى ما علمه منها"، وقال الطاهر:"والضلال: الخطأ في العلم، شبه بخطأ الطريق، والنسيان: عدم تذكر الأمر المعلوم في ذهن العالم"، والله تعالى منزه عن كل نقص وعيب سبحانه وتعالى.

2- قد يرد النسيان مضافا إلى  الله بمعنى الرفع والنسخ :

قال عز وجل: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، قال ابن سعدي:"أي: ننسها العباد, فنزيلها من قلوبهم، {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} وأنفع لكم {أَوْ مِثْلِهَا}؛ فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الأمة, التي سهل عليها دينها غاية التسهيل.وأخبر أن من قدح في النسخ فقد قدح في ملكه وقدرته". 

3- قد يرد النسيان مضافا إلى الله -عز وجل- بمعنى الترك والإهمال عقوبة وجزاء:

قال الراغب:"وكل نسيان من الإنسان ذمه الله تعالى به فهو ما كان أصله عن تعمد، وما عذر فيه نحو ما روي عن النبي[:"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" فهو ما لم يكن سببه منه ، وقوله: {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم}، هو ما كان سببه عن تعمد منهم وتركه على طريق الإهانة، وإذا نسب ذلك إلى الله فهو تركه إياهم استهانة بهم ومجازاة لما تركوه"اهـ.

قال عز وجل: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}، قال ابن سعدي: "{فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} أي: نتركهم في العذاب، {كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} فكأنهم لم يخلقوا إلا للدنيا، وليس أمامهم عرض ولا جزاء".

وقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم}، قال الطاهر:"فالمعنى: نسوا دين الله وميثاقه الذي واثقهم به، وقد أطلق نسيانهم على الترك والإعراض عن عمد، أي فنسوا دلائل توحيد الله ودلائل صفاته ودلائل صدق رسوله[ وفهم كتابه، ومعنى {أنساهم أنفسهم} أن الله لم يخلق في مداركهم التفطن لفهم الهدي الإسلامي فيعلموا بما ينجيهم من عذاب الآخرة ولما فيه صلاحهم في الدنيا؛ إذ خذلهم بذبذبة آرائهم، وأشعرت فاء التسبب بأن إنساء الله إياهم أنفسهم مسبَّب على نسيانهم دين الله، أي لما أعرضوا عن الهدى بكسبهم وإرادتهم عاقبهم الله بأن خلق فيهم نسيان أنفسهم.

وقال عز وجل: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} أي: نترككم في العذاب {كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} فإن الجزاء من جنس العمل.

قال الطاهر :"لما أودعوا جهنم وأحاطت بهم نودوا: {اليوم ننساكم...} إلى آخره؛ تأييسا لهم من العفو عنهم. والكاف في {كما نسيتم لقاء يومكم} للتعليل؛ كما في قوله تعالى: {واذكروه كما هداكم} أي جزاء نسيانكم هذا اليوم، أي إعراضكم عن الإيمان به".

وقال عز وجل: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، قال ابن سعدي:"أي: يقال للمجرمين، الذين ملكهم الذل، وسألوا الرجعة إلى الدنيا ليستدركوا ما فاتهم: قد فات وقت الرجوع ولم يبق إلا العذاب، فذوقوا العذاب الأليم؛ بما نسيتم لقاء يومكم هذا، وهذا النسيان نسيان ترك، أي: بما أعرضتم عنه، وتركتم العمل له، وكأنكم غير قادمين عليه، ولا ملاقيه {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} أي: تركناكم بالعذاب؛ جزاء من جنس عملكم، فكما نَسِيتُمْ نُسِيتُمْ".  

وقال عز وجل: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}، قال ابن سعدي: {فَنَسِيتَهَا} بإعراضك عنها، {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} أي: تترك في العذاب، فأجيب، بأن هذا هو عين عملك، والجزاء من جنس العمل، فكما عميت عن ذكر ربك، وعشيت عنه ونسيته ونسيت حظك منه، أعمى الله بصرك في الآخرة، فحشرت إلى النار أعمى، أصم، أبكم، وأعرض عنك، ونسيك في العذاب.

وهناك آيات أخرى ورد فيها لفظ النسيان لم يتسع المقام لذكرها، نسأل الله - عز وجل - أن يفهمنا كتابه الكريم، وأن يفقهنا في دينه القويم، وأن يحفظنا من الزلل وسوء الفهم وسوء القول والعمل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك