رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم أحمد الناشي 30 أبريل، 2024 0 تعليق

الموصلي: دعوتنا تحتاج  إلى إدارة وتخطيط وتدريب وبناء راسخ لنصل  إلى مرحلة التمكين  وتحقيق الأهداف – الحلقة  2

  • أهم ملمح لاحظته في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية هو الولاء للدين ولمنهج الأنبياء وللقرآن والسنة والتزام الحق حيثما كان والبحث عن الحقيقة العلمية
  • ما نحتاجه في العمل الدعوي هو الاختيار الصحيح للكوادر وتدريبها وإعدادها إعدادا علميا صحيحا والتعامل معها بطريقة تربوية وتهيئة قيادية وإدارية وممارسات ربانية وإرشادات دينية
  • نحن نفتقد لغة هضم النفس في العمل المؤسسي ولهذا تأتي النتائج ضعيفة فإخلاص النية وعلو الهمة وإنكار الذات يخرج لنا كوادر متميزة قادرة على تحمل المسؤولية
  • من ينظر في مجالات السيرة النبوية ومراحلها يجد أنها كانت قائمة على الإعداد والإتقان وتوزيع الأدوار فكان النبي [ في كل ولاية وفي كل تكليف وفي كل موقف يختار له من يناسبه من أصحابه
  • نحن في حاجة إلى مراكز وأقسام متخصصة في إعداد كوادر الصف الثاني والثالث ولا نرضى بأن يكون الأمر مجرد تصور ورؤية نظرية على الورق
  • تميز منهج الشيخ السعدي بفهمه للواقع وربط هذا الواقع بالسياسة الشرعية لذلك كان هو العالم الذي استجاب لجميع متغيرات الدعوة ونهض بها
  • الشيخ السعدي تميز بأنه يتكلم بحقائق العلم وفي كل قضية يدمج بين أمرين: بين الحقيقة القرآنية والحقيقة الكونية والشرعية وبين الاعتقاد والاتباع وبين الظاهر والباطن فهو فقيه التلازم في العلم
   

ما زال حوارنا مستمرا مع المستشار بالوقف السني في مملكة البحرين الشيخ فتحي الموصلي؛ حيث تحدثنا في الحلقة السابقة عن حقيقة مفهوم التصفية والتربية، وعن إشكالية فهم المنهج السلفي، وعن طلب العلم الشرعي من خلال المؤسسات الأكاديمية، واليوم نستكمل الحديث عن الدعوة السلفية وأهم التحديات اتي تواجهها، وعلاقة الشيخ بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله.

  • تعاني الدعوة السلفية من ترهل إداري وعدم وجود خطط واضحة لتهيئة الصف الثاني والثالث؛ فما توجيهكم من أجل تحقيق هذا الهدف ومواكبة معطيات العصر وتوظيفها في خدمة الدعوة؟
  • نعم، الدعوة اليوم تطورت، ولكي تتطور في وسائلها وانتشارها فهي تحتاج الى أمرين:
(1)  التطور الإداري المناسب لهذا الواقع. (2)  البناء الدقيق والإعداد الصحيح في اختيار الكوادر. وهذا في الحقيقة موجود في المجالات الدنيوية؛ ولهذا فلو نظرنا إلى ميزانيات الدول لأدركنا أن أكبر بند في ميزانية هذه الدول في محورين: التدريب، والبحث العلمي؛ لأن الهدف هو: (الاستدامة)، وبلغة الشرع: (الاستقامة والمواصلة)؛ لأن العبرة ليست في أن نصل إلى ثمرة أو إلى فائدة، وإنما إلى إمكانية الحفاظ عليها؛ ولهذا قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}، ليس هذا فحسب، وإنما { وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، فمن السهولة أن تصل إلى النصر لكن من الصعوبة ان تحافظ عليه.

ما يُحتاج إليه في المجال الدعوي

        ولهذا ما يُحتاج إليه في المجال الدعوي هو الاختيار الصحيح للكوادر وتدريبها وإعدادها إعدادا علميا صحيحا، والتعامل معها بأسلوب راق، فيه ملامح تربوية، وفيه إشارات قيادية، وفيه ممارسات ربانية، وفيه إرشادات دينية وإدارية، بهذا المعنى ستخرج لنا أجيال وصفوف كثيرة. ما نفتقده اليوم هو توريث العلم وتوريث العطاء والدعوة؛ ولهذا إذا كانت المؤسسات العاملة في الواقع سواء كانت دعوية أم خيرية أم شرعية، فإنها تحتاج إلى إدارة وتخطيط وإعداد وتدريب وتحتاج إلى بناء راسخ أيضا؛ لنصل إلى مرحلة التمكين وتحقيق الأهداف، إذا تعاملنا معها بهذا المنظار فحينئذ سيتحقق ظهور الصفوف المتعددة وتوزيع الأدوار والتكامل في التخصص والتأثير في الواقع والحفاظ على المكاسب، وعندما نغيب هذا الجانب لن نتمكن من الحصول على هذه النتائج.

التعامل مع الواقع الدعوي

        أيضا التعامل مع الواقع الدعوي بعبارة «أن الأمور تمشي بالبركة» أمر في غاية الخطورة، فمن ينظر في السيرة النبوية في مجالاتها ومراحلها يجد أنها كانت قائمة على الإعداد والإتقان في ذلك، بل حتى توزيع الأدوار كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل ولاية وفي كل تكليف وفي كل موقف يختار له من يناسبه من أصحابه، ثم يوجه هذا الذي اختير إلى المنطلقات التي تؤدي به إلى الارتقاء، ومن ثم عندما نسعى إلى ذلك المعنى نصل إلى ما ذكرناه من المخرجات.

نقطتان مهمتان

وأضيف نقطتين: الأولى- من العوامل التي تساعد على ارتقاء الجانب الإداري وظهور كوادر جديدة، أمورٌ ثلاثة:
  • أولها- تجريد الإخلاص؛ فالثمرة لا تتأتى إلا بإخلاص النية.
  • ثانيًا: هضم حق النفس وإنكار الذات، عندما قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، المقدمة في إسلامها كانت هضم النفس والقدح في حظوظها.
  • ثالثًا: تأتي المعية ثم النتيجة.
لذا فنحن نفتقد لغة هضم النفس في البناء المؤسسي، ثم لا نعتني بالمعية؛ ولهذا تأتي النتائج ضعيفة، هنا لابد -أولا- من تجريد النية ثم هضم النفس والقدح في حظوظها، وإجراء المحاسبة لها، ثم يأتي أمر ثالث مهم هو تعزيز علو الهمة في الكوادر الدعوية والإدارية، فعندما تجد إخلاصًا في النية ومحاسبة للنفس ثم تجد علوا في الهمة، تعلم أن هذه الكوادر تصلح كونها صفا ثانيا وثالثا. في هذا البناء جوانب إدارية مبناها على التخطيط، وجوانب معنوية، وبعض المؤسسات تشتغل فقط على الجوانب المعنوية والتربوية لكنها لا تخطط ولا تعتني بمفاهيم الإدارة الحديثة، وأخرى تتعامل في الإطار الإداري بهذا الأسلوب من غير الاعتناء بالجوانب المعنوية والتربوية؛ ولهذا يكون تأثيرها على الأجيال تأثيرا ضعيفا، أقرب ما يكون إلى وصف أن يكون قاسيا أو حازما من غير أن يؤسس كوادر علمية ربانية؛ لذا فأقول: إننا لو اعتنينا بهذا الإطار نكون قد وفقنا.

مراكز وأقسام متخصصة

       ونصيحة أخيرة، نحن نحتاج إلى مراكز وأقسام متخصصة في الأعداد الخاصة بالصف الثاني والثالث وليس الإبقاء على أنه مشروع عام، أو هو تصور أو رؤية منتشرة بين أعضاء المؤسسة؛ لأن الرؤية أحيانا -في إطارها النظري- لا تثمر إذا لم تتحول إلى ترتيبات إدارية وتكليفات معينة؛ لذا فلابد من وجود قسم خاص في كل مؤسسة يعتني بالأعداد للجانب الإداري والجانب المعنوي، وهذا في الحقيقة هو الذي يطور المؤسسات، ويجعلها فاعلة، وتورث دورها للأجيال لنقل العلم والدعوة إلى التدريب والتطبيق، وعلى هذا يعالج مبدأ أننا نترك الدعاة يخطئون ليتعلموا، فلماذا نترك داعية أربع سنوات يجرب ويخطئ؟ وبدل أن تكون تلك المدة تجارب أخطاء، تكون بالتدريب والتوجيه والتأهيل تجارب عطاء، وهذا مهم حقيقةً، كما أننا لابد وأن نعالج أسباب عزوف بعض الدعاة عن مثل تلك المؤسسات؛ فقد يكون سبب العزوف مواقف نفسية أو شخصية أو لأنه يشعر فيها أنه بلا هدف، أو قد يشعر بأنه يضيع ما بين يديه من واجبات ومصالح، ثم يحلق نحو أهداف بعيدة، فيجد أن تلك المؤسسة دون ذلك في تحصيل أهدافه، وتلك الأسباب أيضا تحتاج إلى معالجات، وأن نشخص في كل شخصية عاملة من أي باب هو؟ حتى نتكمن من احتواء الأخطاء الموجودة في الوقع الدعوي والإداري.
  • لدي فكرة قائمة في ذهني يا شيخ، ولا أدري أصحيحة أم خطأ؟ وهي أنك بنيت نفسك من خلال التثقيف العام والاجتهاد في طلب العلم، وليس ضمن مؤسسات دعوية، فهل هذا صحيح؟
  • نعم، نحن بدأنا لما كنا في العراق في الوقت الذي بدأت فيه طلب العلم لم يكن هناك مؤسسات ولا حتى شيوخ، وهنا بدأت وكان قدوتي الأولى بعد النبي -[- والصحابة -رضوان الله عليهم- والأئمة الأعلام، كان شيخ الإسلام ابن تيمية، ولأكثر من ثلاثين سنة أنا مع شيخ الإسلام مع كتبه وعلومه وتأصيلاته، وحرصت بأن أنتفع من التأصيلية والمنهجية في فتاويه وتطوراته وأقواله، ومن ثم حرصت في كل مسألة أن أعرف كيف يعالجها؟ وكيف يتعامل معها؟ وكيف حققها؟
وهذا في الحقيقة أخذ معي فترة طويلة، وكنت أدون ما أقف عليه في بطاقات، وهذه البطاقات أحيانا ربما تجاوزت الآلاف وكانت معي في كل بلد أنتقل إليها؛ لأنها حصيلة علمي، ومن ثم فالقدوة الأولى في طلب علمي هو شيخي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. ثم اعتنيت في القدوة الثانية من المتأخرين الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي الذي اعتنيت بعلومه ومنهجيته اعتناءً كبيرا، ثم استقر الأمر على التأثر بالأئمة الثلاثة (الشيخ الألباني في التصفية والتربية معا، والشيخ الألباني في منهج التصفية والترقية، والشيخ ابن عثيمين في منهج الفقه وأصوله، والشيخ ابن باز في منهج الدعوة ونشر العلم في الأمة)؛ لأنه حقيقة كان إماما في العلم، والشيخ ابن عثيمين أقرب الناس تأصيلا لفقه الشيخ ابن تيمية، وكان الشيخ ناصر -رحمه الله- هو العالم الذي ترجم حقائق تصحيح المنهج لشيخ الإسلام من خلال علم الحديث، فهذه المنهجية فضلا عن طلبي للعلم الشرعي على مرتبة كثير من الشيوخ والدعاة والدكاترة، ولكن تبقى المنهجية حقيقة لم تؤخذ من الشيوخ، وإنما أخذت من هذا الاطلاع وهذا النظر وهذه الملازمة لكتب الأئمة الأعلام؛ ولهذا كان ميلي للقراءة للمتقدمين أكثر من المعاصرين.
  • بالنسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية من الواضح أنك تعمقت في القراءة له؛ فما أهم ملمح في شخصية شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله؟
  • أهم ملمح لاحظته في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية هو (الولاء)، الولاء للدين ولمنهج الأنبياء وللقرآن والسنة، والتزام الحق حيثما كان، والبحث عن الحقيقة العلمية على أي رسالة، فكان إماما جمع بين الحلم والعدل، وكان منصفا وداعيا، فهو أتى على أصول الإسلام علما وتطبيقا، وما كان ليصل لولا هذا الولاء الذي يربي في الإنسان الإنصاف والعدل مع المخالف والموافق.
  • وماذا عن الشيخ السعدي -رحمه الله؟
  • الشيخ السعدي يتميز بأمور كثيرة من أهمها ما يلي:
الأمر الأول: أنه يتكلم بحقائق العلم وفي كل قضية يدمج بين أمرين: بين الحقيقة القرآنية والحقيقة الكونية والشرعية، وبين الاعتقاد والاتباع من جهة أخرى، وبين الظاهر والباطن من جهة ثالثة، فهو فقيه التلازم في العلم بمعنى: لا ينظر للمسألة بنظر واحد وإنما يتميز بالنظر الجامع، فإذا تكلم في مسألة نظر إليها بنظر جامع وعبر عنها بالفهم الشمولي للدين، وهذا ظاهر في تفسيره فلا تجد آية إلا يربط بين الاعتقاد والاتباع والأحكام، ويخرجها بسياق الترغيب والترهيب وبمعان، وكأنه يحقق معنى الآية؛ ولهذا فإن تفسيره من أعظم التفاسير المعاصرة التي تحتاج إلى شرح وبيان؛ ولذلك أنا لا أرى أن تفسيره من التفاسير السهلة اليسيرة المختصرة؛ لأن فيه معاني عديدة بين الأسطر، فيتمكن لمن كان مدركا لمنهج السعدي أن يصل إليها ويبني عليها مفاهيمه وتصوراته، والشيخ السعدي لم يأخذ مكانه وحظا من شعبه وإن كان في الدراسات المتأخرة بدأ الاهتمام بعلومه.

رئيس التحرير يحاور الشيخ الموصلي

 

فهمه للواقع وربطه بالسياسة الشرعية

الأمر الثاني: أنه في منهج الشيخ السعدي فهمه للواقع وربط هذا الواقع بالسياسة الشرعية، وهنا نقول: إن منهجه مبني على أمرين: 1- التلازم في العلوم. 2- الحرص على فهم الواقع فهما مرتبطا بالسياسة الشرعية. ولهذا فهو العالم الذي استجاب لمتغيرات الدعوة جميعها ونهض بها.
  • السعدي رغم أنه نشأ في بيئة صعبة، إلا أنه لما سئل عن أي حزب الديمقراطي أو الجمهوري تؤيد؟ أعطاهم جوابا دقيقا.
  • نعم، ولهذا فأنا أصنف الشيخ ابن السعدي أنه من علماء المقاصد، فالذين يصنفون الشاطبي وابن عاشور والعز بن عبد السلام وشيخ الإسلام ابن تيمية أنهم من علماء المقاصد، فأنا أضيف إليهم اسما جديدا ومهما وهو الشيخ السعدي؛ فهو عالم من علماء المقاصد أيضا.
  • وبالنسبة لعلاقاتك مع المشايخ وحياتهم أمثال الشيخ ابن باز وابن عثيمين؟
  • أنا لم أتمكن من اللقاء مع المشايخ بالمملكة؛ لتعذر الذهاب علينا، وإنما كنت أشرف بلقاء الشيخ ناصر -رحمه الله-، والتقيته أكثر من مرة، وكانت بيننا مجالس نافعة، ثم كانت هناك مجالسة وملازمة طويلة لطبقة من مشايخه في الشام، ثم بعد ذلك انتقلت للإمارات ثم البحرين.
  • كيف بدأت علاقتك مع جمعية إحياء التراث؟
  • عندما تركت العراق وزرت الأردن، دخلت في مكتبة أحد المشايخ، وكنت لا أعلم بعد شيئا عن الجمعية، فوجدت أمامي (مجلة الفرقان)، وأتذكر وأنا أقلب صفحاتها أنني رأيت مقالاً للشيخ: محمد حمود النجدي، وقلبت الصفحة وإذا هو كلام في التحذير من التكفير، فكان هذا أول انطلاقاتي مع هذه المجلة، أن أرى شخصية علمية فيها، فالشيخ النجدي شخصية تربوية هادئة منصفه مؤثره، فأدركت أن المجلة تحمل هموما وتحديات كبيرة.
 

إحياء التراث سفيرة العمل الخيري

       ما بلغته الكويت عموما وجمعية إحياء التراث الإسلامي خصوصا في نشر الثقافة الإسلامية من الكتب والدعوة والحركة العلمية شيء لا يتصوره العقل، ولهذا أنا في كتاب العمل الخيري بينت أن جمعية إحياء التراث هي سفيرة العمل الخيري السلفي، رضي من رضي وأبى من أبى، ومن أصول دعوتنا الحفاظ على من أجرى الله على يديه نعمة الإسلام والإيمان وهو أصل عظيم، والله -تعالى- مثلما في الأردن أجرى تحقيق السنة على يد الشيخ الألباني أجرى في هذه البلد نعمة نشر العلم والدعوة ونشر العمل الخيري في أفريقيا ودول أخرى بهذه المؤسسة، فدعمنا لهذه المؤسسة ليس لذواتها وإنما لسبقها وعطائها واعتدالها، وما أرجوه -بارك الله فيكم- هو الحفاظ على هذه البذرة، وأن تكون سببا في خدمة الأجيال عبر الأجيال، أكبر من كونها مجرد أنها مؤسسة تعمل كباقي المؤسسات.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك