رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ياسر حسين محمود 24 يناير، 2024 0 تعليق

المنهج الإصلاحي سبيل أهل الإيمان

 

  • نسعى للحفاظ على ثوابت الدين ولا نهدمها ونرجو رحمة الله ولا نيأس ونعمل ولا نَعجز نَسير ولا نتوقف ننتظر الفرج مِن الله
  • يبحث أهل الإيمان دائمًا عما هو أَصْلَح لأنفسهم ومجتمعهم وبلادهم وأُمَّتِهم ولا تأخذهم العواطف إلى مناهج مخالفة للمنهج الإصلاحي لا تَحسب العواقب ولا تُقَدِّر النتائج
  • المعاناة التي تعانيها بعض المجتمعات لابد فيها مِن تعاونٍ صادق وتكافلٍ اجتماعي حقيقي لا ينتظر قرارات وقوانين يحتاج إلى تَرَاحُمٍ ورِفْقٍ ولِينٍ بيْن الناس
 

تُواجِه شعوبنا ومجتمعاتنا مشكلات عديدة في المرحلة الحالية، وهي داخلة ضمن الابتلاء الذي خلق الله الخلق لأجله، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (الملك:1-2)؛ فلابُدَّ مِن ضِيقٍ وسعةٍ، وشَرٍّ وخيرٍ، وشِدَّةٍ ورَخَاءٍ، ومَرَضٍ وعافيةٍ، كما لا بُدَّ مِن اختلاف البشر بيْن أبرارٍ وفجارٍ، ومؤمنين وكفار؛ ليتم البلاء.

       وأهل الإيمان دائمًا شعارهم قول نبي الله شعيب -عليه السلام-: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود:88)، وهم يحبون الخير للناس ويحرصون على مصلحتهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «عَجِبَ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ!» (رواه البخاري)، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: «كُنْتُم خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ؛ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ!» (رواه البخاري)؛ فهم حتى مع قتالِهم لأعدائهم وأَسْرِهِم لبعضهم غَرَضُهم في ذلك الخير للعالَم، قال -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} (آل عمران:110).

أهل الإيمان يبحثون عما هو أصلح

         ولهذا يبحث أهل الإيمان دائمًا عما هو أَصْلَح لأنفسهم ومجتمعهم وبلادهم وأُمَّتِهم، ولا تأخذهم العواطف إلى مناهج مخالفة للمنهج الإصلاحي، لا تَحسب العواقب ولا تُقَدِّر النتائج قبْل الأخذ بأسبابها، ولربما دفعت أصحابها والمتابعين لهم مِن ورائهم لعلاج آلامهم بمزيدٍ مِن الآلام، تتضاعف عليهم حتى يتمنوا الألم الأول، كالمناهج الصدامية التي لا تَعبَأ بحُرمة الدماء المعصومة، ولا تلتفت إلى مصائر مجتمعات المسلمين ولا مصالحهم في دمائهم وفي دينهم وأعراضهم وأموالهم، مِن أجل شعارات لا حقيقة لها على أرض الواقع، وربما تَنَازَل أصحابها أنفسهم عن أعظم ثوابت دينهم مِن أجل تحقيق مصالح موهومة أو حتى مُتَحَقِّقة، لكنها في النهاية مصالح دنيوية- هي أدنى بلا شك مِن مصلحة الدين، بل مِن مصالح دنيوية أعظم منها.

موازنة فاسدة

         فالذي يقبل حرية الشذوذ ويقبل إباحته، ويقبل زواج المسلمة مِن الكافر، ومساواة الذكر بالأنثى في الميراث، والذي يقر حرية الفن والإبداع دون أي ضابطٍ ديني أو اجتماعي، ويزعم أنه بذلك يراعي المصلحة ويستعمل السياسة مِن أجل تقدم البلاد اقتصاديًّا أو قبولها في منظمات المجتمع الغربي؛ لَهُوَ هادِمٌ للإصلاح، مُحَقِّقٌ للفساد؛ مِن حيث زعم العكس. والعجب: أن تجد مَن يقبل هذه الموازنة الفاسدة بيْن المصالح والمفاسد! في حين ينكر على غيره تقديم مصلحة الدين ومصلحة استقرار البلاد والعباد والمجتمعات وحفظ الدماء والأعراض والأموال في الجملة، ويرفض التثوير والتهييج المؤدي إلى الفوضى وهو يرى ما جره ذلك مِن ويلاتٍ أمام أعين الناس.

قاعدة ربانية مهمة

         وإن كانت عادة أكثر الشعوب أنهم يفضِّلون مَن يَسُبُّ ويَلعنُ في الناس والزمان -والحكام بالتأكيد على رأس القائمة- وينسون أن القاعدة الربانية: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأنعام:129)؛ فهم يُهمِلون ما عليهم ويطلبون ما لَهم، وأيضًا يطلبون ما ليس لهم، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا، قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ» (متفق عليه).

تعاون صادق وتكافل حقيقي

        والمعاناة التي تعانيها بعض المجتمعات لابد فيها مِن تعاونٍ صادق وتكافلٍ اجتماعي حقيقي، لا ينتظر قرارات وقوانين، يحتاج إلى تَرَاحُمٍ ورِفْقٍ ولِينٍ بيْن الناس، وإزالةٍ لبُؤس المُبتَئِس وحُزْن الحزين ووَحْشَة المستوحش، وإن كنا نطالِب في الوقت نفسه بالقرارات والقوانين التي تخفف أَلَمَ الناس، وننقل آلامهم ومتاعبهم لمَن هو مسؤول عنهم أمام الله أولًا، ثم أمام شَعْبِه وأُمَّته؛ لكننا لا نعالِج ألمًا بما يزيد الألم، بل بما يخففه.

الحفاظ على ثوابت الدين

     نُحافظ على ثوابت الدين ولا نهدمها، ونرجو رحمة الله ولا نيأس، ولا يصيبنا الإحباط، ونعمل ولا نَعجز، نَسير ولا نتوقف، نَنهض ولا نخلد إلى الأرض ولا نستسلم للكَبَوَات، ننتظر الفرج مِن الله ولا نيأس مِن روح الله {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح:5-6)، {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق:7).

إصلاحُ دَاخِلِنا مُقَدًّمٌ على إصلاح غيرنا

     وإصلاحُ دَاخِلِنا وأبنائنا وأُسَرنا مُقَدًّمٌ عندنا على إصلاح غيرنا، وجماعتنا الدعوية، التي لا شك تحتاج إلى إصلاحٍ كبيرٍ، ونَقْلٍ سديد للمنهج إلى الأجيال القادمة، وهذا أيضًا منهج إصلاحي أساسي، ولا ننسحب مِن العمل، ولا نترك الدعوة إلى الله لأجل وجود نقصٍ أو خللٍ يَحتاج إلى علاج. لذلك نَقُول: لابد لنا أن يتأكد في حِسِّنَا أن طريقنا هو الإصلاح، وأن سبيلنا هو دعوة الأنبياء ومنهجهم في إصلاح العالَم.  

أثر الإيمان في تحقيق النصر

      لا شك أن أسباب النصر على الأعداء كثيرة، منها: الأخذ بالأسباب، وإعداد القوة والكفاءة القتالية، والخبرة العسكرية، والإمكانيات المادية والمعنوية، لكنَّ هناك سببا رئيسيا لو توفر سيكون له الأثر البالغ والأكبر في تحقيق النصر؛ ألا وهو: الإيمان بالله -تعالى-، وبما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع العمل بمقتضاه. كما في صحيح مسلم من حديث جَابِرَ بْنَ عبداللَّهِ قالُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: «فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عليه السلام -، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ». والمؤمن يعتقد اعتقادًا جازمًا أن الجهاد في سبيل الله، وملاقاة العدو، والدفاع عن العقيدة، لا ينقص الأعمار، فإما نصر يتحقق، وإما شهادة تعقبها حياة عند رب العالمين، فرحين ومستبشرين بما آتاهم الله من فضله، بل إن المؤمن على يقين أن الله يسبب له أسباب النصر، فقد وعده بذلك فقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ‌وَيُثَبِّتْ ‌أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7). لذا لا تتعجب حين يرسل الله مع المؤمنين ملائكة تقاتل معهم، أو يسخر الله لهم الأسباب الكونية بأعظم المخلوقات من أرض، وسماء، وجبال، وأمطار ورياح، جاهزة لتثبيت المؤمن في ساحة القتال، وتنتظر أمر الله -عز وجل-: {كُنْ فَيَكُونُ}. لقد بَثَّ الله القوة والشجاعة في قلب المؤمن حتى أصبح الواحد منهم يساوي عشرة من أعداء الله، كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ‌حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} (الأنفال: 65)، ولما نزل بهم الضعف أصبح الواحد باثنين كما قال -تعالى-: {الْآنَ ‌خَفَّفَ ‌اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 66). ومِن عظيم الشرف للمؤمن: أن جمعه مع الرسل في تحقيق وعده بالنصر، فقال -تعالى-: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر: 51). أخي المؤمن، حين تقاتل في سبيل الله تحت راية التوحيد، وليس عصبية أو جاهلية، بضوابط شرعية موافقة للكتاب والسنة؛ فاعلم أن النصر قادم مهما طال أو قصر، أو انحدرت خلاله صخور وعقبات، قال -تعالى-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم: 47).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك