رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أميرة عبدالقادر 28 مايو، 2024 0 تعليق

المرأة المسلمة ومكانتها في الشريعة 8 – دور المرأة المسلمة في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم 

 

  • سجلت المرأة حضورًا قويا في الاستجابة لنداء الله وللتمسك بمبادئ الدعوة الإسلامية وتحملت كما هائلاً من صنوف الاضطهاد والتعذيب من أجل دينها وعقيدتها
  • بالثبات والتحمل في سبيل الدعوة والتحلي بالصبر والإيمان تبوأت المرأة المسلمة مكانتها فنالت حريتها الحقيقة من رق عبودية الشهوات والمنكرات إلى الترقي في مدارج العبودية لله تعالى
 

ما زلنا في الحديث عن ذلك الدور المهم والمحوري الذي قامت به المرأة في حياة الأنبياء والرسل، ذلك الدور الذي تمثَّل في كثير من النواحي، فنجد المرأة أيا ما كانت وظيفتها، أما كانت أو زوجة أو أختا أو بنتا تساند وتدعم وتتحمل وتجاهد في سبيل نصرة تلك الدعوة المباركة، باذلة في ذلك جُلَّ ما تملك من أدوات مادية وعاطفية واجتماعية وتربوية، حتى أعطت ذلك النموذج الفريد في الدعم والمساندة والتحمل والصبر في سبيل قضيتها.

        وكما كان دورها في حياة أنبياء الله -تعالى- إبراهيم وموسى وعيسى وإسماعيل -عليهم السلام- نجد دورها بارزا جليا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، والدراس لتاريخ جهود المرأة في الدعوة إلى الله ووقوفها ودعمها لدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - يقف مندهشا مبهورا بها ولا سيما في مرحلة سرية الدعوة.

دورها في مراحل الدعوة

        فلقد عاشت الدعوة المباركة مرحلتين: مرحلة سرية الدعوة، ومرحلة الجهر بالدعوة، وقد بدأت المرحلة السرية بعد نزول الوحي واستمرت ثلاث سنوات من البعثة، وفي هذه المرحلة كانت للمرأة المسلمة دور مهم وكبير في تبليغ الدعوة ونشرها وحمايتها والدفاع عنها ودعم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومساندته، مثلها في ذلك مثل الرجال الذين دخلوا الإسلام في هذه المرحلة السرية، بل وصل عدد المسلمات في ذلك الوقت ربع المجتمع المسلم؛ لأن غالبية الرجال الذين دخلوا في الإسلام في ذلك الوقت دخلت معهم نساؤهم.

الاستجابة لنداء الله

        وسجلت المرأة في هذه المرحلة حضورًا قويا في الاستجابة لنداء الله وللتمسك بمبادئ الدعوة الإسلامية وتحملت في هذه المرحلة كما هائلاً من صنوف الاضطهاد والتعذيب من أجل دينها وعقيدتها مقدمة في ذلك أروع المثل للمرأة المسلمة في هذا التوقيت المبكر من الإسلام.

النماذج المشرفة

        وتأتى في طليعة هذه النماذج المشرفة الزوجة المباركة، أول من آمن برسول الله على الإطلاق وهي (خديجة بنت خويلد) -رضي الله عنها- التي وقفت إلى جوار زوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - داعمة ومثبتة لقلبه متحدية معه صناديد قريش وكبرائها؛ فلقد جسدت هذا الدور العقدي الفريد وهي السيدة المرموقة في المجتمع صاحبة المال والثروة والتجارة والرأي والنسب.

دورها في بداية نزول الوحي

       وقد ظهر دورها واضحًا جليًا منذ بداية نزول الوحي على رسول الله عندما عاد إليها قائلا: زملوني زملوني، فقامت على الفور فزملته والتزمته حتى هدأ - صلى الله عليه وسلم - من فزعه وصبت عليه الماء البارد، وعندما سألته عما كان من شأنه بعد أن قوي وتماسك وقص عليها ما كان من شأن جبريل -عليه السلام-، إذا بها تقول كلماتها الشهيرة الخالدة ضاربة في ذلك أروع المثل في الدعم والمساندة والطمأنة والاحتواء النفسي: «أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ»، ثم انطلقت معه إلى ابن عمها ورقة بن نوفل فأخبره النبي بالخبر فقال له ورقة: هذا الناموس الذى أنزل الله على موسى -عليه السلام.

دور مهم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم 

        فلقد كان لخديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- دور مهم في حياة النبي -  صلى الله عليه وسلم - في هذا الوقت العصيب لمكانتها في المجتمع القرشي، وكان إيمانها -رضى الله عنها- برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أول أسباب التخفيف عنه - صلى الله عليه وسلم - مما عاناه بعد ذلك من صنوف الأذى من المشركين وتكذيبهم له؛ فكانت بإيمانها به درعا نفسيا واقيا له - صلى الله عليه وسلم .

بذلت أموالها لنصرة دعوته

        ولم تكتف بهذه المؤازرة النفسية المعنوية بل بذلت أموالها لنصرة دعوته، ولاقت معه صنوف الاضهاد والأذى على مدار عشر سنوات من حياتها جنبا إلى جنب؛ فدخلت معه الشعب، وتحملت معاناة الحصار الذي دام ثلاث سنوات وهي من هي في قومها؟ صاحبة المال والنسب؛ فلم تبق في دارها وهي المترفة المنعمة، ولو أرادات ان تنأى بنفسها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه -رضوان الله عليهم- لفعلت؛ لما لها في قومها من مكانة ومنعة، ولكنها فضلت أن تلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - راضية معه بالمصير.  

أثر كبير في قومها وعشيرتها

      ولم يقف سنها حجر عثرة في طريقها؛ فقد كانت تقارب الثالثة والستين من عمرها وقد كان لموقفها أثر كبير في قومها وعشيرتها، فكيف يرضون بأن تجوع خديجة وتحرم وهي التي كانت تغدق عليهم من وجوه البر والخير فاندفع بعضهم يحمل الطعام سرا، كما فعل حكيم بن حزام وهي عمته -رضى الله عنها- وقد سمي العام الذي ماتت فيه -رضى الله عنها- بعام الحزن؛ لما لاقه النبي من شدة وألم بعد موتها وفقده لأقوى داعم له في دعوته. وبرغم أنه - صلى الله عليه وسلم - تزوج بعدها بعدد من أمهات المؤمنين، إلا أنه كان لا يرى في أحد منهن عوضا له عنها؛ فقال -صلى الله عليه وسلم -: «ما أبدَلَني اللهُ -عزَّوجلَّ- خَيرًا منها، قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ النِّساءِ»، فالعالم الإسلامي أجمع إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة مدين لها بالجميل، وقد استحقت ان تكون أكمل النساء وسيدة نساء أهل الجنة قال -صلى الله عليه وسلم -: «أفضَلُ نِساءِ أهْلِ الجنَّةِ خديجةُ وفاطمةُ ومَريَمُ وآسِيةُ».

أم الفضل بنت الحارث -رضي الله عنها

        ومن أروع النماذج أيضا التي قدمتها المرأة المسلمة في مرحلة سرية الدعوة: أم الفضل بنت الحارث، وتسمى لبابة الكبرى بنت الحارث زوجة العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهى أول امرأة أسلمت في مكة بعد السيدة خديجة -رضي الله عنها-، وكان ابنها عبدالله يقول: «آمنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان»، وكانت -رضى الله عنها- شجاعة لا تخشى في الله لومة لائم.

الثبات والصبر والإيمان

        وبهذا الثبات والتحمل في سبيل الدعوة والتحلي بالصبر والإيمان أمام هذا الكم الهائل من الاضطهاد والتنكيل بأبشع الأساليب وأحقرها، تبوأت المرأة المسلمة مكانتها لا بالشعارات الزائفة ولا الدعوات المسمومة ولا التحرر الأخلاقي والحريات المزعومة؛ فنالت حريتها الحقيقة من رق عبودية الشهوات والمنكرات إلى الترقي في مدارج العبودية لله -تعالى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك