رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 15 أغسطس، 2010 0 تعليق

الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية تحاصر العالم

    من يتابع أوضاع العالم حاليًا يفاجأ بحجم غير معقول من الكوارث المتلاحقة التي لم يعرف العالم مثيلاً لها منذ عقود طويلة ولا يكاد مواطنو الكرة الأرضية يفيقون من كارثة حتى تحاصرهم أخرى لا تفرق بين العالم المتقدم وما يطلق عليه العالم النامي، فالحر أصبح يخاطر الجميع، ففي باكستان خلفت الأعاصير والأمطار الموسمية التي لم تشهد البلاد لها مثيلاً منذ عشرات العقود ما يقرب من 1400 قتيل وشردت أكثر من 12مليون مواطن بحسب أرقام صادرة عن الحكومة الباكستانية التي ناشدت العالم تقديم مساعدات عاجلة لدعم قدراتها على التخفيف من آثار الكارثة تقدر بما يتجاوز 8.2 مليارات دولار.

     ولم يكد العالم يفيق من هذه الكارثة حتى ضربته كارثة أخرى أكثر عنفًا تمثلت في وصول درجة الحرارة في جمهوريات الاتحاد الروسي إلى أكثر من 37 درجة مئوية وهي المرة الأولىالتي تصل فيها درجات الحرارة في البلاد إلى منذ أكثر من 130عامًا مصحوبة بحرائق ضخمة أكلت الأخضر واليابس وتسببت في دمار أكثر من 10 ملايين هكتار من القمح، مما حدا بالحكومة الروسية إلى إعلان حالة الطوارئ ووقف تصدير أي كميات من القمح والشعير والذرة حتى حلول شهر أكتوبر لحين تقدير الخسائر والتأكد من قدرة موسكو على الالتزام بما تعهدت بتصديره للعالم وهو ما هدد باندلاع أزمة غذائية طاحنة أسهمت في ارتفاع أسعار طن القمح من190دولارًا إلى 300 دولار.

     واستمرت معاناة الكوارث حيث ضربت موجة من الجفاف غير المسبوق عددًا من الدول الأوروبية على رأسها إيطاليا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال وأجزاء من ألمانيا بعد الارتفاع القياسي في درجات الحرارة وانخفاض منسوب الأنهار بشكل واضح دعا العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي إلى إعلان حالة الطوارئ وسط تخوفات من تكرار الكارثة التي ضربت القارة العجوز منذ عامين وخلفت أكثر من 30 ألف قتيل بسبب موجة الحرارة الشديدة.

     ومن أوروبا نعاود الكرة إلى آسيا التي ضربت أعاصير خطيرة فيها عدة مناطق من إندونيسيا تسببت كذلك في مقتل وتشريد الآلاف وتسببت في دمار مساحات شاسعة من المزروعات دعت الحكومة في جاكرتا إلى اعتبار القرى المنكوبة مناطق كوارث. وقدمت مساعدات عاجلة لسكان هذه المناطق تخوفًا من تداعيات سلبية نتيجة امتداد الكوارث إلى مناطق أخرى ولاسيما أن أغلب ترجيحات المسح الجوي وتقارير الأرصاد الجوية تشير إلى إمكانية تكرار هذه الأعاصير في مناطق أخري.

عجز وتخبط

     ولعل الدرس الأهم من مجموعة الكوارث التي ضربت العالم خلال هذه الفترة حالة العجز الشديدة التي ظهرت من خلال تعاطي حكومات الدول المصابة بهذه الكوارث بغض النظر عن إمكانات هذه الدول، ففي باكستان مثلاً ظهرت الدولة عاجزة عن مواجهة الكارثة حيث ظهر التخبط الحكومي وافتقاد الإستراتيجية اللازمة للتعامل مع الأزمات بشكل عاجل بتصاعد مخاطر الكارثة وامتدادها لمناطق السند الجنوبية حيث لم تفلح الإمكانات المالية واللوجيستية في التدخل لاحتواء الكارثة أو تبني خطط للتعامل معها بشكل لا يفاقم من مخاطرها، وظهر عدم اكتراث الدولة الباكستانية بالكارثة بقيام الرئيس عاصف علي زرداري بجولة أوروبية وضربه بجميع المطالب الخاصة بإلغاء هذه الجولة عرض الحائط رغم الكارثة التي ضربت مقاطعة البنجاب (التي تعتبر مخزن القمح بالنسبة لباكستان) حيث قدر مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن حوالي 600 ألف هكتار من الأراضي الزراعية أصبحت مغمورة بالمياه بمحاصيلها فأدت إلى خسائر تتمثل في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل سريع الأمر الذي سيخلق مشاكل كبيرة في المستقبل.

     ولم يختلف السيناريو كثيرًا، وإن كان بصورة أقل وطأة، في روسيا صاحبة الإمكانات الضخمة والقدرات الدقيقة في التعامل مع الكوارث حيث أخفقت أجهزتها في التعامل مع الحرائق التي امتدت إلى أماكن إستراتيجية وقواعد عسكرية مما حدا بالسلطات هناك إلى نقل صورايخ طويلة المدى إلى مناطق آمنة خشية أن تطولها الحرائق بعد إخفاق وحدات الدفاع المدني وقوات الجيش في التصدي لها مما حدا بالرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ورئيس وزرائه فلاديمير بوتين إلى إقالة جنرالات من مناصبهم عقابًا لهم على عدم نجاح جهودهم في التصدي لهذه الكارثة التي خلفت خسائر مالية فاقت 30 مليار دولار بحسب تقديرات أولية لمجلس الوزراء الروسي لم تستطع تحديد مجمل هذه الخسائر إلا بعد القيام بحصر تام لها في مجمل أراضي روسيا الاتحادية.

     وقد فرضت هذه الكوارث على حكومات العالم والأمم المتحدة ضرورة التنسيق بين دول العالم لمواجهة هذه الكوارث عبر الدعوة لعقد مؤتمر دولي لتحديد آلية للتعامل مع هذه الكوارث المرجح زيادة حدتها خلال الأعوام المقبلة ولاسيما أن الآليات الحالية لم تعد صالحة لمواجهة مثل هذه العثرات وعلى رأسها مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة والذي يكتفي في الغالب بإصدار نداء لتقديم المساعدات الطارئة لمصلحة ضحايا الكوارث فقط، بل يجب أن ترصد ميزانيات ضخمة لهذا المكتب عبارة عن مبالغ سنوية تلتزم بها دول العالم الغنية والفقيرة على حد سواء لمواجهة الكوارث بصورة أكثر واقعية بشكل يسهم في احتواء توابعها، وكذلك ينبغي دعم أنشطة المنظمات الخيرية والاغاثية وإزالة العراقيل من أمامها ولاسيما الإسلامية التي لعبت القيود المفروضة على عملها دورًا في عرقلة قيامها بالدور المنوط بها القيام به خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

     ومن البديهي التأكيد أن الكوارث التي ضربت العالم هذا الصيف ومنها على سبيل المثال لا الحصر الكارثة التي حلت بالقطب الشمالي نتيجة ذوبان قطعة ثلج تقدر بحجم مدينة كاملة بفعل الحرارة الشديدة مما أدى إلى تشبع الهواء بالرطوبة وتكاثر الغيوم وارتفاع درجات الحرارة بمعدل درجة سنويًا، وهو أمر له تداعيات مدمرة تتسبب في ارتفاع منسوب البحار الكبرى بشكل يهدد بغرق مناطق شاسعة من العالم وهو ما أكده تقرير مجلة «نيتشر» العلمية الذي أشار إلى أن بيئة العالم متجهة إلى المصير المحتوم من سيئ إلى أسوأ ولاسيما أن الكثير من مناطق العالم الجافة المأهولة الآن بنحو 2.1 مليار نسمة أضحت معرضة لخطر التحول إلى أراض جرداء لا تصلح على الإطلاق للحياة أو إنتاج الغذاء فضلاً عما يسببه ذلك من نقص حاد في مياه الأنهار وعجز مناطق عديدة في العالم عن تأمين احتياجاتها من المياه العذبة والصحية خصوصًا في مناطق النزاع بين دول ما يطلق عليه المنبع والمصب في عدد من دول العالم .

عالم أكثر جفافًا

      ويدعم الطرح السابق د. مسلم شلتوت رئيس المعهد القومي للأبحاث الجيوفيزيقية حيث يرى أن العالم مقبل على موجة من التغيرات المناخية بفعل مجموعة من الأسباب منها ارتفاع درجات الحرارة بنسبة تتراوح بين درجتين وثلاث درجات سنويًا وهو ما يجعل الحياة على كوكب الأرض أكثر صعوبة، فضلاً عن ارتفاع منسوب البحار العظيمة بشكل يهدد بغرق مناطق مأهولة بالسكان والزراعة

      وتابع د. شلتوت إلى أن ذوبان مناطق كبيرة من القطب الشمالي سيقف وراء موجة من ارتفاع درجة حرارة الأرض حيث تتحول هذه الكتل التي كانت تلعب دورًا مهمًا في تلطيف درجة الحرارة إلى عامل من عوامل تسخين جو الأرض مما سينعكس على ارتفاع درجة الحرارة وتضرر مناطق كبيرة من العالم بفعل هذا الارتفاع ولاسيما قطاعات الزراعة والمياه والري.

     ويري د. شلتوت أن النشاط الإنساني الذي ينتج الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري مثل ثاني أوكسيد الكربون يسهم في ارتفاع درجة الحرارة بالكوكب. وينبعث ثاني أوكسيد الكربون من حرق الوقود في السيارات ومحطات الطاقة والمصانع مما يقود العالم إلى المجهول وسط ارتفاع الاحتمالات بزيادة ظاهرة الاحتباس الحراري واتجاه العالم إلى مواسم أكثر جفافا صيفًا وشتاء مما سيحمل آثارًا بالغة الصعوبة على الحرث والنسل.

صرخات تحذير

     ويزداد الطين بلة من الصرخات التي أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة العالمية «الفاو» ومجموعة من المنظمات الأوروبية المتخصصة تعلن فيها تخوفها من دخول العالم على موجة من الارتفاعات في أسعار القمح في البورصات العالمية والتي كان يمكن التنبؤ بها منذ أكثر من شهرين وقت أن كان سعر القمح العالمي لا يتجاوز 160 دولارًا للطن الذي أصبح بأسعار البورصة يوم 4 أغسطس الجاري 300 دولار لطن القمح الأمريكي.

     وأوضحت تقارير متطابقة عن تصاعد احتمالات اندلاع أزمة غذاء عالمية في ظل ما تتعرض له دول شرق أوروبا من فيضانات تؤثر في الإنتاج العالمي لمحصول القمح، معتبرين أن موجة الحر غير المسبوقة التي تجتاح روسيا في الوقت الراهن، هي السبب في الفيضانات التي تعانيها دول شرق أوروبا، وأنها السبب أيضا في فيضانات نتجت عن هطول أمطار غزيرة في بلدان آسيوية يجاور بعضها روسيا.

     وحذرت «الفاو» من أن توقف صادرات الحبوب الروسية يسبب وضعًا «مقلقًا» في أسواق القمح واستمرار ارتفاع الأسعار الذي يهدد الأمن الغذائي.

     فضلاً عن الآثار التي يسببها ارتفاع الأسعار من مشكلات في الدول الفقيرة والمحدودة الدخل، كما حدث في عامي 2007 و2008، عندما أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى أعمال شغب احتجاجًا على الغلاء في أفريقيا ودول الكاريبي وآسيا، حيث ارتفعت أسعار الحبوب بأكثر من 53٪ خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2008 مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2007. وهو ما تتخوف المنظمة الدولية من تكراره حاليًا.

ارتفاع قياسي

     وفي نفس السياق تسبب الموقف الروسي في ارتفاع موجة المخاوف من أزمة رغيف الخبز في عدد من الدول العربية وفي المقدمة منها مصر المعتمدة على الخارج بنسبة تفوق 60% لتأمين احتياجاتها الغذائية، حيث لم تستطع مصر خلال العقود الماضية تضييق حدة الفجوة مما تنتجه من القمح (7 ملايين طن) وتأمين احتياجاتها الفعلية التي تزيد على أكثر من 15 مليون طن ولاسيما أن السلطات الروسية أوقفت شاحنة عملاقة كان تزن حمولتها 240 ألف طن قمحًا كانت متجهة إلى مصر مما تسبب في ارتفاع أسعار الدقيق خلال الأيام القليلة الماضية بما يزيد على 70% عن أسعاره نهاية يوليو الماضي، وهو أمر ينتظر تكراره في عديد من الدول العربية سواء في المشرق أو المغرب التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الغرب في الوفاء باحتياجاتها الغذائية.

     وتكشف مثل هذه الأزمة فشل السياسات الغذائية العربية طوال العقود الماضية في تأمين الاحتياجات الغذائية التي زادت فاتورتها على 30 مليار دولار وينتظر أن تتضاعف خلال المرحلة القادمة بفعل ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الرئيسية وعدم وجود استراتيجيات واضحة لتأمين احتياجاتها الغذائية، فمثلاً أعلنت دول عربية عديدة أنها بصدد استثمار آلاف الملايين من الدولارات لزراعة القمح في دول عربية مثل السودان وأفريقية مثل أوغندا لتأمين احتياجاتها الغذائية ولاسيما أن هذه الدول تتوافر فيها مصادر المياه والأراضي الخصبة مما يجعل هذه العملية أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية.

مخاطرة غير مضمونة

     ولكن المتتبعين للأمر ومن بينهم د. أحمد عبد اللطيف الأستاذ بكلية الزراعة بجامعة عين شمس يرى أن هذا الأمر يسير بوتيرة منخفضة جدًا ولم تخط الدول العربية خطوات جادة فيه ولعلها تحتاج إلى وقت ودراسات حتى تستطيع البدء في مثل هذه المشاريع الضخمة رغم أن الرهان عليها لحل أزمة فاتورة الغذاء في العالم العربي أمر ليس بالسهل ولاسيما أن دولاً مثل أوغندا تعتمد على الأمطار لزراعة هذه الأراضي مما يجعل الرهان عليها وحدها أمرًا شديد الصعوبة.

     واعتبر د.عبد اللطيف أن الرهان على الزراعة خارج العالم العربي، رغم ما يتمتع به من ميزات، غير كاف لسد الفجوة الغذائية، مشيرًا إلى أهمية رصد ميزانيات ضخمة لاستنباط أنواع جديدة من الأقماح الملائمة للتربة العربية ورفع ميزانيات مراكز البحوث الزراعية ولاسيما أن الاعتماد على الإمكانيات المحلية هو السبيل الوحيد لسد النقص الكبير في احتياجات العالم العربي الغذائية.

وأوضح الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة عين شمس أن العالم العربي يعد الخاسر الأكبر من موجات الحرائق والجفاف الأخيرة في العالم باعتباره المستورد الأول لاحتياجاته الغذائية في ظل الارتفاع القياسي في أسعار السلع الغذائية وهو ما يفرض علينا ضرورة تجنيد كل إمكانياتنا لتوفير النسبة الكبرى من السلع الغذائية والنزول بسقف الاستيراد للحد الأدنى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك