رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 4 أغسطس، 2010 0 تعليق

القدس عاصمة الثقافــة.. وأكاذيــب يهــــــــــود -الحلقة الثانية عشرة «الأخيرة»

 

 

ما زال اليهود يشعرون في قرارة نفوسهم بعقدة النقص، فالجوع لدى اليهود في إثبات علاقتهم بفلسطين، وشعورهم بأنهم غرباء، دفعهم لإيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين وحولها، وادعاء ذلك التاريخ والتراث للأجيال اليهودية القادمة!!

بين فترة وأخرى يزعم اليهود أن هذا المسجد وهذا القبر وهذه الأرض وهذا البيت مقدس عند اليهود، وأنه جزء من عقيدتهم، ويوجهون أتباعهم لممارسة طقوسهم عند هذا المقدس الجديد المكتشف حديثا من دون تاريخ، ولا إثبات، ولا عقيدة، ويبدأ مسلسل المصادرة والاستيلاء والترميم وتوسيع الشوراع وهدم المنازل المجاورة، وممارسة الإرهاب والتشريد، وتثبيت اللوحات الإرشادية باللغة العبرية؛ ليصبح وكأن هذا الموقع له تاريخ عريق!!

 

فقد تم تغيير الكثير من المعالم في القدس، ولم تسلم من ذلك حتى قبور المسلمين، وكتبوا عليها كتابات عبرية، فبعضها زعموا أنه ضريح "شمشوم الجبار"، وآخر قبر "الصديق دان بن يعقوب"، وقبر النبي "الياهو" حسب زعمهم، وذلك بقصد محو الآثار التاريخية للمسلمين في أرض فلسطين.

فالسطو على التراث الفلسطيني هو جزء من السطو على أرض فلسطين، والتاريخ يسرق ويتم الاستحواذ عليه قطعة قطعة، حجراً حجراً، زاعمين أن لهم تاريخا عريقا!! لكونهم بدون تاريخ، يريدون أن يصنعوا  تاريخاً وراء الزجاج في متاحفهم؛ تأكيداً لسطوتهم، وقدرتهم على حبس تاريخ لم يكن لهم شرف الإسهام في صنعه وإبداعه، تاريخ سطرته قصص أنبياء الله تعالى الذين جاؤوا بدعوة التوحيد، وأكمله الفتح الإسلامي، ومدافعة المسلمين على مر السنين لكل غاصب لأرض فلسطين.. وسنختم حلقاتنا في الرد على أكاذيب اليهود بزعمهم:

أن لليهود تراثا عريقا في

القدس وفلسطين!!

ونقول:

وبعد أن ادعوا المقدسات في القدس وأرض فلسطين، وأنها يهودية التاريخ وأن المسلمين دخلاء على تلك الأرض وتلك المقدسات، انتقلوا إلى مرحلة أخرى وهي الادعاء بالتراث اليهودي الأصيل في القدس وأرض فلسطين، وبالكشف عنه تجده تراثا عربيا إسلاميا يسوّق للعالم على أنه يهودي الماضي والحاضر، وأوهموا العالم بأنهم أصحاب حضارة وتراث لا ينافس، وإذا نظرت إليه وجدته تراثا عربيا مسلوبا كما سلبوا الأرض والمقدسات.

فكتبهم عن التراث تصف اللباس اليهودي الأصيل وإذا به الدماية - الدشداشة - الفلسطينية، والثوب النسائي المطرز سلبوه ليلبسوه مضيفات شركة العال اليهودية للطيران، وإذا بالأكلات اليهودية هي الأكلات الفلسطينية الشعبية نفسها وزيارة معرض واحد من معارض اليهود التي تقام في الدول الغربية، يعقد اللسان عن الكلام كما وصفه أحد الصحافيين العرب الذي تزامن وجوده مع إقامة معرض هناك، ويقول إن ركنا من أركان المعرض يجعلك تقف مذهولاً من وقاحة  اليهود وكذبهم، فزاوية المأكولات اليهوديـة تقدم "الفلافل" للزوار على أنها أكلة يهودية عريقة ومأكولات أخرى كاللبنة والزيتون والزعتر والسلطات...  والملابس المعروضة هي ملابس فلسطينية أصيلة، وكأنك في معرض للتراث الفلسطيني، والغريب أن تتناقل وسائل الإعلام الغربية ذلك التراث على أنه تراث يهودي عريق!!!

سابقاً قال تيودور هرتزل في كتابه «الدولة اليهودية»1: "علينا أن نمتلك الوطن اليهودي الجديد، مستخدمين كل ذريعة حديثة وبأسلوب لم يعرفه التاريخ حتى الآن... وبإمكانات نجاح لم يحدث مثلها من قبل "2.

ويعده صرحت غولدا مائير – رئيسة وزراء للكيان اليهودي - بأنه: "ليس هناك من شعب فلسطيني.. وليس الأمر كما لو أننا جئنا لنطردهم من ديارهم، والاستيلاء على بلادهم. إنهم لا وجود لهم"3.

ففي نظرهم وواقعهم أن شعب فلسطين وتاريخه وتراثه ليس فقط غير مرئي بل لا وجود له!!؛ حيث كشفت صحيفة هآرتس اليهودية ضمن تقرير مفصل حول الاعتداءات اليهودية على المساجد والمقابر: "أن اليهود المتدينين حولوا العديد من مقابر المسلمين إلى مزارات لليهود بعد أن كتبوا على جدرانها كتابات باللغة العبرية، والغريب في الأمر أنه منذ حوالي 200 سنة يوجد قبر على مقربة من مدينة يافا يقال إنه لشيخ فلسطيني يدعى الغرباوي، ظهرت قبل فترة وجيزة على جدرانه الداخلية والخارجية كتابات باللغة العبرية تقول: إن هذا هو ضريح لقديس يهودي يدعى "منتياهو ابن يوحنان" الكاهن الذي قاد التمرد اليهودي ضد اليونانيين، وأصبح هذا الضريح مزارا لليهود المتدينين، يقيمون الصلوات عليه، ويضيئون الشموع، ويمسحون كل أثر مسلم عليه".

الكوفية الفلسطينية..

لم تسلم من لصوص

الأرض والتاريخ!!

من الأمثلة الحية على محاولتهم طمس تراث أهل فلسطين وتراثهم حربهم على كل ما يتعلق بالتراث الفلسطيني، حتى وصل إلى الكوفية الفلسطينية ذات اللونين الأبيض والأسود ؛ فلم يعجب الصهاينة أن تلقى الكوفية هذا الانتشار، وأن تصبح خريطة لفلسطين المذبوحة على كل جدار؛ لذا سارعوا بصنع كوفية يهودية أنتجوها وأغرقوا بها الأسواق.. لعلها تنسي رسم الكوفية الأصيلة التي عبرت عن القضية الفلسطينية بكل تعقيداتها، وشكلت خيوطها نسيج الذاكرة، وكأنها الخارطة التي لم يتغير اسمها ورسمها مع كل الأحداث، التي بقيت صامدة أمام كل زيف الدعاية الصهيونية ومحاولة السلب والتزييف.

ومحاولاتهم لا تنتهي لسرقة التراث الفلسطيني، فبعد أن سرقوا  الزي الفلسطيني، والتراث الشعبي والأمثال الفلسطينية التي قالوا إن أصلها يهودي!! ووزعت الأكلات الشعبية الفلسطينية على أنها أكلات شعبية يهودية، بل إن المكسرات والزيتون والتمر الفلسطيني والعربي أصبحت توزع باعتبارها منتجا وطنيا للكيان اليهودي، فهم لا يريدون أن يتركوا لنا شيئا بممارسات واعتداءات لخصها "عاموس إيلون" بقوله: الإسرائيليون أصبحوا غير قادرين على ترديد الحجج البسيطة المصقولة وأنصاف الحقائق المتناسقة التي كان يسوقها الجيل السابق" 4.

ويقول (بني موريس) أحد أبرز المؤرخين اليهود، وهو باحث ومراسل ميداني وصحافي: "نحن الإسرائيليين كنا طيبين، لكننا قمنا بأفعال مشينة وبشعة كبيرة، كنا أبرياء لكننا نشرنا الكثير من الأكاذيب وأنصاف الحقائق التي أقنعنا أنفسنا وأقنعنا العالم بها".

وقد عبَّر الشاعر اليهودي إيلي إيلون عن هذه القضية بقوله: "إن البعث التاريخي للشعب اليهودي، وأي شيء يقيمه الإسرائيليون مهما كان جميلاً، إنما يقوم على ظلم الأمة الأخرى. ولسوف يخرج شباب إسرائيلي ليحار ويموت من أجل شيء قائم أساساً على الظلم، إن هذا الشك، هذا الشك وحده، يشكل أساساً صعباً للحياة" 5.

التزوير طال كل ما هو إسلامي وعربي في

بيت المقدس:

لإثبات زعمهم أنهم أصحاب تاريخ عريق في القدس قاموا بتزوير وتحريف المسميات؛ واستخدموا أسلوب تهويد الأسماء بطرائق عدة، منها ترجمة الاسم إلى العبرية - العبرنة - مثل جبل الزيتون إلى هار هزيتم، وجبل الرادار إلى هار دار شمال غرب القدس وغيرها، وتحريف الاسم العربي ليلائم اسماً عبرياً مثل «كسلا» أصبحت «كسلون» و«الجيب» جبعون، والتحريف يتراوح بين استبدال حرف بآخر إضافة أو حذفا.

من أساليب التحريف والتزييف في المدينة العمل على إزالة آثار القرى العربية واستخدام حجارتها في بناء المغتصبات اليهودية، فبلدية القدس تتجنب البناء بالأسمنت المسلح لكي يخيل للزائر أن هذا السور بني من قبل مئات السنين، ولكي يعملوا على إعادة استخدام هذه الآثار في تركيب تاريخ يهودي مزور. وأطلق الكيان اليهودي العنان للتجار اليهود لممارسة أبشع أشكال التجارة والسرقة غير المشروعة للمعالم الأثرية؛ فلم تبق خربة إلا وعاث فيها اللصوص خراباً وتدميراً.

والاعتداءات اليهودية لم تمس الأحياء وحدهم بل طالت الأموات في قبورهم كمقبرة باب الرحمة "الأسباط"؛ حيث أتت حفريات الجرافات الصهيونية على مئات القبور وتبعثرت عظام الموتى بحجة التطوير والأعمار، وكذلك ما حدث في مقبرة «مأمن الله» العريقة؛ حيث سيطر اليهود على هذه المقبرة وتوقفت عملية دفن الموتى منذ ذلك الحين، وتناقصت مساحتها التي لم يتبق منها سوى 19 دونما بعد أن كانت 136 دونما، وهي تستخدم اليوم مقراً رئيساً لوزارة التجارة والصناعة الصهيونية، وما زالوا يعبثون في قبورها التاريخية التي تضم رفات بعض الصحابة والعلماء المسلمين، وكان آخر الاعتداءات أن أقامت الجامعة العبرية حفلاً موسيقياً صاخباً على أراضي المقبرة، وانتهك في ذلك الحفل كل المحرمات.

وتمارس الدعاية اليهودية أخبث الوسائل لإيصال رسالة واضحة للزائرين من اليهود وغيرهم بأن تاريخ تلك الأرض هو تاريخ اليهود فقط، وتشوه كذلك صورة المسلم والعربي والحط من قيمته، وتحارب اقتصاد القدس والتجارة فيها بشتى الوسائل بقصد ترحيل التجار القسري المنظم.

وأخطر تلك الممارسات ما يقوم به المرشدون السياحيون من دور يتسم بالتزييف والتزوير خلال إرشادهم للسائحين عن القدس، فهي "مدينة داود وسليمان، والعرب احتلوها وبنوا مقدساتهم على أنقاض كنسهم ومقابرهم ومنازلهم"، وكذلك الكتب والكراريس والمجلات السياحية التي توزع وتباع في المكتبات خلال تجوالهم في شرقي القدس، والتي لا تقل خطورة عن القذائف والدبابات وصواريخ الطائرات الحربية!!

هذا ما أرادته المؤسسة اليهودية ليقولوا للعالم مضللين: إن تاريخ الشتات اليهودي موجود في جوانب المسجد الأقصى وتحته.. بتزوير كل ما هو إسلامي وعربي في القدس ؛ لإيجاد تاريخ لليهود على أنقاض الحفريات والتحريف الرخيص على حساب الحضارة الإسلامية.

فلم تبق خربة ولا معلم أثري إلا وعاث فيها لصوص الأرض والتاريخ خراباً وتدميراً، ولم تبق حارة أو زاوية في القدس إلا وتعرضت لهذه الحفريات، وعندما يجدون أي آثار إسلامية – وما أكثرها – فإن مصيرها الإهمال والضياع والتدمير ولا يتم توثيقها.

ومن أساليب بلدية القدس اليهودية الخبيثة في التحريف والتزوير، أنهم قاموا بعد إزالة وطمس آثار القرى العربية، بنقل حجارتها واستخدامها في بناء المغتصبات اليهودية، فهم يتجنبون - كما قلنا - البناء بالأسمنت المسلح لكي يخيل للزائر أن هذا السور وهذا البيت بني من قبل مئات السنين؛ لتركيب تاريخ يهودي مزور!! كما فعلوا في السابق بتحويل حارة المغاربة وحارة الشرف إلى حارة يهودية أسموها الحي اليهودي، وبعض مساجد القدس القديمة التي حولوها إلى كنس، بعد أن غيروا المعالم وأزالوا كل ما يثبت أنه مسجد للمسلمين!!!

ممارسات أكدها موشي دايان سنة 1969 حين خطب في معهد التخنيون في حيفا قائلا لمن عارضه من اليهود على سياساته الاستعمارية: "لقد جئنا إلى هذا البلد الذي كان العرب توطنوا فيه، ونحن نبني دولة يهودية …. لقد أقيمت القرى اليهودية مكان القرى العربية. أنتم لا تعرفون حتى أسماء هذه القرى العربية وأنا لا ألومكم؛ لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة. وليست كتب الجغرافيا هي وحدها التي لم تعد موجودة، بل القرى العربية نفسها زالت أيضا.. وما من موضع بني في هذا البلد إلا وكان أصلا سكانه عربا"6.

وشهادة رئيس دائرة أراضي إسرائيل "يوسف فايتس" تسطر للتاريخ والأجيال حقائق لا بد أن تكون ماثلة أمامنا حين قال وقد اعتراه الهم والحزن مما رآه: "رأينا آثار الحضارة الزراعية الأصلية الجذور، التي خلفها النازحون وراءهم، ولقد تملكني الهم من جراء ذلك، ومن جزاء واقعنا الحالي، فمن أين لنا بطاقات بشرية كافية لمواصلة هذه الحضارة ولمتابعة تعميقها وتوسيعها، ومتى سنقدر على حشر آلاف اليهود إلى هنا لكي يبقى الجليل على ازدهاره وإيناعه"7.

 وعن القرى العربية واستغلال الأرض من قبل المزارعين العرب، يقول المسؤول نفسه في يومياته عن زيارة استهدفت فحص قابلية استيطان اليهود في القرى العربية، التي اضطر أهلها للجلاء عنها عام 1948م: "كانت معظم هذه القرى كبيرة ومشيدة من البيوت الحجرية الجميلة، ومحاطة ببساتين الزيتون والحقول الممتدة الواسعة، وهي تضطجع بين انبساطة السهل وسفح الجبل، أما ما يتربع منها فوق السطح فهو أصغر مساحة وأقل بيوتا؛ وذلك لافتقارها للأراضي الصالحة للزراعة ولانتشار الأرض الصخرية فيها"8.

وهذه شهادات حق من أفواه الصهاينة، حينما وجدوا أن المادة البشرية الفلسطينية ليست بدائية أو متخلفة كما كان الصهاينة يروجون، وإنما هي متقدمة وقادرة على اكتساب المهارات اللازمة للاستمرار في العصر الحديث وتحت ظروف القمع والقهر؛ بشهادة المؤرخ البريطاني أرنولد ج. توينبي في مقدمة كتاب تهويد فلسطين: "من أشد المعالم غرابة في النزاع حول فلسطين أن تنشأ الضرورة للتدليل على حجة العرب ودعواهم" 9.

 

نوايا اليهود الحقيقية

لادعاء هذا التراث:

لليهود في تلك الادعاءات والافتراءات نوايا ومخططات حقيقية حاولوا فيها التخلص من عقدة النقص التي يعانيها سادة اليهود وقادتهم بانعدام أماكنهم المقدسة في القدس، وإيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين وحولها، وادعاء ذلك التاريخ للأجيال اليهودية القادمة، وربط اليهود بأرض فلسطين ومدنها بمزاعم واكتشافات وادعاءات مبتدعة ليس لها أصول في كتبهم ولا تاريخهم ولا تراثهم، وتأمين منافع لليهود بالاستيلاء على المساجد والمقابر والأراضي وتسويغ الوجود اليهودي في القدس وأرض فلسطين؛ وطمس المعالم الإسلامية والتاريخية والحضارية والثقافية والعربية لمدن فلسطين ومدينة القدس على وجه الخصوص.

الهوامش

1 - كتبه تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في عام 1895م.

2 - الدولة اليهودية، تيودور هرتزل، ترجمة محمد يوسف عدس، دار الزهراء للنشر 1414هـ-1994م.

3 تصريح إلى الصنداي تايمز، 15 /6/1969م.

4 - موسوعة اليهود واليهودية – عبد الوهاب المسيري 7/306.

5- موسوعة اليهود واليهودية – عبد الوهاب المسيري 7/306.

6 - أرض أكثر وعرب أقل، نور الدين مصالحة ص 122، نقلا عن صحيفة هآرتس 15 أبريل 1969 م.

7- الاستيطان.. التطبيق العملي للصهيونية – عبد الرحمن أبو عرفة ص15، نقلا عن يوميات "يوسف فايتس" رئيس دائرة أراضي إسرائيل – بتاريخ 18/12/1948.

8 - الاستيطان.. التطبيق العملي للصهيونية – عبد الرحمن أبو عرفة ص15.

9 - تهويد فلسطين، إعداد وتحرير د. إبراهيم أبو لغد وترجمة د. أسعد رزوق، وتقديم أرنولد ج. توينبي - ص 9. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك