رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 1 أغسطس، 2010 0 تعليق

القدس عاصمة الثقافــة.. وأكاذيــب يهــــــــــود- الحلقة الحادية عشرة-

 

 

تفتقت أفهام بعضهم وقالوا: إن فلسطين حقٌ كُتبَ ليهود اليوم لا يجوز منازعتهم في هذا الحق! ولتأكيد ذلك يثيرون الشبهات، ويستدلون – إن لزم الأمر - بآيات من كتاب الله تعالى! وينكرون ما جاء في السنة والأخبار!

وكتب بعضهم: «لا أعلم دليلا من كتاب الله أو سنة نبيه[ يؤكد ضرورة امتلاك العرب القدس، بل على العكس تماما، فالآية رقم 21 من سورة المائدة تؤكد حق بني إسرائيل فيها».

 

يقف المسلم مذهولاً من سوء ما يكتبون ويقولون، فهم من أجل الدفاع عن اليهود ووجودهم في أرض فلسطين، يستدلون بآيات من كتاب الله تعالى، وإن دعت الحاجة بنصوص من التوراة المحرفة، ويستعينون بالتاريخ وبالجغرافيا ما أمكن؟! هؤلاء مع جهلهم بالعلم الشرعي يؤولون الآيات القرآنية والأحداث التاريخية ليقنعوا غيرهم بأننا كيف نمنع اليهود حقاً قد أعطاهم الله إياه؟!

يزعمون: أن قول الله تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} يؤكد الحق الأبدي لليهود في فلسطين والقدس!!

 

بشر النبي [ بفتح

بيت المقدس

ونقول: ألا يعلم هؤلاء أنهم يشككون بتلك الأقوال في صحة فتح بيت المقدس، بل يقررون بطلان فتح المسلمين القدس وكتابة الشروط العُمرية؟! وكأن المسلمين منذ الفتح إلى الآن معتدون على حقوق غيرهم؟!

وهذا تكذيب للنبي محمد[ الذي بشر بفتح بيت المقدس قبل أن يفتح؛ فقد جاء عن عوف بن مالك قال: «أتيت النبي[ في غزوة تبوك وهو في قبة من أَدم، فقال أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتى، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً» رواه البخاري .

وسنذكر ما جاء في تفاسير وكتب أهل العلم عن تفسير الآية الكريمة: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِين}، والتي يستدل بها هؤلاء على أن ليهود اليوم حقا في الأرض المقدسة: 

جاء في تفسير الطبري ( 2/ 134) للآية : حرم الله جل وعز على قائلي ذلك - فيما ذكر لنا- دخولها حتى هلكوا في التيه، وابتلاهم بالتيهان في الأرض أربعين سنة، ثم أهبط ذريتهم الشام، فأسكنهم الأرض المقدسة، وجعل هلاك الجبابرة على أيديهم مع يوشع بن نون بعد وفاة موسى بن عمران .

يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في تفسيره: كان بنو إسرائيل أفضل العالم في زمانهم؛ لقوله تعالى: {وأني فضلتكم على العالمين}؛ لأنهم في ذلك الوقت هم أهل الإيمان؛ ولذلك كُتب لهم النصر على أعدائهم العمالقة، فقيل لهم: {ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} (المائدة: 21) .

 

الأرض المقدسة للصالحين

والأرض المقدسة هي فلسطين؛ وإنما كتب الله أرض فلسطين لبني إسرائيل في عهد موسى؛ لأنهم هم عباد الله الصالحون، والله سبحانه وتعالى يقول: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} (الأنبياء: 105)، وقال موسى لقومه: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} (الأعراف: 128)، ثم قال: {والعاقبة للمتقين} (الأعراف: 128)؛ إذاً المتقون هم الوارثون للأرض؛ لكن بني إسرائيل اليوم لا يستحقون هذه الأرض المقدسة؛ لأنهم ليسوا من عباد الله الصالحين؛ أما في وقت موسى فكانوا أولى بها من أهلها؛ وكانت مكتوبة لهم، وكانوا أحق بها، لكن لما جاء الإسلام الذي بُعث به النبي[ صار أحق الناس بهذه الأرض المسلمين.

وأفرد البخاري في صحيحه بابا أسماه «باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة»، وشرح ابن حجر هذا الباب بقوله: «إن الله لما منع بني إسرائيل من دخول بيت المقدس وتركهم في التيه أربعين سنة إلى أن أفناهم الموت فلم يدخل الأرض المقدسة مع يوشع إلا أولادهم.. ولم يدخلها معه أحد ممن امتنع أولا أن يدخلها، ومات هارون ثم موسى عليهما السلام قبل فتح الأرض المقدسة».

وقال الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة: وقال الله تعالى لموسى عليه السلام: {سأريكم دار الفاسقين} وهي الدار التي كان بها أولئك العمالقة ، ثم صارت بعد هذا دار المؤمنين، وهي الدار التي دل عليها القرآن من الأرض المقدسة ... فأحوال البلاد كأحوال العباد؛ فيكون الرجل تارة مسلما وتارة كافرا ، وتارة مؤمنا وتارة منافقا ، وتارة برا تقيا وتارة فاسقا ، وتارة فاجرا شقيا؛ وهكذا المساكن بحسب سكانها».

وفي إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ج3ص 98 يفسر الآية بالآتي: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} يعني: أرض فلسطين، ليخلِّصوها من الوثنيين لأنها كانت بيد الوثنيِّين، وموسى عليه السلام أُمر بالجهاد لنشر التّوحيد ومحاربة الشرك والكفر بالله وتخليص الأماكن المقدَّسة من قبضة الوثنييِّن، وهذا من أغراض الجهاد في سبيل الله، {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} لأن الله كتب أن المساجد والأراضي المقدَّسة للمؤمنين من الخلق من بني إسرائيل وغيرهم، {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} شرع أن تكون الولاية عليها للمؤمنين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}، فالوِلاية على المساجد خصوصاً المساجد المبارَكة وهي المسجد الحَرام ومسجد الرسول[ والمسجد الأقصى وسائر المساجد للمؤمنين، ولا يجوز أن يكون للكفار والمشركين من الوثنيِّين والقبوريِّين سلطة على مساجد الله سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُون إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.

وفي الفتاوى الكبرى ابن تيمية (6/225): {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون...} الآيات، وقال تعالى لما أنجى موسى وقومه من الغرق: {سأريكم دار الفاسقين} وكانت تلك الديار ديار الفاسقين لما كان يسكنها إذ ذاك الفاسقون، ثم لما سكنها الصالحون صارت دار الصالحين . وهذا أصل يجب أن يعرف؛ فإن البلد قد يحمد أو يذم في بعض الأوقات لحال أهله ثم يتغير حال أهله فيتغير الحكم فيهم؛ إذ المدح والذم والثواب والعقاب إنما يترتب على الإيمان والعمل الصالح أو على ضد ذلك من الكفر والفسوق والعصيان.

وقد نبه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في رسالة له باسم «الإصلاح والتعديل فيما طرأ على اسم اليهود والنصارى من التبديل» وفيها تحقيق بالغ أن «يهود» انفصلوا بكفرهم عن بني إسرائيل زمن بني إسرائيل، كانفصال إبراهيم عن أبيه آزر، والكفر يقطع الموالاة بين المسلمين والكافرين كما في قصة نوح مع ابنه؛ ولهذا فإن الفضائل التي كانت لبني إسرائيل ليس ليهود فيها شيء؛ ولهذا فإن إطلاق اسم بني إسرائيل على يهود يكسبهم فضائل ويحجب عنهم رذائل، فيزول التمييز بين «إسرائيل» وبين يهود المغضوب عليهم، الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة.

وسكن أرض فلسطين «الأرض المقدسة» في الماضي أجيال مؤمنة من بني إسرائيل وأقاموا عليها حكماً إسلامياً مباركاً زمن يوشع عليه السلام وطالوت، وزمن داود وسليمان - عليهما السلام - ولقد كتب الله الأرض المقدسة فلسطين لذلك الجيل المؤمن من بني إسرائيل؛ لإيمانهم وفضلهم على الكافرين الذين كانوا في زمانهم ومكنهم من دخولها على يد يوشع بن نون عليه السلام، ونصرهم على أعدائهم الكافرين، فلما جاءت أجيال جديدة منهم، وخالفت شرط الاستخلاف، ونقضت عهد الله وطغت وبغت، أوقع الله بها لعنته وسخطه ونزع الأرض المقدسة منهم، وكتب عليهم الشتات والضياع في بقاع الأرض كما قال تعالى: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لشديد العقاب وإنه لغفور رحيم وقطعناهم في الأرض أمماً} (الأعراف: 168).

ولا شك أن في قوله تعالى: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة} دليلا على أن القدس وفلسطين مقدسة منذ القِدم، قبل أن يحل بها قوم موسى - عليه السلام - لأن وجود المسجد الأقصى في القدس وفلسطين هو  قبل حلول بني إسرائيل في فلسطين، وقبل أنبياء بني إسرائيل الذين يزعم اليهود وراثتهم.

ودليل آخر من السنة أنه كان من تعظيم موسى عليه السلام للأرض المقدسة أن سأل الله تبارك وتعالى عند الموت أن يدنيه منها؛ فقد روى مسلم في صحيحه مرفوعاً: «فسأل الله تعالى أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر»، قال النووي: «وأما سؤاله – أي موسى - عليه السلام– الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها، وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم».

 

جميع أنبياء بني إسرائيل دينهم إسلام

وجميع الرسل والأنبياء من بُعث منهم إلى بني إسرائيل أو إلى غيرهم من الأمم ، دينهم الإسلام، ورسالتهم هي الإسلام، ودعوتهم التوحيد، وأتباعهم الذين آمنوا بهم هم المسلمون؛ كما قال تعالى على لسان نوح عليه السلام لقومه: {فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين} (يونس: 72).

وقال تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (البقرة: 130-132)، وقال تعالى: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} (المائدة: 111).

فالإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة وإن تنوعت شرائعهم واختلفت مناهجهم؛ فإبراهيم وإسماعيل وإسحاق والأسباط وداود وسليمان وعيسى -عليهم السلام- دينهم جميعاً الإسلام ، والذين قدر الله سبحانه وتعالى أن يتحرر بيت المقدس على أيديهم وسلطانهم وإقامة حكم الله فيه، هم المسلمون ومن هؤلاء: المسلمون بقيادة يوشع بن نون، والمسلمون المجاهدون الذين من بينهم داود -عليه السلام - وجاء بعد داود -عليه السلام - ابنه سليمان -عليه السلام - وعلى عهده كان بيت المقدس عاصمة للدولة الإسلامية وليس عاصمة لليهود كما يزعمون. والمسلمون صحابة رسول الله - رضوان الله عليهم - فعلى أيديهم بدأت معارك التحرير بما في ذلك بيت المقدس، وشاء الله أن يتحرر ويقوم عليه حكم الإسلام على عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - 15 هـ . والمسلمون بقيادة نور الدين محمود بن زنكي، وصلاح الدين الأيوبي وغيرهما من الحكام المسلمين هم الذين قادوا المجاهدين المسلمين حتى تحقق على أيديهم تحرير بيت المقدس بعد 93 عاماً من اغتصابها.

 

من الجهل معاداة أنبياء

بني إسرائيل

وعقيدتنا في أنبياء الله تعالى - من بني إسرائيل أو غيرهم هي الدعوة إلى الإسلام؛ لذا ننكر على الجهلة من الكُتّاب ذمهم وطعنهم في أنبياء بني إسرائيل، واعتبارهم يهودا داخلين في دائرة العداء، ووصفهم بأوصاف لا تليق بأنبياء الله تعالى؛ فمنهم من ذم موسى وهارون - عليهما السلام - ومنهم من حقد بكتاباته على داود - عليه السلام - لأنه قتل جالوت، ووصف فترة حكمه بالفساد، ومنهم من وصف سليمان - عليه السلام - بالملك اليهودي المستبد؛ لأنه استعمر بلاد العرب حتى اليمن، ومنهم من أساء إلى يوشع بن نون فتى موسى -عليه السلام- لأنه دخل فلسطين وقاتل أهلها من العرب!!

فهم – بجهلهم - يكرهون كل من كان من بني إسرائيل ولو كان صالحاً تقياً أو نبياً رسولاً، ويمدحون كل من وقف أمام بني إسرائيل ولو كان كافراً ظالماً، ولا يفرقون بين أنبياء بني إسرائيل ومن آمن معهم وتاريخهم المشرق الذي حكمهم فيه مؤمنوهم وصالحوهم، وقادهم فيه أنبياؤهم، فهذا التاريخ نعتبره تاريخاً إسلامياً مثل تاريخ موسى وهارون، وتاريخ داود وسليمان، وتاريخ زكريا ويحيى، وتاريخ عيسى عليهم الصلاة والسلام، وبين التاريخ الأسود الذي يقوم على الكفر والتكذيب ومحاربة الحق ونقض العهود وقتل الأنبياء وممارسة الظلم والسعي في الفساد ونشر الرذائل والمنكرات، فهذا التاريخ هو التاريخ الحقيقي لليهود، وهذا ما نتبرأ منه وننكره ونحكم عليهم بالكفر والظلم والفسوق والعصيان .

والدفاع عن حقوقنا لا يكون بذم أنبياء الله الذين اصطفاهم من بين الخلق ليحملوا رسالته، ويدعوا إلى توحيده، وإن تقسيم بني إسرائيل وتاريخهم إلى قسمين إنما هو في الكلام على بني إسرائيل السابقين، الذين كانوا قبل رسولنا محمد[؛ فمؤمنهم منا، وكافرهم عدونا، أما بعد بعثة نبي الله محمد[؛ فإنهم مطالبون بتصديقه والإيمان به  واتباعه والدخول في دينه؛ فمن آمن بدعوة الإسلام فهو مؤمن مسلم، أخ لنا وواحد منا كالصحابي الجليل عبد الله بن سلام، ومن  رفض ذلك وأصر على يهوديته فهو كافر، أي إن كل اليهود بعد البعثة كفار، وموقفنا من تاريخهم البراءة والإنكار .

 

لا صلة ليهود اليوم بسلالة بني إسرائيل

وهناك أخطاء في أذهان الكثيرين لا بد أن تصحح؛ فأنبياء بني إسرائيل ليسوا يهودا، ولكن اليهود هم كل من كفر برسالة نبيه، وأن لا صلة ليهود اليوم بسلالة بني إسرائيل - وهذا بإثبات واعتراف اليهود أنفسهم - ولا حق لليهود في القدس ولا غيرها من أرض فلسطين لا من قريب ولا من بعيد، والأرض المقدسة لا تتغير بملك الكافر؛ فتبقى قدسيتها ومكانتها لحين تحريرها من أيدي الأعداء.

واستدل بعض المشككين بالأحاديث التي نصت على أن «الأرض لا تقدس أحداً»، فقالوا: إن إنكار تقديس الأرض للإنسان دليل على أن مسمى الأرض المقدسة كان محل إنكار عند المسلمين الأوائل!!

ودللوا على ذلك بما جاء في مصنف ابن أبي شيبة: «كتب أبو الدرداء إلى سلمان: أما بعد فإني أدعوك إلى الأرض المقدسة وأرض الجهاد؛ فكتب إليه سلمان: أما بعد فإنك قد كتبت إلى تدعوني إلى الأرض المقدسة وأرض الجهاد، ولعمري ما الأرض تقدس أهلها، ولكن المرء يقدسه عمله».

 

فلسطين أرض مقدسة

ولم يدركوا أن الإنكار هنا على من فهم أن الأرض تقدس الإنسان، وفي شريعتنا الغراء الأرض لا تقدس أهلها، وإنما يقدس الإنسان عمله، وهذا مما لا خلاف عليه بين المسلمين، ولا يتعارض مع تسمية بلاد الشام الأرض المقدسة. ومما أجمع عليه علماء الأمة أن فلسطين من الأرض المقدسة، وتواتر هذا اللفظ عند المحدثين والفقهاء، وفي كتب الصحاح والأسانيد، ولم ينكره أحد.

وفي الختام نقول: كيف تكون الأرض المقدسة لمن أعرض عن شرائع الله تعالى وفرائضه ووصاياه؟! وكيف تكون الأرض المقدسة لمن عبد غير الله تعالى، وعبد الآلهة والأوثان؟! وكيف تكون الأرض المقدسة لمن كذب الرسل وقتل الأنبياء وأساء الأدب مع تعالى؟! وكيف تكون تلك الأرض المباركة حقا لمن كفر من بني إسرائيل، وادعى كذباً أنهم أحفاد نبي الله يعقوب، عليه السلام؟!

ونبشر كل من أعطي لليهود الصهاينة الحق في أرض فلسطين - زوراً وبهتاناً – وربط وعد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين الصادقين الموحدين بوعد بلفور الأرض التي لا يملكها ولا يستحقها، بأن هذه الأرض لأهل الإيمان والتقوى طال الزمان أو قصر، فالنصر والتمكين لدين الله قادم لا محالة بنا أو بغيرنا؛ قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} (التوبة: 33).

فالنصر موعود الله سبحانه وتعالى للجباه الساجدة، والقلوب الموحدة، والأيدي المتوضئة؛ قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً فمن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (النور: 55).

وأخبر الرسول[ أن الله سبحانه سيحقق النصر على أيدي المؤمنين أتباع هذا الدين في الأرض المقدسة على أعدائهم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناوأهم وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك