رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 5 أغسطس، 2010 0 تعليق

الفشل في استكمال التعليم ما بعد الثانوية بوابة ذهبية لعالم الجريمة 150 ألف طالب عربي يخفقون سنوياً في الالتحاق بالجامعة

 

 

 

 

تنتظر الأسر حاليًا في جنبات العالم العربي بشيء من القلق ظهور نتائج امتحانات الثانوية العامة أو ما يعادلها في بعض الدول العربية أو ما يطلق عليه التوجيهية في بلدان أخرى؛ سعيًا لجلاء مصير أبنائهم الذين امضوا سنوات طويلة وبذلوا جهودًا مضنية من أجل تحقيق مجاميع مرتفعة تؤهلهم للالتحاق بالجامعة وبإحدى كليات القمة، وتنجح أعداد كبيرة من ملايين الطلاب في المنطقة في اجتياز هذا الاختبار الصعب سواء بالتفوق أم في الالتحاق بالمرحلة الجامعية، وكثير منهم من يضلون الطريق ويفشلون في تأمين المجموع القادر على إلحاقهم بالتعليم الجامعي.

 

 

وهنا تكمن المشكلة فأكثر من 13% من الناجحين في الثانوية - بحسب تقارير عربية وأرقام صادرة عن مجلس وزراء التعليم العرب - لا يستطيعون الالتحاق بالجامعة أو للمعاهد والكليات رغم اجتيازهم امتحان الثانوية العامة.

 

وتكمن مشكلة هؤلاء في أن شهادة الثانوية العامة في العالم العربي لا تعد مرحلة منتهية كالدبلومات الفنية بمعنى أنها لا تمنح للحاصل عليها دون الالتحاق بالجامعة أي فرصة في الالتحاق بسوق العمل لافتقاد خريجيها للإمكانات والقدرات الفنية اللازمة لذلك، بل إنها تشكل رافدًا خلفيًا للانضمام لسوق البطالة في العالم العربي والذي يهدد أكثر من 25% من جملة الأيدي العاملة العربية؛ بحسب أحدث تقرير لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، ومنظمة العمل العربية، مما يخلق أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية للعديد من الدول العربية للحاصلين على هذه الشهادة وغير القادرين على الالتحاق بالجامعات والمعاهد العليا الذين يتحولون لقنابل موقوتة تهدد المجتمعات العربية.

والمتتبع لأرقام طلاب مرحلة الثانوية العامة في المنطقة العربية يقدر أعداد طلابها ثانويًا بما يقرب من مليونين لا يستطيع ما يقرب من 150 ألف منهم الانضمام للجامعة، وبالتالي تنسد أمامهم فرص الالتحاق بالعمل، ويشكلون عامل اضطراب في المجتمع الذي لفظهم ورفض البحث عن أية فرص لإلحاقهم بالجامعة أو المعاهد والكليات في ظل إلغاء معظم الدول العربية للتحسين وإعطاء فرصة ثانية لأبنائه الطلاب لتحسين مجموعه والتمكن من الالتحاق بالجامعة، فضلاً عن افتقاد الدول العربية لمؤسسات التدريب التحويلي القادرة على تأهيل هؤلاء للالتحاق بسوق العمل؛ مما يفتح الباب أمام مشكلات اجتماعية واقتصادية لا حصر لها.

 

دلائل خطيرة

 

وكانت دراسة خطيرة قد صدرت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي عن المركز القومي للدراسات الاجتماعية والجنائية في مصر قد أكدت أن 90% من الشباب الذين رفعوا السلاح في وجه الحكومة - في إشارة منه إلى المواجهات بين الفئات الضالة - أغلبهم أناس فشلوا في الالتحاق بالجامعة أو استنفدوا مرات الرسوب في الشهادة الثانوية، أو ممن أخفقوا في استكمال دراساتهم الاجتماعية مما أجبرهم على الوقوع أسرى لأفكار دينية دخيلة تشير لاستخدام العنف لتغيير الأوضاع.

 

شبكات عنف

 

وأكدت الدراسة أن مصير هؤلاء كان مظلمًا، فقد قتل المئات منهم وصدرت أحكام بالإعدام ضد العشرات، فيما ضمت جوانب السجون عشرات الآلاف منهم، وهرب المئات منهم لأفغانستان وانضموا لتنظيمات تتبنى العنف ذات طابع عالمي؛ مشددة على ضرورة إدخال تعديلات على النظام التعليمي والجامعي تسمح لهؤلاء باستكمال دراساتهم الجامعية لمن استنفدوا مرات الرسوب وفتح الأبواب وإعادة قيدهم في المرحلة الثانوية للحصول على الشهادة المؤهلة للالتحاق بالجامعة، فضلاً عن إتاحة الفرصة لمن يفشلون في الحصول على الشهادة الثانوية لتعديل مساره والانضمام للتعليم الفني المشروع.

ولم تكتف الدراسة بالتركيز على من تورطوا في رفع السلاح ضد الدولة لدوافع يظنون أنها إسلامية، بل أكدت أن الفشل في الحصول على الثانوية العامة أو استكمال الدراسة الجامعية يفتح الباب على مصراعيه أمام تورط هؤلاء في ممارسة الجريمة بأنواعها المختلفة بدءا من السرقة والسلب والنهب وصولاً لجرائم المخدرات والدعارة وغيرها، وقد يصل الأمر للتآمر على بلدهم الذي أفقدهم الانتماء والولاء وحولهم إلى ناقمين على الأوضاع التي أوصلتهم إلى قاع المجتمع.

بل إن العديد من قضايا التجسس التي حققت فيها جهات أمنية في مصر وكان أبرزها قضية المدعو "ش. هـ" الذي استطاع جهاز الموساد «الإسرائيلي» تجنيده في أحد بلدان جنوب أوروبا قد فشل في الحصول على الشهادة الثانوية والالتحاق بسوق العمل، ففضل اللجوء إلى الباب الأسهل لارتكاب الجريمة والتجسس لصالح الأعداء، وهو السيناريو الذي تكرر في بعض البلدان العربية وغيرهما؛ حيث نجحت «إسرائيل» في استغلال حالة النقمة على المجتمعات لتجنيد عملاء لها ممن لم يكملوا دراساتهم الجامعية وفشلوا في الالتحاق بالجامعة.

وقد نشرت العديد من وسائل الإعلام العربية خلال الأعوام الماضية أخبارا عن تورط هؤلاء الطلاب الفاشلين وأرباب أسواق البطالة في الاعتداء على آبائهم بالضرب والإيذاء لدرجة أن أحد البلدان شهد شروع عشرات من الشباب في إيذاء آبائهم لرفضهم تزويدهم بأموال لشراء المخدرات لدرجة أن أحدهم أطلق على والده الرصاص لرفضه مده بأموال لإنفاقها على ملذاته المحرمة، وآخر ألقى بوالدته من شرفة المنزل لرفضها توفير أموال لجلسات غير أخلاقية له ولقرناء السوء، ويضاف إلى ذلك أن أغلب من يقومون برفع دعوات حجر على آبائهم من عينة الفاشلين في الحصول على شهادة عليا؛ فهم يدبجون المؤامرات ضد آبائهم لوضع أيديهم على أموالهم للإنفاق على ملذاتهم غير الشرعية والشروع في عالم النساء والإباحية والجريمة.

 

جرائم وفشل

 

ولا يقتصر الأمر على مصر فقط، فأضابير مركز الدراسات والبحوث العربية بالقاهرة تحتوي على رسائل دكتوراه وماجستير ودراسات لباحثين من اليمن والسودان والجزائر وسورية وليبيا تتضمن تورط من فشلوا في الحصول على الثانوية العامة واستكمال دراساتهم الجامعية في ارتكاب جرائم، وإن كانت الدراسات قد أجمعت على أن الفشل في الوصول إلى لمرحلة الجامعية وعدم النجاح في الانخراط في سوق العمل يشكل أكبر مصدر لتكوين شبكات الجريمة المنظمة، وهو أمر أكدته تقارير وأرقام أجهزة الأمن العام في البلدان العربية، فمثلاً لدى اكتشاف السلطات الجزائرية لإحدى شبكات غسيل الأموال في الجزائر منذ ما يقرب من عام لوحظ انخراط طلاب من الحاصلين على شهادة البكالوريا دون أن يستطيعوا الالتحاق بالجامعة لأسباب مالية واجتماعية، وهو ما تكرر في المغرب حينما فككت الأجهزة الأمنية إحدى الشبكات الخاصة بتصدير فتيات للعمل في إحدى الشبكات المنافية للآداب في ليبيا وبعض البلدان العربية وانخراط طالبات فاشلات وقاصرات ممن لم يتجاوزن مرحلة البكالوريا، وهي ظواهر تتكرر في العديد من البلدان العربية.

 

حراك اجتماعي

 

ويلاحظ بعد هذا الاستعراض لهذه الظواهر أن الفشل الدراسي والعجز عن توفير فرصة عمل قد تصاعد خطره على الأمن القومي والاجتماعي في العالم العربي تصاعداً  كبيراً، ولاسيما أن الشريحة المقصودة هنا تنضم بسرعة إلى عالم الجريمة والاتجار وتعاطي المخدرات، وذلك للتنفيس بحسب وجهة نظرهم عن الكبت الاجتماعي والإخفاق الاقتصادي اللذين عانوا منهما جراء حرمانهم من استكمال والحصول على فرصة عمل تؤهلهم لتحقيق نوع من الحراك والصعود الاجتماعي والاستمرار في إطار المعاناة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.. فالتعليم بقي إلى وقت طويل العامل الوحيد لإحداث نوع من الارتقاء الاجتماعي ولاسيما إذا كانت الخلفيات متدنية اجتماعيًا، فإذا لم يتم هذا الارتقاء عبر هذا السبيل، فإن هناك أبوابًا غير شرعية وخلفية لتحقيق هذا مهما كانت عواقبها القانونية.

ومن البديهي في هذا المقام الإشارة لخطورة استمرار الأوضاع الحالية في بلدان العالم العربي، فتحول ما يقرب من 13% من الطلاب العرب سنويًا إلى قنابل موقوتة أمر ينذر بعواقب وخيمة ويشكل رافدًا مهمًا للجريمة مما يجعل البحث عن حل لهذه المشكلة أمرا شديد الأهمية ويجب تحقيقه بصورة عاجلة، لاسيما أن العالم العربي حاليًا يواجه بنسب متفاوتة تداعيات أزمة اقتصادية وركودًا كبيرا لدرجة أن مخرجات العملية التعليمية من التعليم الجامعي قد لا تتمكن من الحصول على وظائف أو أعمال قد توفر الفرص لمافيا الجريمة والتجسس للحصول بشكل ميسور على مصادر وكوادر راغبة في بيع أوطانها لمن يدفع أكثر، ولاسيما أن حكوماتهم تجاهلت مأساتهم واكتفت بالبحث عن وسائل لتأمين الاستمرار على الكراسي الوثيرة دون البحث عن حلول عاجلة تبطل مفعول هذه القنابل الموقوتة وتحقق نوعًا من الأمن الاجتماعي والاقتصادي.

 

مستنقع للجريمة

 

وإذا كنا قد حذرنا من خطورة وجود طابور خامس يعبث بأمن واستقرار الدول العربية فإن البحث عن حلول عاجلة للأزمة يحتاج لتضافر جميع المؤسسات العربية لتطويق هذه الظواهر السلبية، وهو ما يطالب به بشدة الدكتور صلاح عبد المتعال أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر؛ حيث يرى أن استمرار الأوضاع الحالية وتنامي جيوش البطالة وعجز مخرجات التعليم عن توفير قدرات تؤهل الخريجين للالتحاق بسوق العمل، كل ذلك يجعل تحول العالم العربي كمستنقع للجريمة أمرا شديد السهولة، ويجعله هدفًا لأجهزة الاستخبارات الدولية للبحث عن عملاء وخونة بين جنباته.

ولفت د. عبد المتعال إلى التداعيات الاجتماعية الخطيرة لمثل هذه الظواهر على المجتمعات الإسلامية بشكل يضع هذه المجتمعات على فوهة بركان ويؤسس لانتشار سلوكيات مذمومة في المجتمع وفي منظومتها الاجتماعية والعقدية ويسهل على أعدائها اختراقها وإخضاعها والسيطرة على مقدراتها عبر الطابور الخامس المنتشر بفعل الفشل والاضطراب الاجتماعي الذي يلف مجتمعاتنا.

وطالب عبد المتعال بتضافر المؤسسات السياسية والاقتصادية والتعليمية العربية للبحث عن حلول جذرية للأزمة والتوسع فيما يطلق عليه التدريب التحويلي لمخرجات التعليم وتطوير شهادة الثانوية العامة لتكون مرحلة منتهية ومؤهلة للالتحاق بالوظائف، بدلاً من ترك الباب مفتوحًا أمام انضمام مئات الآلاف من الشباب العربي لسوق الجريمة والإدمان والجاسوسية، وتحطيم طموحاتهم وازدياد أمراضهم ومشاكلهم بين الأسر.

 

ثورة تعليمية

 

ويتفق مع الرؤية السابقة د. أحمد إسماعيل حجاج الخبير التربوي وأستاذ أصول التربية بالإشارة إلى أن وضعية التعليم في العالم العربي حاليًا لا توفر حلولاً لمثل هذه المشكلات المعقدة، لافتًا إلى حاجة المؤسسات التعليمية لتطوير شامل يعطيها طابعًا ديناميكيًا ويربطها بسوق العمل ويحدد تخصصات تنسجم مع البيئة المحيطة بهذه المؤسسات.

ولفت د. حجاج إلى أن سيطرة الطابع النظري على مؤسسات التعليم الثانوي المؤهل للجامعة تخلق أزمة شديدة للحاصلين على شهادته العاجزين عن استكمال دراساتهم الجامعية وتحمّل ميزانيات التعليم المرهقة أصلاً أعباء كبيرة، ولاسيما أن خريجيه ينضمون لطابور البطالة ولا يشكلون أي قيمة مضافة للمجتمع علاوة على الأمراض الاجتماعية التي ينشرونها.

وعد الخبير التربوي هذه المشكلة بأنها ليست مشكلة اجتماعية واقتصادية بحتة بل إنها أمنية بامتياز وتهدد استقرار دولنا، والتصدي لها يتطلب ميزانيات ضخمة لتطوير التعليم وتطبيق أسلوب المدرسة المتكاملة التي تدمج بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي والربط بين هذه المدارس ووحدات الإنتاج في المصانع الكبرى عبر توقيع بروتوكولات تصب في صالح الطرفين والتوسع في تطبيق بدل البطالة للعاطلين، لافتًا إلى أن سيطرة الطابع النظري على مدراسنا وفشل النظام التعليمي في إخراج كوادر قادرة على الانضمام لسوق العمل ينذران بكارثة سياسية واقتصادية وأمنية. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك