رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عارف الصبري 16 أغسطس، 2010 0 تعليق

الفساد المالي والإداري وأثره على الوحدة اليمنية

 

 

مما لا شك فيه أن المسلمين أحوج من غيرهم إلى الوحدة وجمع الكلمة وتوحيد الصفوف؛ لأنها فريضة شرعية لا يجوز لهم بحال تركها، ولضعفهم وتمزقهم الذي أغرى بهم كل عدو وجرّأ عليهم كل ضعيف؛ مما أفضى إلى احتلال أراضيهم ونهب ثرواتهم وانتهاك أعراضهم وحرماتهم وسيادتهم وسفك دمائهم.

وفي هذا السياق فإن الوحدة اليمنية نعمة عظيمة من نعم الله علينا، توجب علينا شكر الله تعالى على هذه النعمة وتوثيقها واعتبارها نواة ومنطلقا لوحدة جميع العرب والمسلمين.

 

توصيف الوضع في اليمن:

1- يشهد اليمن في هذه الأيام حراكا في محافظاته الجنوبية ضد النظام الحاكم بحجة فساد النظام واستبداده واستئثاره بالسلطة، وإقصاء شركائه في الوحدة، وقيام بعض المتنفذين في السلطة بنهب الأراضي والممتلكات العامة والخاصة في المحافظات الجنوبية، ولعجز النظام عن حل هذه المشكلة، تطورت الأوضاع إلى حصول تجاوزات خطيرة وكبيرة تمثلت في المطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الوحدة، وصاحب ذلك إشاعة ثقافة الحقد والكراهية بين أبناء البلد الواحد، وتصوير الأوضاع بأنها احتلال شمال البلد لجنوبه، ورافق ذلك مجموعة من الممارسات الخاطئة من الجانبين أدت إلى إخافة السبيل وتوسيع الهوة بين الإخوة من شأنها أن تهدد اليمن كله في وحدته وأمنه واستقراره.

2- الفتنة في محافظة صعدة في أقصى شمال اليمن؛ حيث خرج مجموعة من منتسبي الحزب الحاكم على الدولة بالسلاح، منظمين أنفسهم في تنظيم أطلقوا عليه اسم: «الشباب المؤمن» وبأفكار اثنى عشرية إمامية - كما تشهد بذلك أدبياتهم - ودارت بين هذا التنظيم وبين الدولة خمس حروب شرسة خرج فيها هذا التنظيم منتصرا، وتوقفت الحرب في ظروف غامضة بعد أن فرض التنظيم على الدولة شروطه وأصبح يسيطر فعليا على أغلب محافظة صعدة، وخرج الجيش ذليلا مهزوما وقد كسرت هيبته، كما كسرت شوكة وهيبة العلماء والمشايخ والمواطنين من أبناء المحافظة الواقفين ضد هذا التيار؛ مما اضطرهم إلى الفرار خارج المحافظة بعد أن تخلت عنهم الدولة وخلت بينهم وبين هذا التنظيم.

3- الوضع الداخلي بشكل عام: يعاني البلد من نظام ضعيف مستبد أوصل البلاد إلى أوضاع يصعب تجاوزها ويمثل عبئا على الحل وجزءا من المشكلة، وأحزاب أخرى معارضة للحاكم أو موالية تمثل في أغلبها جزءا من المشكلة متناحرة ومختلفة تعددت ولاءاتها وتباينت رؤاها فمزقت الجيل وشتت الهوية، أنشئت ظاهرا على الثوابت الشرعية وترك الحق لمن شاء منها أن يقوم في الواقع على مخالفة هذه الثوابت،؛ فتتمرس الحاكم بمقابل المعارض والمعارض بمقابل الحاكم، وقامت العلاقة في الواقع على التناحر لا التكامل.

وفي ظل ذلك استبد النظام بالحكم وعين الموظفين على أساس الولاء وأهمل الكفاءة والأمانة وغض الطرف عن ممارسات موالية، وتعقب معارضيه بالإقصاء والإلغاء والتهميش وتربص به المعارض ليظهر عواره؛ فحصل الفساد وعم البلاء، وكثر الفساد وصار أصلا لسوء الفساد المالي والإداري الذي أرهق الناس وأضر بخزينة الدولة، وارتفعت معدلات البطالة ونسبة الفقر ورفع الدعم عن المواد الأساسية ليذهب إلى جيوب الفاسدين من المتنفذين، وقُضي على الطبقة المتوسطة وازدادت الهوة بين الفقراء والأغنياء.

 

جذور

الفساد المالي والإداري:

لقد أصبح الفساد المالي والإداري في اليمن من المعلوم لدى جميع اليمنيين بالضرورة ومما لا يعذر فيه أحد بالجهل ومما لا يحتاج إلى دليل؛ فأغناني ذلك عن بيانه وذكره لأعدل إلى الحديث عن جذوره.

إن الفساد في اليمن فساد ذاتي لا عرضي، ناشئ عن النظام الذي يحتكم إليه جميع الأطراف؛ مما يجعل الحل مستحيلا ما لم يتم تغيير هذا النظام ذاته.

فالمشكلة في النظام الديموقراطي الذي يجعل الولايات حقا لكل أحد على أساس المواطنة فقط لا يشترط بالفعل في الولايات المختلفة سوى المواطنة، ولا يفرق في هذا النظام بين مسيلمة الكذاب وبين عمر بن الخطاب؛ فاختلت شروط التعيين، وأصبح وصول المفسدين والمغنين إلى الولايات مستساغا ما دام قد صوّت له الأغلبية، مع أن الولايات في المنظور الشرعي تصرّف في حق الغير، والتصرف في حق الغير منوط بالمصلحة إجماعا، وبالتالي فيجب أن تحصر المفاضلة بين الأَكْفاء الأمناء؛ لأنه لا يجوز أن يولى إلا الكفء الأمين، والكفاءة في كل ولاية بحسبها، ولا أريد الوقوف طويلا عند هذه القضية، وبرهانها موافقة المعارضة للسلطة في تصور الحل فيما نحن بصدده.

ففي الوقت الذي ينادي فيه الحراك والمعارضة بإزالة المفسدين فقد تصوروا الحل بنفس منطق السلطة، فطالبوا بالتقاسم والشراكة والمحاصّصة وإعادة الشركاء بغض النظر عن أهليتهم وصلاحيتهم، فهل الحل في عودة البيض والعطاس وعلي ناصر وغيرهم وقد جربناهم مع من هم في النظام مجتمعين ومنفردين وثبت فشلهم وفسادهم؟! حيث اجتمعوا في نظام ما بعد الوحدة وتفردوا؛ حيث قاد كل طرف البلاد قبل الوحدة بمفرده وكانت الأوضاع في الحضيض، أليس هذا منطق تعزيز الفساد بالفاسدين؟!

وإن التحزب المكفول للجميع بدون ضوابط الشرع أفرز صراعا وتناحرا وكيدا بين الأطراف المتصارعة؛ فمزق الوحدة الداخلية وشتت الولاءات وأجج الصراع مما أفضى أن يعمد كل طرف إلى إقصاء الآخر وإلغائه وتهميشه وتشويهه، والتقريب والتعيين على أساس الولاء الحزبي والشخصي، لا على أساس الأهلية، وبالتالي تدثر المفسدون بولائهم للسلطة ليمارسوا فسادهم بإمكانات الدولة وفي ظل حماية السلطة.

أثر الفساد المالي والإداري

على الوحدة:

لقد صار الفساد المالي والإداري حجة أصحاب الحراك والعامل الأكبر في توحيد صفهم وتجاوز خلافاتهم واجتماعهم على معاداة السلطة، والمطالبة بالانفصال وتشويه الوحدة بربطها بالفساد والمفسدين.

ومن آثار هذا الفساد على الوحدة ما يلي:

1- لقد أظهر المفسدون السلطة في صورة بشعة بمجموعة من الممارسات التي قاموا بها من الظلم والنهب، وتدمير القيم وسوء الإدارة الذي أفضى إلى إفقار الشعب وارتفاع معدلات البطالة؛ فارتبطت الوحدة في أذهان الناس بهؤلاء المفسدين الذي جلبوا على الناس الويل والدمار، فصدّ المفسدون بفسادهم عن الإخاء والتلاحم ولم يتركوا لأحد مجالا ليدافع عن الوحدة، حتى صار الدفاع عن الوحدة في أذهان الناس دفاعا عن الفساد.

2- الفساد المالي والإداري دمّر المؤسسات في البلد، وعطلها عن القيام بواجبها، بل صارت في أذهان الناس عائقا أمام الوحدة والتقدم واعتبرها الناس عبئا ونسقا يجب تجاوزه؛ لأنها في نظرهم أداة في يد الحاكم يسخرها لأهوائه ونزواته؛ فصارت بممارساتها عائقا أمام الوحدة ولا تقل خطرا على الوحدة من دعاة الانفصال إن لم تكن أخطر باعتبارها سببا أدت إلى المطالبة بالانفصال.

3- إن الفساد الذي أضعف مؤسسات الدولة، جعلها صورية وضعيفة وهزيلة مرتهنة للسلطة؛ مما أفقد ثقة الناس بها فلجأوا للحصول على الحقوق ودفع الظلم عنهم إلى الأعمال التخريبية وأعمال العنف وإخافة السبيل، واللجوء إلى القوة والاقتتال، والتمرد.

4- الفساد المالي والإداري أفضى إلى ظلم الناس وإفقارهم؛ فأضعف ولاءهم للنظام، مما جعل الناس يثورون على النظام وبالتالي على الوحدة؛ لأن الإنسان لا يدافع عمن ظلمه ولا عمن أفقره وجوّعه.

5- الفساد المالي والإداري، من الأسباب التي أدت إلى الارتهان للأجنبي الذي تدخل بدوره في رسم سياسات البلد، وتدخل في شؤوننا الداخلية وانتهك سيادتننا واستقلالنا وفرض علينا قيمه الغربية الليبرالية، لا سيما ما يتعلق بالمرأة، وجعلها التزامات وقعت عليها السلطة والمعارضة وقدّم المساعدات والقروض المشروطة بتحقيق أهدافه ورؤاه، وفرض قيمه علينا فقامت القوى الخارجية بهدم معاقل القوة والممانعة في هذا البلد وإيجاد محاضن وقوى جديدة لصالح قيمها وأهدافها؛ مما أدى إلى إضعاف الجيل والقضاء على الهوية الإسلامية، وجعل القيم الليبرالية هي المعيار في البناء والتنشئة والحل.

6- أدى الفساد المالي والإداري إلى تعيين مجموعة من المفسدين الذين يعبثون بالقيم ويشجعون المنكرات، حتى انتشر الفساد، وكثرت محاضنه بوصفها أماكن «المساج» الصيني والمطاعم المختلطة، وفنادق الدعارة والقنوات المشفرة، وتجارة المخدرات، وتهريب الأطفال.. إلخ، التي تمثل سببا رئيسا لنزول البلايا والرزايا وحلول النقم واستدعاء مقت الله وغضبه وعقوبته العامة؛ كما قال سبحانه: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} (الشورى: 30)، وقال سبحانه: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب} (الأنفال: 25).

والغريب أننا -ونحن في هذه الأزمة وفي هذه المحنة- لا نزال نحارب الله تعالى بكثير من المنكرات منها: الرياضة النسوية، وإرادة إنزال قانون للمساجد يعطل دورها في البناء والتربية، متناسين قوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الرعد: 11).

مقترحات الحل:

إن من المعلوم أن البلايا والرزايا والفتن جالبة للنقم ودافعة للنعم؛ قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} (الشورى: 30)، وفي الحديث الشريف لما سئل رسول الله [: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث» متفق عليه.

ولا ينجي من عذاب الله ونقمته ولا يرفع البلاء إلا بالإيمان الصادق والتوبة النصوح؛ لقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الرعد: 11)، ولقوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام: 82).

وبناء على ذلك فإني أدعو إلى ما يلي:

أولا: التمسك بكتاب الله وسنة رسوله [ والاعتصام بحبل الله جميعا، وتحقيق ذلك بما يلي:

1- تربية الأجيال تربية إيمانية بتضمين المناهج التربوية في كل المستويات ما لا يسع المسلم جهله في العبادات والمعاملات والعقيدة والأخلاق، ضمانا لتوحيد هوية الجيل وتنشئته التنشئة الصالحة لضمان ولائه لله ولرسوله [ ولبلده ومجتمعه المسلم.

2- تشجيع التعليم الديني وفتح المعاهد والجامعات الشرعية المتخصصة وتوسيع نطاق مدارس تحفيظ القرآن الكريم ودعمها وتشجيعها.

3- تشجيع الجميع على القيام بواجبهم الشرعي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط والآداب الشرعية.

4- قيام العلماء بواجبهم في الدعوة والبيان الشرعي في كل القضايا وبيان حكم الله عند النوازل، وألا يخافوا في الله لومة لائم، وتشكيل أنفسهم في جمعية مستقلة بعيدة عن سلطة وهيمنة الدولة أو الأحزاب أو الجماعات أو غير ذلك باعتبارهم علماء أمة.

5- إصلاح وسائل الإعلام وفرض رقابة على برامجها لتتوافق مع الشرع الإسلامي، وفرض الحظر على ما يخالف ديننا وقيمنا الحميدة.

6- الحفاظ على المساجد لتقوم بدورها في الدعوة إلى الله والتدريس وتحفيظ القرآن الكريم والخطابة بعيدا عن التحيز لسلطة أو جهة منحرفة أيا كانت.

ثانيا: تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في مختلف المجالات وإزالة جميع المنكرات ولا سيما ما يتعلق بالمرأة.

ثالثا: إصلاح القضاء والحفاظ على استقلاله، وإحالة جميع المفسدين إلى المحاكم، ومعاقبة كل من ثبتت خيانته وإخلاله بواجبات وظيفته، وتضمينه ما أفسد.

رابعا: إحالة جميع السجناء خارج إطار القانون إلى النيابات والمحاكم وضمان محاكمتهم محاكمة عادلة.

خامسا: منع السفارات والجمعيات الأجنبية والمنظمات المرتبطة بها من التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.

سادسا: عقد مؤتمر موسع لجميع أهل الحل والعقد من مختلف القوى والشرائح في البلاد بدون وصاية أو توجيه مسبق من أي جهة.

سابعا: حصر التعيين أو الترشيح لأي ولاية في الصالحين لها من الأَكْفاء الأمناء وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

ثامنا: العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير فرص عمل تستوعب جميع الأيادي العاملة.

تاسعا: إلغاء جميع التعاملات الربوية بما فيها أذون الخزانة والقروض بفائدة، والانسحاب من الاتفاقات الدولية التي فيها مخالفة للإسلام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك