رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 7 أغسطس، 2010 0 تعليق

«الفرقان» ترصد الظاهرة وتطرح علاجها فضائياتنا تمجد نجوم الطرب وتتجاهل العلماء والدعاة الأسرة – المسجد – المدرسة – الدولة بمؤسساتها التعليمية والإعلامية من أهم سبل العلاج

 

 

ظاهرة أخذت تستشري في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بشكل باطّراد، وهي تمجيد أهل الغناء والتمثيل والرقص، والتهافت على حضور حفلاتهم وتشجيعهم من قبل الشباب والفتيات تشجيعاً هيستيرياً، لدرجة أن أحد الشباب في

حفلات هؤلاء المغنين ينادي عليه بكل قوته وطاقته: "أنا أحبك"، ولا أفهم ما سر هذا الحب أو فائدته؟!

لقد أصبحوا قدوة ومُثلا عليا لدى الشباب بدلا من أن يبحث الشاب أو الفتاة عن علماء عصرهم ودعاتهم ليكونوا قدوة لهم ونبراساً، ولكن انقلبت الأوضاع في وقت تم فيه تجاهل العلماء والدعاة الذين لم يسلموا من النقد والأذية، وتساءلنا في دهشة وحيرة: ما الذي يجعل شاباً ينهمر حبا في مثل هذا المغني وهذه الفتاة التي تهب نفسها لهذا الممثل أو ذاك المغني؟! ناهيك عن حالات التحرش التي تحدث في هذه الحفلات والحوادث التي وقعت منذ فترة ليست بالبعيدة.

 كنا نتوقع أن الامر لا يتعدى كونه ظاهرة ربما تأخذ وقتها وتمضي، ولكن بمجرد أن طرحنا السؤال على عدد من العلماء في مجالات متنوعة فوجئنا بأن الأمر ليس هيناً، وأن الموضوع جد خطير، وله أبعاد وعوامل متعددة ومتشابكة؛ مما

يجعلها بحق قضية مجتمعية كبيرة تستحق الوقوف عندها؛ لأنها جرت معها قضايا أخرى تتعلق

بالشباب ومستقبله ومستقبل أمته.

 

"الفرقان" ترصد الظاهرة وطرق علاجها في هذا التحقيق:

 

 

 

 

 

في البداية يتحدث أ. د. الأحمدي أبو النور، وزير الأوقاف المصري الأسبق فيقول: الشباب مسؤول عن كل ما يراه ويسمعه وعن سلوكياته الصادرة عنه، كما أنه ليس حراً فيما يسمع أو يرى ما دام لا يحقق منه فائدة تعود عليه وعلى مجتمعه سواء فكرياً أم ثقافياً أم دينياً.

لقد أقسم الله بالضحى والليل والعصر، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة أن نعي الوقت وندرك أهميته واستثماره بأن نستغله فيما يفيد أمتنا ومجتمعنا.

 وينبه أبو النور إلى ضرورة أن يدرك الشباب أهمية الوقت وضرورة استثماره في العاجل والآجل؛ فكل دقيقة تمر هو مسؤول عنها بين يدي الله، كذلك كل نشاط فكري أو عقلي يُسأل عنه أمام الله؛ فعلينا أن نستثمر وقتنا فيما ينفعنا غداً.

ولو أن شبابنا وعى أمر المسؤولية سواء أمام الدولة أم الأسرة أم المجتمع لاستثمر وقته في العلم، ولأضاف إضافة علمية تصنع الجديد سواء في الطب أم في  الهندسة أم الكيمياء وغيرها؛ فأسلافنا الأوائل نجحوا وأثروا الحضارة؛ لأنهم كانوا يستثمرون أوقاتهم، أما أن نأتي اليوم لنقضي أوقاتنا فيما يضر فهذا هو السفه بعينه... إن شبابنا العالم يبتكر ويخترع، وشباب أمتنا للأسف ما زال بعيدا عن أمور العلم وتطبيقاته وما ينفع الأمة.

 

ويقول أ. د. محمد المختار المهدي، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر وإمام أهل السنة بمصر: منذ وفد الاستعمار إلى البلاد الإسلامية بدأ يخطط لتكوين مُثُل وقادة غير العلماء والحكماء والنابغين؛ ليقضي على ما بقي من قيم تدفعهم للنهوض والبطولة، فبدأت عملية التمجيد لكل من يخرج على هذه القيم أو من يطعن في الإسلام، وذلك منذ أحمد لطفي السيد حين بدأ يطعن في اللغة العربية ويدعو للعامية، وطه حسين الذي بدأ في ترجمة الكتب الاستشراقية والدعوة ليكون العلم التجريبي فوق العلم الغيبي.

 وبعد ذلك صار القدوة والمثل من أهل الرقص والتمثيل أو أهل الكرة، وكما يقال: إن الأموال تهبط إما على هز البطن أو هز الرجل!! فهذه مسألة مخطط لها منذ زمن بعيد؛ لصرف شبابنا عن هويته وعن دينه حتى يستطيعوا أن يسلبوا منه دينه وهو لا يقاوم، فعمليات الغزو الثقافي للشباب عن طريق وسائل الإعلام المختلفة تصب في هذا الأمر، وهذا من فصول الهجمة على الإسلام؛ فكثير من الناس محمولون على الإسلام وقليل من يحمل همّ الإسلام.

 

ثقافة «الساندويتش»

وإعلامياً يتحدث أ.د/ عبدالصبور فاضل، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة الأزهر قائلاً: من المعروف أن الإعلام يزداد تركيزه على المواد التي تميل إليها طبيعة النفس البشرية، وأكثر هذه المواد ما يعرف عنها أنها مواد الإمتاع والتسلية والهروب بعيداً عن مشكلات الحياة في ظل الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية، وإن كنا نرى أن مواد التسلية والإمتاع لا شيء فيها ما دامت في إطار ما يقره الشرع ويحض عليه؛ فقد حرص الإسلام نفسه على مراعاة النفس البشرية والترويح عنها، ولكن ما نراه اليوم لا يعبر عن ذلك للأسف الشديد.

ويضيف فاضل: وليست هذه هي المشكلة، وإنما تكمن المشكلة في فتنة الناس بتوافه الأمور مثل الأفلام العاطفية والرياضة وأغاني «الفيديو كليب»، وهذا هو الخطر الذي يخشى منه على مستقبل الأمة العربية والإسلامية.

 وفي رأيي يرجع هذا لأسباب متعددة منها:

 • تراجع دور المؤسسات الدينية عن أداء رسالتها كاملة في العالم الإسلامي.

• تراجع المؤسسات التعليمية.

• طغيان العولمة، التي بسببها شاعت في العالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص ثقافة «الساندويتش» وكادت تقضي على الثقافة المتعمقة، والخطورة هنا هي انصراف الناس عن العلم، وهنا أيضاً تبرز عوامل البطالة التي أصبحت تهدد المجتمع ومعها انتشار المحسوبية والوساطة والرشوة فيما تحتاج إليه المؤسسات في عالمنا العربي من الوظائف بغض النظر عن الكفاءة والقدرات العقلية.

 

التوازن

وحتى نحفظ التوازن المطلوب للأمة هناك عدد من العوامل لا بد من حدوثها:

- استعادة دور مؤسسات التعليم.

- الحفاظ على اللغة العربية من الضياع.

- أن تقوم المؤسسات الدينية بدورها المنوط بها.

- تفعيل ثقافة الحرية والديمقراطيات في العالم العربي والإسلامي؛ حتى لا يخرج الناس إلى التوافه.

- الاهتمام بتعليم القرآن وتحفيظه ونشر الكتاتيب.

فالمطلوب من الإعلام على الأقل إحداث توازن بين ما هو مسلٍّ أو خفيف وبين ما هو جاد وما يتعلق بحياة الناس ومصائرهم.

أما أ. د. علي مدكور، عميد معهد الدراسات التربوية الأسبق بجامعة القاهرة، فيقول: هذه الظاهرة وافدة علينا من بلاد الغرب، ولكننا بالغنا فيها، وسبب ذلك في المقام الأول تراجع الثقافة الجادة في وسائل الإعلام، أضف إلى ذلك تقلص واستبعاد المذيعين والمتحدثين الجادين، وعليه انتفشت ظاهرة «الكليبات» وما يسمونه ثقافة الترفيه التي وصلت إلى حد الخلاعة وانتشرت معها الموسيقى الصاخبة التي تصم الاّذان، فالقضية كلها لها سببان:

 1 – من الخارج، وهو الثقافة الواردة.

 2- من الداخل، وهو إتاحة الفرصة لنشر هذه الثقافة.

فنحن نرى أن الداخل يمثل للخارج أرضاً خصبة لنشر ثقافته وقيمه، والداخل يحاول بشكل متعمد أن يبعد الثقافة الجادة التي يدعو لها الكتاب والمربون ويحل بدلاً منها ثقافة المزمرين والمطبلين، وفي هذا الجو من ثقافة النفاق تكثر ثقافة العري والخلاعة... إلخ.

 وهنا نبين لدعاة حقوق الإنسان وحرية المرأة ومساواتها بالرجل كيف يستغل جسد المرأة من أجل حفنة أموال لعرض جسدها والمتاجرة به في الأفلام والأغاني الهابطة، فهؤلاء هم الذين يستغلون المرأة وفطرة المرأة وأنوثة المرأة ويتاجرون بها، فتجد عندنا الآن مذيعات يطللن علينا بأزياء تشبه ملابس النوم... وهنا لا يمكن أن أبرئ الإعلام الذي تعمد إبعاد المتلقي عن القضايا الهامة والجادة.

 فالقضية فيها جانب من التعمد والتاَمر على الثقافة الجادة، وهذا ليس ببعيد عن تأثير وتهميش التربية الدينية بالمدارس، وليس ببعيد عن تقليص درجات اللغة العربية من 120 إلى 50 درجة فهي أقل من اللغة الأجنبية الثانية، فأنت أمام ثقافة تحاول إبعاد كل ما هو جاد؛ فعندما يتقلص الحق ينتفش الباطل.

 فأنت تلاحظ أن أصحاب الأقلام والآراء الحرة لا يجلسون في بلادنا، أما المنافقون والمتسلقون فيترك لهم المسرح وتفتح لهم الأبواب.

 ويستطرد مدكور حديثه: القضية ليست فقط «كليبات» ولكنها قضية مجتمعية كبيرة؛ لينشر على حسابها اتساع رقعة الثقافات الخليعة، أضف إلى ذلك العوامل المساعدة لذلك من قضايا الشباب من البطالة وعدم الزواج وأزمة السكن؛ إذ يخطط له أن يفرغ طاقته في اللهو.

 

 العلاج

 وعن العلاج تربويا يقول د/مدكور: العلاج يكمن في الدور الواجب على مؤسسات التربية وتوجيه المجتمع، وهي: الأسرة – المدرسة – المسجد – الدولة بمؤسساتها التعليمية والإعلامية.

 فنجد أن الأسرة دورها تقلص؛ لأن الأم خرجت إلى العمل وتركت الأطفال لمشاهدة التلفاز والإنترنت بلا ضوابط، فجاء هذا على حساب الأولاد، والمطلوب اليوم إعادة المرأة لدورها بوصفها مربية، وإعادة دور الأسرة الأساسي إلى تربية أبنائها.

 أما المدرسة فقد لاحظنا أنها أصبحت للأسف طاردة وليست جاذبة وازدادت الدروس الخصوصية، فهذه الأيام لا يذهب الطلاب إلى المدارس، رغم أننا في الأربعينيات والخمسينيات كان لدينا مدارس تضارع المدارس الأوروبية.

وعن الإعلام، نرى أن الإعلام أخذ زمام المبادرة وأخذ يربي وأصبح مفتوحاً 24 ساعة، والمطلوب أن يكون هناك دور تربوي وتعليمي لهذه الفضائيات، ومن الخطورة بمكان أن نرى الإعلان الآن بدأ يتسيد الإعلام، فأكثر البرامج الجادة بدأت تقتل من أجل البرامج الإعلانية.

 وهنا أود أن أشير إلى تجربة مهمة لليابان حين رأت أن الإعلام بدأ يذهب بالليل ما ما أتت به المدرسة نهاراً؛ فقررت دمج وزارات التربية والإعلام والرياضة في وزارة واحدة؛ لتحقيق أهداف واحدة ورؤية واحدة.

واجتماعياً تقول أ.د/ عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في القاهرة: أي ظاهرة لها دوافع مجتمعية وعوامل تساعد على وجودها، فمثلا لماذا يلجأ الشباب لهذه الموسيقى الصاخبة وتشجيع أصحابها ومطربيها؟! لأنه في حالة فراغ وحالة ركود فهي تفرغ طاقات الشباب وتفرغ انفعالاتهم، أيضاً مشاهد «الفيديو كليب» تستهوي الشباب؛ لأنه في حالة حرمان وليس لديه أحلام يحاول تحقيقها، فيحاول أن يسعد نفسه بهذه الأشياء.

 وتنظر د/عزة للأمر من زاوية أخرى وهي أنه لابد من توجيه النظر إلى بداية الفعل والمتسببين فيه وهم المنتجون الذين أوجدوا هذه «الكليبات» التي تحاكي الغرائز، وللأسف فكل ما هو موجود في السوق من «كليبات» وأفلام وأغان مسيء للأخلاق، إنهم يتاجرون بأخلاقياتنا وأولادنا، كل ما يهم هؤلاء من منتج أو مغن أو مخرج هو التربح، وما يساعد على ذلك غياب الرقابة من الدولة التي نسيت هذا الشباب ومستقبله.

وعن العلاج تقول د/عزة: على الدولة أن تستوعب طاقات هؤلاء الشباب وتوفر لهم فرص العمل وتساعدهم في الزواج وتوفير المسكن اللازم؛ فعلاج كل هذه القضايا يحقق للشباب أحلامه وأهدافه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك