رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إيمان الطويل 12 يوليو، 2010 0 تعليق

الفرقان تحاور الأخت الجوهرة بنت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-

 على الرغم من مرور تسع سنوات على وفاة الشيخ العلامة بن باز -رحمه الله - إلا أنني دوماً أتمنى أن ألقى أحداً من أسرته حتى أخبرهم بالرؤية التي رأيتها له بعد وفاته، فلقد حزنت حزناً شديداً على وفاة هذا العالم الجليل، وبعد هذه السنوات الطويلة تحققت أمنيتي والتقيت بابنته "الجوهرة" وأخبرتها فسُرت بذلك، فلقد كان - رحمه الله - صمام أمان ما إن تلم بالمسلمين الملمات حتى أننا نلتفت للعلامة بن باز ماذا يقول بها وما يذكرنا به، فعرفناه - رحمه الله - في جميع المواقف يسدد ويقارب، ينصح ويرشد، فلم يثر أحدا على أحد ولم يدع أبداً إلى التهور والتشدد واستثارة العواطف التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

استقبلناها في جمعية إحياء التراث الإسلامي، أخبرتها أننا نفخر بإشادة الشيخ الكبير عبد العزيز بن باز - رحمه الله - بالجمعية وأنشطتها ودورها الدعوي، وأثنت هي على ما شاهدته من الأعمال التي تقوم بها الجمعية.

أخبرتها أننا في لقائنا هذا سنقترب من حياة الشيخ - رحمه الله - حياته العملية الأسرية؛ كي نسير على دربه وننهل من سمته الفذ، فرحّبت بذلك، إذاً فلننطلق على بركة الله:

 

 

- الفرقان: يعرف عن الشيخ رحمه الله أن من يراه يدخل السرور في قلبه، ما السر في هذا؟

- الجوهرة: الله أعلم، إنه بسبب محبة الله له ولا أزكي على الله أحدا، وإخلاصه في عمله؛ لذا أحبه الناس، كان يعلق القلوب بالله ولا يريد في هذا كله مديح دنيا وإنما يتطلع للآخرة.

- «الفرقان»: امتاز الشيخ - رحمه الله - بحسن الإنصات للآخرين والاهتمام بالاستماع لمن يسأله ويكلمه، كيف تجدين هذه المهارة الفذة التي كسبت قلوب الناس؟

- الجوهرة: كان لا يقاطع أحدا أبداً حتى ينتهي من كلامه، يهتم بشدة بقضايا الناس ولديه فطنة وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى، يميز العبارة من الأخرى، لا يفرق بين الصغير والكبير، ولا القوي ولا الضعيف؛ لأنه يملك قلباً عطوفاً مشفقا على الناس.

- «الفرقان»: كيف كان يتعامل - رحمه الله - مع مخالفيه في المنهج؟

- الجوهرة: كان - رحمه الله - من صفاته الحلم والصبر، لا يغضب، وكان يشيد بالعلماء والدعاة وإن سمع رأيا أو مسألة يخالفها فيقول: "نعم نعم هذه المسألة فيها نظر نعرضها على هيئة كبار العلماء ونتناقش فيها ونبحث في هذه المسألة"، فلم نسمع منه أبداً كلمة فيها ما يسوء حتى يوضح النهج الصحيح وينبه إلى وجوب اتباع الهدي النبوي الشريف القائم على الكتاب والسنة النبوية الصحيحة.

- «الفرقان»: التواضع سمة بارزة عند الشيخ - رحمه الله - على الرغم من سعة علمه، فهو بحر تشرّب العلم فتواضع للناس يسمع للصغير والكبير ويهتم بالجميع، أما اليوم فقد نجد من بعض طلاب وطالبات العلم عدم التبسط مع الناس والنظرة الدونية لمن هم أقل علماً حتى إن البعض كلما ازداد علما تغير في أسلوبه وخسر كثيراً من إخوانه وكذلك بين طالبات العلم، فماذا تقولين عملياً في حياة الشيخ؟

- الجوهرة: كلما عرف العبد ربه تواضع للناس، وكان الشيخ - رحمة الله عليه - ولا نزكي على الله أحدا عارفاً لربه، كان يكره من يمدحه بوجهه، وحصل أنه امتدح فقال: كفى كفى قتلت أخاك لا تغرق بالمدح، وكان يدعو: "اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون"، فالأجدر بطلاب وطالبات العلم التحلي بالتواضع؛ لأنه سمة العلماء والصالحين وخير من نقتدي به رسولنا الكريم[.

- «الفرقان»: وسائل الإعلام متنوعة: الإذاعة، التلفاز، الصحافة، كيف كان يتعامل - رحمه الله - معها وما هي ردة فعله على الفضائيات وما تبثه من سموم تنخر في العقيدة والأخلاق لشتى شرائح المجتمع؟

- الجوهرة: نعم كان يهتم اهتماماً شديداً أولا بإذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية؛ لما لها من دور بارز في نشر العلم الشرعي، ثم بالنسبة للتلفاز والفضائيات فهو دائم التنبيه لأصحاب القنوات الفضائية أن يراعوا الله - عز وجل - بما يقدمونه لأبناء المسلمين، وكان يحث - رحمه الله - على فتح القنوات الفضائية الإسلامية على أن تراعي المنهج السليم وألا تنشر إلا ما يرضي الله عز وجل ورسول[، وألا تدخل المعازف وأن يبتعدوا عن المخالفات الشرعية من تبرج النساء وغيرها، أما الصحافة فأيضاً كان متابعاً لها ويحرص على أن تقرأ له الصحف حتى يطلع على ما فيها من أخبار، وكان ينبه أصحاب الصحف والمقالات أن يتقوا الله فيما يكتبون وألا ينشروا الأكاذيب ولا الصور التي فيها ما يخالف الشرع، وأن يكونوا معول بناء لا هدم.

- «الفرقان»: كيف كان الشيخ - رحمه الله - يتعامل مع المرأة، حيث إنه وللأسف قد ينتشر بين الناس أن علماء الدين يضطهدون المرأة ويسيئون التعامل معها ويقللون من شأنها بعدم المشورة وسلب حقوقها، فهلاّ أطلعتنا على تعامل الشيخ مع المرأة، أي النساء غير المحارم؟

- الجوهرة: كان - رحمه الله - يقدّر المرأة ويعرف لها مكانتها، يحدد للنساء يوما للتوجيه والتعليم، يحرص على الالتقاء بالداعيات ويُسر بذلك ويهتم جداً لعلمه بأهمية صلاح المرأة؛ لأن بها صلاح المجتمع بأسره، وكانت هناك دكتورة بالجامعة، كانت دائماً تسأل الشيخ في مسائل كثيرة ولما انقطعت مرة سأل عنها، وهذا دليل على شدة اهتمامه، أما النساء العوام فكان يسمع لشكواهن حتى وإن طالت يبدي اهتمامه - رحمه الله - لأن قلبه رحيم بالنساء.

- «الفرقان»: الشيخ بن باز - رحمه الله - الأب والداعية الكبير، كيف وفّق بين الدعوة والأبوة؟ كان أبا للجميع وبنفس الوقت كرس حياته للدعوة، حالياً بعض دعاتنا فرطوا في الأبوة بحجة العمل الدعوي، فهلا أخبرتِنا عن ذلك؟

- الجوهرة: نعم، كان أبا للجميع على الرغم من كثرة المشاغل إلا أنه كان حريصا - رحمه الله - على الاطلاع على ما يفعله أبناؤه، حرص على العلم، أقام مكتبة بالبيت لينهل أبناؤه من العلم وكان شديد الحرص - رحمه الله - أن يُجلِس أبناءه مع ضيوفه، أما الصلاة فكان يحرص حرصاً شديداً أن يخرج الأولاد والأحفاد للصلاة معه في المسجد، ومن لم يحضر يسأل عنه ويتضايق ويؤنبه، كان دائم النصح والتوجيه لنا.

- «الفرقان»: كم كان له من الزوجات رحمه الله؟

- الجوهرة: كان لديه زوجتان.

- «الفرقان»: كيف كان يتعامل مع زوجاته وأبنائه؟

- الجوهرة: كان - رحمه الله - عادلاً بين الاثنتين وإن حصل أي خلاف فإنه يصلح ويسدد ويقارب ويطيب الخواطر ويذّكر بالله، دائماً يردد أن هذه الدنيا زائلة ونحن نتطلع للآخرة والصبر والمثوبة ومضاعفة الأجر، وكان مع الأبناء سواء؛ لذا كانت الحياة مطمئنة بالله سبحانه وتعالى.

- «الفرقان»: كيف اهتم الشيخ بتربية البنات منذ الصغر، وما أكثر ما كان يحرص عليه بالنسبة للفتاة؟

- الجوهرة: كان لطيفاً معنا - رحمه الله - يسمع لنا ويهتم بنا حتى لو في أمر بسيط، وأذكر أن أي فعل تقوم به إحدانا يأتي إلينا كل واحدة على حدة ويوجه النصح لها بأسلوب كله عطف وحنان، ويبين لنا في بداية الأمر أن هذا ما لا ينبغي فعله ويا ليت أن يكون كذا وكذا فنقتنع، وكان يهتم - رحمه الله - بأخذ رأينا في حال الخطبة والزواج ويجلس مع من أتاها خطيب فيأخذ برأيها ثم يجتمع بالأسرة ويناقش هذا الأمر ويعطي مجالا 3 أيام للمشاورة والتفكير في هذه المسألة.

- «الفرقان»: تعامل الشيخ - رحمه الله - مع الأطفال، ما أهم الركائز التي كان الشيخ - رحمه الله - يهتم بأن نبدأ بها للأطفال؟

- الجوهرة: غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الأطفال منذ الصغر، والاهتمام بالطفل كشخص له مشاعره وأحاسيسه، حتى إنه - رحمه الله - يهتم بالتلطف معهم والسؤال عن أحوالهم والمرح معهم فكان يداعب ويلعب مع أحفاده ويحملهم على ظهره وحتى لو كنا في مجلس يأتي بالأولاد ويسألهم ويسمع لهم القرآن، ولما يبدأ الطفل بالتلاوة لا يرضى - رحمه الله - إلا أن ينصت الجميع له، وكان ينبهنا على ذلك بأسلوب كله رحمة، وكان يخبرنا أنه يجب أن نهتم بالاستماع إلى الطفل؛ لأن هذا يؤثر على شخصيته.

- «الفرقان»: يعرف عن الشيخ - رحمه الله - أنه كان كريماً، اذكري مواقف تدل على كرمه، وكيف غرس هذه الخصلة المباركة فيكم؟

- الجوهرة: كان - رحمه الله - مشهورا بإقامة الولائم وكان لديه ضيوف دائمون، وكان يخصص مكانا خاصا لمن له حاجه خاصة وعنده مال صدقة يوزعه للمحتاجين، فكانت يداه مبسوطتين - رحمه الله تعالى وتقبل الله منه - ونحن منذ الصغر شهدنا هذا عملياً وتربينا عليه حتى إنه لو تضايق أحد من إخواني من كثرة الضيوف كان - رحمه الله - يرد عليه بأسلوب كله شفقة ورحمة فيقول لنا "هؤلاء أصحاب حاجة وضعفاء ما يضركم جلوسهم معنا، لكم الأجر إن شاء الله على حسن ضيافتهم ورعايتهم" فيطيب خاطرنا.

- «الفرقان»: أخيراً، بماذا كان دائماً - رحمه الله - يوصي الدعاة والناس في الملمات وجميع الأحوال، والخلافات؟

- الجوهرة: دائماً كان يوصي بقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} (آل عمران: 200)، كان - رحمه الله - يوصي الكل والجميع بالسعي لرضا الله وحده وألا نلتفت لأحد.

وفي ختام هذا اللقاء ودعنا ضيفتنا الكريمة على أمل أن نلتقي - بإذن الله - على حب الله ورسوله[، وما أردنا من هذا اللقاء إلا أن نتذكر العلامة بن باز - رحمه الله - لنقتبس من صفاته ولنستنير بإضاءات حياته:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم

                                             إن التشبه بالكرام فلاحُ

فإلى كل طالب علم وإلى كل طالبة علم شرعي خير ما تتحلون به التواضع، ولين الجانب.

إلى كل مربٍّ للأجيال، إلى كل رب أسرة، إلى من فرّط في أبنائه وأسرته، إلى من لم يحقق العدل بين زوجاته، إلى كل صاحب مسؤولية، إلى القائمين على الإعلام، وإلى أصحاب القنوات الفضائية، إلى أعداء المرأة، قدمنا لكم قبسات من حياة العالم الكبير بن باز - رحمه الله - سار على ما قال الله تعالى ورسوله[، فهذا هو الفلاح في الدنيا والآخرة.

فمن منا لا يبتغي الفوز والفلاح في الدارين؟!


 


السيرة الذاتية

 

 

 

للفاضلة الجوهرة

 

 

بنت عبد العزيز بن باز

 

- رحمه الله -:

• خريجة معهد الإدارة العامة في الرياض عام 1415هـ.

• تتلمذت على يد الشيخ الوالد عبد العزيز بن باز، رحمه الله.

• عينت معلمة للقرآن الكريم والمواد الدينية في المتوسطة الأولى للبنات في المدينة المنورة.

• عملت بجامعة الملك سعود في الإرشاد الأكاديمي ثم العلاقات العامة لمدة 9 سنوات.

• بعد افتتاح مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية وهي مؤسسة علمية دعوية تعنى بنشر ميراث الشيخ عبد العزيز بن باز العلمي تم افتتاح القسم النسائي ، فعملت مديرة الفرع لمدة 3 أعوام ثم أصبحت مشرفة عامة على الفرع النسائي للمؤسسة.

• متفرغة حالياً للعمل الخيري.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك