رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مصطفى صلاح خلف 3 أغسطس، 2010 0 تعليق

الفحص الطبي قبل الزواج بيـن مسوّغات الرفض وحجـــج التأيــــــيد

 

 

أهمية الفحص قبل الزواج مسألة باتت تتأرجح بين مد وجزر من حيث التأييد والمعارضة؛ فمن الناس من يقول: نترك الأمور كما كانت عليه فإن كان هناك فحص، فسوف يولد مشكلات اجتماعية كالعنوسة والخلافات الاجتماعية التي نحن في غنى عنها، في حين يقول أنصار الفحص قبل الزواج: إن للفحص أهمية كبرى صحية ونفسية تنعكس على سلامة المجتمع والأجيال القادمة ومحاربة الأمراض التي قد تنتشر بسبب الزواج غير السليم وفي مقدمتها «الثلاسيميا» أو أنيميا البحر المتوسط، وإنه لزاماً علينا الاستفادة من التقدم العلمي والطبي في وقاية مجتمعنا من الأمراض وتوعية وتعريف المقبلين على الزواج بذلك.

 

أهمية الفحص

> وبسؤال الدكتور يعقوب الكندري مدير إدارة الصحة الاجتماعية بوزارة الصحة عن أهمية الفحص قبل الزواج؟

< أكد الكندري أن للفحص قبل الزواج أهمية اجتماعية ونفسية وصحية كبرى تلقي بظلالها على صحة المجتمع والأجيال القادمة وسلامتهم، وأضاف أن مركز الفحص قبل الزواج بمنطقة الصباح الطبية سيقوم باستقبال طرفي الزواج، وسيقومان بتعبئة استمارة داخل المركز تشتمل على أسئلة شخصية، وأسئلة أخرى عن وجود أمراض معدية أو وراثية في الأسرتين، وإن هدف ذلك هو الحفاظ على سلامة الأسرة وولادة أجيال أصحاء، وسوف يتم سحب عينة دم يتم إرسالها إلى معامل وزارة الصحة ومختبراتها، وفي حالة خلو الطرفين من الأمراض نقوم بإعطائهما شهادة خلو من موانع الزواج، أما إذا كان أحدهما مصابا بأي مرض معد أو وراثي؛ فنقوم بالاتصال به وإعطائه المشورة؛ فإذا أصر الطرفان على اتمام الزواج رغم وجود تلك الموانع الطبية؛ فيقومان بالتوقيع على إقرار بذلك، ويتسلمان شهادة الفحص قبل الزواج، وهناك تعليمات صدرت للمأذونين وجهات توثيق عقود الزواج بالتأكد من وجود شهادة الفحص الطبي، ويتعرض من يخالف ذلك للإجراءات القانونية، وإن على كل مأذون الاطلاع على شهادة الفحص الطبي قبل الزواج، ويتم إدراج هذه الشهادة في الأوراق التي يتم إرسالها إلى المحكمة، ويتم هناك التأكد من سلامة هذه الشهادة، وفي حال عدم وجودها يتم طلب هذا المأذون للتحقيق معه ومحاكمته.

 

عيادة المشورة

> وبسؤال مدير إدارة الصحة الاجتماعية عن عيادة المشورة التي تم تخصيصها لذلك من قبل الوزارة؟

< أكد الكندري أن الهدف من عيادة المشورة هو إبلاغ طرفي الزواج بالنتائج الطبية بكل مصداقية وشفافية، ثم نقوم بإعطائهما النصيحة في حين ظهرت نتائج غير مطمئنة، أما في حالة إصرارهما على الزواج بعد ثبوت نتائج عكسية؛ فإن الدولة لا تمانع في إتمام الزواج؛ لأن الغرض والهدف من المشروع النصيحة والتوجيه، ولكن يقومان بالتوقيع على إقرار يسمى «إقرار بالعلم» بما قد يترتب على زواجهما من إنجاب أطفال يعانون مشكلات صحية، وأضاف الكندري أن هذا الفحص إلزامي للكويتيين أو إذا كان أحد الزوجين يحمل الجنسية الكويتية، ولا يسرى هذا القانون على غير محددي الجنسية أو الوافدين، وأن الوزارة تجهز خلال شهرين المركز الرئيس لإدارة الفحص قبل الزواج بمنطقة الصباح الصحية، وسيكون الفحص في هذا المركز، وبعد ذلك سيتم إنشاء وحدة للفحص قبل الزواج في كل مختبر ومستوصف في جميع أنحاء البلاد، وأن جميع الفحوصات مجانية.

 

الفحص يقي من «الثلاسيميا»

> وبسؤال الدكتورة مها جاسم بورسلي رئيس قسم الأطفال في مستشفى البنك الوطني بمستشفى الصباح، عن الأهداف المرجوة من الفحص قبل الزواج وتأثيرها الإيجابي في مواجهة مرض «الثلاسيميا»، وما أثير في مؤتمر القاهرة مؤخراً تحت عنوان: «آفاق جديدة لعلاج أنيميا البحر المتوسط والعلاج الجيني»؟

< أشارت بورسلي أن الأهداف المرجوة من تطبيق الفحص الطبي قبل الزواج هي الحد من مرض «الثلاسيميا» أو أنيميا البحر المتوسط، ومحاولة الوصول إلى جيل خال من هذا المرض؛ لأن نسبة من يحملون المرض في منطقة الشرق الأوسط وصلت إلى 10٪، وأن مرض أنيميا البحر المتوسط مرض وراثي يصيب الأفراد الذين لديهم استعداد لإنتاج خلايا دم حمراء فعالة، وهذا المرض يسبب العديد من المضاعفات والأمراض لسائر أعضاء الجسم، والفحص قبل الزواج يحد من مرض أنيميا البحر المتوسط «الثلاسيميا»؛ لأن كثيرا من الأمهات لا يعلمن أنهن مصابات بهذا المرض، وحينما تتزوج بشخص لديه  المرض نفسه تتضاعف قابلية إصابة أطفالهما بهذا المرض، الذي يبدأ منذ الفترة الأولى لعمر الطفل؛ حيث تظهر مضاعفاته بعد ستة أشهر من الولادة ويستمر مدى الحياة، وأهداف رابطة «الثلاسيميا» بالكويت تحقيق الرعاية لمرض أنيميا البحر المتوسط والتوعية بالمرض واكتشاف آفاق جديدة للعلاج، وبالتالي الوقاية من حدوثه عن طريق الفحص الطبي السليم؛ ولذلك نحن نؤكد على أهمية الفحص لطرفي الزواج محاربة لهذا المرض ولكافة الأمراض التي قد تنتج عن ذلك.

 

اختلافهم رحمة

ودائما القول الفصل في كل قضايا المسلم الحق يكون لشريعتنا الغراء، وقد تعددت آراء أهل العلم والفتوى في هذا الأمر وتعدد الآراء رحمة لعامة المسلمين، وقد توجهنا بسؤالنا عن حكم الفحص الطبي قبل الزواج إلى الداعية المعروف فضيلة الشيخ محمد الحمود النجدي، فأجابنا فضيلته قائلاً: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، فقد اختلف العلماء حول حكم الفحص الطبي قبل الزواج، فأوجبه بعضهم وكرهه آخرون، وتوسطت طائفة فاستحبته، ولعل هذا هو الصواب مع تطور الدراسات الوراثية وانتشار بعض الأمراض الوراثية في بعض المجتمعات وبعض الأمراض المعدية الخطيرة كالإيدز وغيره؛  حيث دعت بعض الجهات الرسمية إلى إلزام الناس بالفحص الطبي قبل الزواج وتقديم الاستشارة الوراثية اللازمة للزوجين وأخذت بذلك بعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات والمغرب وسورية وتونس؛ وذلك لتفادى بعض الأمراض التي تنتج عن زواج الأقارب كابن العم وابنة العم وابن الخال وابنة الخال، وقد قال أهل العلم المرغبين في مسألة الفحص قبل الزواج: إن فائدة الفحص تكمن في أن المقدمين على الزواج يكونون على علم بالأمراض الوراثية المحتملة للذرية إن وجدت؛ فتتسع الخيارات في عدم الإنجاب أو عدم إتمام الزواج، وكذلك تقديم النصح للمقبلين على الزواج إذا تبين وجود ما يستدعي ذلك بعد استقصاء التاريخ المرضي والفحص السريري، واختلاف رمز الدم، وكذلك محاربة مرض «الثلاسيميا»، وهو مرض ينتشر انتشاراً واسعاً وواضحاً في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو المرض الذي توجد وسائل للوقاية من حدوثه قبل الزواج، وكذلك المحافظة على سلامة الزوجين من الأمراض، فقد يكون أحدهما مصابا بمرض يعد معدياً فينقل العدوى إلى زوجه السليم، وعقد الزواج عقد عظيم يبنى على أساس الدوام والاستمرار؛ فإذا تبين بعد الزواج أن أحد الزوجين مصاب بمرض؛ فإن هذا قد يكون سببا في إنهاء هذا الزواج لعدم قبول الطرف الآخر بهذا المرض، كذلك فإنه من خلال الفحص الطبي يتأكد كل طرف من الخاطبين مقدرة الطرف الآخر على الإنجاب وعدم وجود العقم ويتبين مقدرة الزوج على المعاشرة الجنسية، كما أنه من خلال الفحص الطبي يتم الحد من انتشار الأمراض المعدية والتقليل من ولادة أطفال مشوهين أو معاقين، يسببون متاعب لأسرهم ومجتمعاتهم.

وأضاف فضيلة الشيخ النجدي قائلاً: أما الرافضون للفحص الطبي قبل الزواج، فقد قالوا: إن السلبيات المتوقعة من جراء الفحص الطبي كثيرة، منها إيهام الناس أن إجراء الفحص سيقيهم من الأمراض الوراثية، وهذا غير صحيح؛ لأن الفحص لا يبحث إلا في مرضين أو ثلاثة فقط، وكذلك إيهام الناس بأن زواج الأقارب هو السبب المباشر لتلك الأمراض المنتشرة في مجتمعاتنا، وهذا غير صحيح على الإطلاق، وقد يحدث تسريب لنتائج الفحص فيتضرر أصحابه ولاسيما المرأة، فقد يعزف عنها الخطاب إذا علموا أن زواجها لم يتم بسبب حملها لمرض ما بغض النظر عن نوع المرض وينشأ عن ذلك تضرر المرأة.

كذلك فإن هذا الفحص يجعل حياة بعض الناس قلقة ومكتئبة ويائسة إذا ما تم إعلام الشخص بأنه سيصاب هو وذريته بمرض عضال يصعب شفاؤه من الناحية الطبية، كما أنه في حالة الإلزام بهذا الفحص قد يتحول الأمر إلى روتين وشهادات ومستشفيات تعطى مقابل مبلغ من المال، ويكون هناك أيضاً ضغط مالي وتكلفة قد ترهق البعض في سدادها.

ويتابع فضيلة الشيخ النجدي قائلاً: لهذا اختلف العلماء والباحثون المعاصرون في الحكم الشرعي للإلزام بإجراء الفحص الطبي وجعله شرطاً لإتمام الزواج، ويمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي:

فالقول الأول: يجوز لولي الأمر إصدار قانون يلزم فيه كل المتقدمين للزواج بإجراء الفحص الطبي بحيث لا يتم الزواج إلا بعد إعطاء شهادة طبية تثبت اللياقة الطبية.

أما القول الثاني: فلا يجوز إجبار أي شخص على إجراء الاختبار الوراثي، ويجوز تشجيع الناس ونشر الوعي بالوسائل المختلفة بأهمية الاختبار الوراثي؛ والقول الثاني: قال به الشيخان بن باز - رحمه الله - والأستاذ الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة بالأزهر الشريف، والدكتور عبدالكريم زيدان أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعات العراق واليمن، وهذا القول هو الأرجح عندنا، والله تعالى أعلى وأعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك