رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 7 أغسطس، 2010 0 تعليق

الغرب استغل التفجيرات لانتهاك سيادة الدول الإسلامية تفجيرات جماعات العنف عــــادت لتحاصــــــر العالــــــــــم الإســــلامي

 

أعادت تفجيرات جاكرتا التي ضربت فندقي ماريوت وريتز كارلينج بإندونيسيا ملف العنف المتسربل بالدين زورًا وبهتانًا للمربع الأول، ومعه النقاشات حول جدوى هذه التفجيرات التي يعانيها العالم الإسلامي منذ 3 عقود على الأقل، وعن جدوى استخدام العنف أداة للتعبير من قبل بعض الجماعات المسماة بالإسلامية.

ولعلنا نكون منصفين إذا أكدنا أن العنف الذي ضرب العديد من البقاع الإسلامية، ومنها مصر والجزائر واليمن وباكستان وأفغانستان والسعودية على فترات لم يكن ليحقق أي معنى شرعي أو أخلاقي، بل لقد خلفت هذه التفجيرات التي طالت هذه البلدان مئات الآلاف من القتلى، فيكفي أن نذكر فقط أن أكثر من 150 ألف جزائري قد لقوا مصرعهم منذ اندلاع شلال العنف في البلاد عقب إلغاء الجيش انتخابات أوشكت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على الفوز بها، ومنذ ذلك اليوم ولم يعرف الجزائر الهدوء والاستقرار حتى اليوم، صحيح أن الأوضاع الآن أكثر هدوءًا بالمقارنة بمنتصف التسعينيات إلا أن شرارة العنف لم تنطفئ حتى الآن.

 

ولم تتوقف الخسائر التي أصابت العالم الإسلامي على هذا النحو؛ فقد امتدت إلى كارثة محدقة بمسيرة التنمية؛ حيث توقفت الخطط التنموية ووجهت العديد من الدول التي واجهت هذا العنف نسبة كبيرة من ميزانياتها لتطوير قدراتها الأمنية، وإنفاق الملايين على المعدات المتطورة في كشف عمليات التفجير عن بعد، وشراء كاميرات ووسائل لتأمين المباني والمرافق الحيوية، وكان الفقراء والمهمشون في العالم الإسلام أولى بهذه الميزانيات.

 

أخطار محتملة

وتجاوز الأمر مضاعفة الدول العربية والإسلامية لميزانية أجهزة الأمن للتوسع في مراقبة المخاطر المحتملة وتوجيه ضربات استباقية لها، بل استغلت عمليات العنف ومساعي تغيير الأنظمة كتكأة لهذه الأنظمة للتضييق على الحريات والتوسع في مراقبة خطوط الهاتف، وهي أمور تجرمها الدساتير في أغلب الدول الإسلامية، إلا أن الأوضاع الأمنية المضطربة قد أعطت الأنظمة ذرائع لإحكام سيطرتها على الأوضاع.

 

عقول مضطربة

ومن البديهي التأكيد أن سعى الجماعات التي تطلق على نفسها الإسلامية لتغيير الأوضاع لم يحقق ما كانت هذه العقول المضطربة تسعى إليه؛ فقد زادت هذه العمليات من ارتباط العديد من هذه الدول بالغرب بأدواته العلمانية والتغريبية بل والارتماء في أحضانه بحجة العداء المشترك لهذه الجماعات.

بل إن العنف الذي ضرب دولاً مثل مصر والجزائر وإندونيسيا جعلها ترتمي في أحضان الأمريكان وتبرم معهم اتفاقيات أمنية وصلت في بعض الأحيان لمناورات مشتركة وعلى جانب من التنسيق الأمني؛ مما جعل أمن واستقرار هذه البلاد رهينة في أيدي القوى المعادية للإسلام.

وحين ننظر إلى ثمار عمليات التفجير التي قامت بها هذه الجماعات في دول إسلامية وغير إسلامية مثل تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام؛ نجد نتائجها كارثية على عديد من الدول الإسلامية؛ فقد قصفت الطائرات الأمريكية في أيام قليلة أهدافًا في كل من السودان وأفغانستان أضرت كثيرًا بالأولى وأوقعتها ضحية عقوبات أمريكية حتى الآن، وفتحت الأبواب أمام شلالات من الدماء أنهت حكم «طالبان»، وقادت أفغانستان في النهاية للوقوع في براثن الاحتلال الأمريكي بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر التي اتهمت منظمة راديكالية إسلامية بالتورط فيها.

 

اتفاقيات إذعان

ولا يخفى على أحد في هذا المقام أن التفجيرات التي تورطت فيها هذه الجماعات قد أجبرت الدول العربية والإسلامية على تقديم تنازلات للولايات المتحدة الأمريكية لم تكن واشنطن تحلم بها قبل معاناة دولنا العربية والإسلامية من شلالات العنف؛ فقد قبلت الدول العربية وفي إطار ما أعلنته واشنطن عقب تفجيري برج التجارة ومبنى البنتاجون ما أطلق عليه: «الحرب على الإرهاب» الرقابة الأمريكية على موانيها ومطاراتها وأهدافها الحيوية، وهو ما سمح لواشنطن بالاطلاع على معلومات استراتيجية تخص قدرات هذه الدول في جميع المجالات، والاستفادة من هذه المعلومات ووضعها على طبق من ذهب أمام الصهيونية العالمية.

ويزيد من المأساة أن استخدام العنف والتفجيرات أداة للتغيير قد جر على الأمة ويلات، وأسهم في إضعاف سيادة العديد من الدول العربية، وجعلها لقمة سائغة في أيدي الغرب، بل أن هذه التطورات السلبية وسيادة نهج الانقلاب على أنظمة الحكم القائمة قد أسهم في احتلال عاصمتين إسلاميتين هما بغداد وكابول رغم التحفظ على سلوك النظامين الحاكمين في العراق وأفغانستان، إلا أن الكارثة تصل مداها حين نجد قلة قليلة لا تزال تدافع عن استخدام العنف والتفجيرات بوصفها أداة للتعبير، ولكن هذه القلة -ولله الحمد- في تراجع، بل إن الكثير من المؤيدين لهذا الاتجاه قد تراجعوا عن تأييدهم له، ومن تورطوا في السابق وعلى رأسهم الجماعة الإسلامية ومنظمة الجهاد في مصر، وكذلك من تورطوا في مثل هذه التجاوزات في الجزائر قد راجعوا مواقفهم، سواء عبر مراجعات فقهية أفضت لخروج أعداد كبيرة منهم من السجن أم عبر الانخراط فيما عرف بالمصالحة والوئام الوطني في الجزائر، وهو أمر أسهم في تحسن المناخ الأمني في العالم العربي والإسلامي، وأوقف استخدام هذا العنف وتوظيفه ولو قليلاً لخدمة أهداف الغرب ومساعيه للهيمنة على خيرات المنطقة.

كوارث ومصائب

من جانبه أكد الدكتور محمد عبد المنعم البري الرئيس السابق لجبهة علماء الأزهر على أن التفجيرات التي ضربت العالم العربي من باكستان للجزائر لم تجر على المنطقة إلا الكوارث ولم يجن منها شعوبها أي فوائد، سواء على الصعيد السياسي أم الاقتصادي؛ فلا الإسلام صار حاكمًا ومهيمنًا على حياة الأمة، ولا انتشرت أجواء الشورى والحرية في جنبات الأمة، بل على العكس ازداد القمع بمبررات حماية الأمن.

وأوضح البري أن التفجيرات التي نسمع عنها من آن لآخر لا علاقة لها بالإسلام من بعيد ولا من قريب، بل إن هذه الجرائم التي أسالت دماء الأبرياء تندرج تحت بند الإفساد في الأرض ويجب أن يطبق على مرتكبيها حد الحرابة {إنَّمَا جَزَاءُ الَذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ولَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وكذلك لقول الرسول [ «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، فكيف بمن أسالوا دماء المسلمين بدون مبرر وفتحوا أبواب بلادهم لتدخل الغرب واحتلالهم لدولهم؟! فهؤلاء مفارقون لإجماع الأمة وخارجون على الجماعة.

واعتبر البري أن استئصال بذرة العنف من المنطقة وإعادة تأهيل الآلاف من شبابنا وإعادتهم لجادة الصواب تشكل أولوية لشعوب ودول المنطقة وتفرض واجبًا على علماء الأمة لأداء دور مهم في إطار تصحيح هذا المسار الفاسد.

 

إضعاف السيادة

وفي الإطار نفسه يرى السفير عبد الفتاح الزيني مساعد وزير الخارجية المصري السابق أن دوامة العنف التي ما زال العالم الإسلامي يدفع ثمنها قد أضاعت سيادة العديد من الدول، وأجبرتها على تبني سياسات لا تتوافق أبدًا مع رغبات الأنظمة والشعوب على حد سواء، بل وتفتح أبواب الدول العربية والإسلامية لأجهزة الاستخبارات الغربية لتفعل ما يحلو لها بذريعة مكافحة الإرهاب.

وأوضح الزيني أن العالم الإسلامي لم يحقق أي فائدة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني من وراء هذه الدوامة التي عرقلت التنمية، وأسهمت في انهيار المؤسسات والبنى التحتية، مطالبًا بضرورة وجود «هبّة» مجتمعية يلعب فيها علماء الإسلام دورًا مهمًا لاستئصال هذا المرض العضال من المنطقة بشكل تام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك