الغدر ليس من أخلاق المسلمين
الإسلام دين الطهر، والطيبة والسمو والنزاهة والعدل والرحمة؛ لأنه صدرمن الله الرحمن الرحيم الحكيم العليم، الذي اتصف بصفات الكمال والجلال، وتنزه عن كل عيب ونقيصة، قال -تعالى-: {إن الدين عند الله الإسلام} (آل عمران:19)؛ فالإسلام دين الله الخالد الذي ارتضاه لعباده، وأكمله لهم، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3).
ولا يرضى من عباده غير الإسلام قال -تعالى-: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85).
الأخلاق السامية
ومن جمال الإسلام وكماله ومحاسنه أنه دعا إلى الأخلاق السامية؛ وذلك لما لها من أثر عظيم في حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها؛ فأمور البشر لا تستقيم إذا تجرد الناس من القيم والأخلاق، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» أخرجه الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه . قال - صلى الله عليه وسلم - مرغبا بحسن الخلق: «إن من خياركم أحسنكم أخلاقا» أخرجه الشيخان عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم» أخرجه الترمذي عن أبي هريرة .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق» أخرجه الترمذي عن أبي الدرداء. وقال - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: «تقوى الله وحسن الخلق» أخرجه الترمذي عن أبي هريرة.
كما حذر أمته - صلى الله عليه وسلم - من الأخلاق الذميمة، وذلك لآثارها السلبية على الأمة؛ فهي تؤدي إلى التقاطع والتدابر وشل المجتمع، وهل تفلح أمة فسدت أخلاقها؟
قال شوقي:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلاً
وقال آخر:
وليس بعامر بنيان قوم
إذا أخلاقهم كانت خرابا
الأخلاق الذميمة
ومن الأخلاق الذميمة التي حذر منها الإسلام العظيم الغدر.
- والغدر: هو الإخلال بالشيء وتركه، فنقض العهد، وترك الوفاء به غدر، والغدر ضد الوفاء. والغدر محرم في دين الإسلام، وعده الحافظان ابن حجر والذهبي -رحمهما الله- من كبائر الذنوب والخطايا؛ فالمسلم السوي الذي يعمل بالإسلام، ويلتزم به لا يغدر أبدا، لقد عد النبي - صلى الله عليه وسلم - الغدر من صفات المنافقين.
عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» (متفق عليه).
وهذا ترهيب للمسلم من الغدر؛ فالمسلم يعي معنى النفاق وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة؛ لذلك يفر وينفر من خلاله الدنيئة، ويجتهد لتطهير نفسه منه.
الله خَصْمُ الغدار
الله - جل جلاله- خصم الخدار يوم القيامة، ومن كان الله خصمه يخصمه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره» أخرجه البخاري.
الله خَصْمُ الظالمين
الله -سبحانه وتعالى- خصم لجميع الظالمين إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح وذلك لقبح الغدر وخطورته على الناس.
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لكل غادر لواء- أي علامة يشهر بها في الناس، يفضح بسبب غدره- يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة» أخرجه البخاري.
فغدر إمام العامة عظيم عند الله؛ وذلك لما يترتب عليه من ضياع الدين والخلق والمال والبلاد؛ لذلك استحق هذا الوعيد يوم الميعاد.
كما حذر أمته - صلى الله عليه وسلم - من الغدر بمن لهم عهد وميثاق مع دولة الإسلام.
عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» أخرجه أبوداود.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله؛ فلا يرح رائحة الجنة» أخرجه الترمذي.
وخرج البخاري في صحيحه، عن علي - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل» عدل: فداء، أخفر: أي نقض العهد وغدر لا يقبل الله أعماله.
ترك القدر
وكان من وصاياه - صلى الله عليه وسلم - للمجاهدين في سبيل الله ترك الغدر.
عن بريدة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا...»، إلى أخر الحديث الذي أخرجه مسلم.
لا تخونوا ولا تغلوا
وفي وصية أبي بكر - رضي الله عنه - لأسامة حين بعثه إلى الشام: «لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع -يريد الرهبان-، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».
وكذلك كان يفعل سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقد جاء في كتاب له: «لا تغلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا، واتقوا الله في الفلاحين».
الوفاء خلق الأنبياء
فالوفاء وترك الغدر هو خلق جميع الأنبياء والمرسلين؛ فهو من دين محمد وموسى وعيسى وغيرهم عليهم صلوات ربي وتسليماته.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه، قال: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فبينما أنا بالشام إذ جيء بكتاب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل -يعني عظيم الروم- قال: وكان دحية الكلبي جاء به ودفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، فقال: هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم. قال: فدعيت في نفر من قريش؛ فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه فقال: أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبوسفيان: فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانه: فقال له: قل لهم إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه، قال: فقال أبو سفيان: وايم الله لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب لكذبت. قال قال لترجمانه سله... ووجه هرقل الروم أسئلة عدة لأبي سفيان منها فيما يتعلق بموضوعنا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها، قال: فوالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه.
قال هرقل في نهاية حديثه مع أبي سفيان، وسألتك هل يغدر؟ فز عمت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر.
لاتوجد تعليقات