رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 8 أغسطس، 2010 0 تعليق

العمــــل الخيـــــري في فلســـــــــــــــــــــطين.. تحديات وآمال (3)

 

 

بعد أن فرض التضييق وأغلقت المؤسسات الخيرية من قبل الكيان الصهيوني أكملت المسيرة بعد ذلك السلطة الفلسطينية وازداد في عامي 2007 و 2008م التشديد والتضييق والإغلاق للعديد من الجمعيات الخيرية، فقد تم تجميد حسابات وإغلاق 103 جمعيات ومؤسسات بذريعة ارتكابها مخالفات قانونية وإدارية أو مالية، وأعادت الحكومة في الضفة النظر في مئات التراخيص الخاصة بجمعيات تصنف على أنها خيرية، وذلك في إطار التضييق على عملها الإنساني لأسباب سياسية محضة، وفي أحيان أخرى تنفيذا لأوامر الكيان اليهودي!!

 

 

 

 وزاد من قسوة الأمور على الفلسطينيين، أن هذه الحملة تصاعدت في ظل تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين الفلسطينيين!! مما أفقد الآلاف من الأسر الفقيرة والأرامل والأيتام مخصصاتهم جراء هذه الإجراءات، وازدادت الضغوطات على مؤسسات العمل الخيري في فلسطين، وتم إغلاق عدد كبير منها وغُيرت مجالس إدارتها إلى جانب تحجيم عملها؛  مما أدى إلى تراجع  المشاريع التي تنفذها في كل من الضفة والقطاع رغم اختلاف طبيعة كل منطقة والظروف المحيطة بها.

 

وزيادة في التضييق صدر قرار من السلطة الفلسطينية بتوحيد لجان الزكاة في الضفة الغربية، وتشكيل 11 لجنة مركزية بحيث تحتوي كل محافظة على لجنة مركزية واحدة؛ فبعد أن كان عدد لجان الزكاة في المحافظات الفلسطينية 93 لجنة حتى نهاية 2007م تقلص عددها الآن إلى 11 لجنة مركزية، وأصبحت هذه اللجان تضم أعضاء جدداً، ولم تسلم من ذلك لجان الزكاة في القرى التي حلت مجالسها التي هي الأقرب لحاجات القرى وأهلها، فمعظم كفالات الأيتام التي كانت تنفذها لجان الزكاة تم تحويلها إلى «الشؤون الاجتماعية»، وحتماً سيؤدي ذلك إلى فقد الثقة والمصداقية؛ لأنها ستعمل وفق أجندات حزبية وحكومية ضيقة بعدما كانت تعمل في فضاء العمل الخيري دون تدخل أو توجيه من أحد مما يعني المس بقدرتها على العمل.

 

وحسب التقارير الرسمية كان عدد الجمعيات المسجلة في الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 2002 بلغ حوالي 1250 جمعية، منها حوالي 675 جمعية في الضفة الغربية و 575 جمعية في غزة، ولا تتعدى نسبة الجمعيات والمؤسسات الخيرية والإغاثية الـ 45%، علما بأن عدد الجمعيات العاملة منها ليس أكثر من العُشر!! وبذلك تكون الهيئات الإغاثية الخيرية الفاعلة والعاملة في الضفة والقطاع لا تتعدى 100 جمعية وقد أغلقت أكثرها!!

 

وحسب التقرير البحثي لمؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان فقد بلغ عدد الجمعيات والمؤسسات الخيرية والاجتماعية التطوعية التي دوهمت من قبل قوات الاحتلال، وعبث بمحتوياتها وصودرت ممتلكاتها وأغلق بعضها خلال العام 2007م ،بلغ 55 مؤسسة، وخلال عام 2008م ارتفع العدد ليبلغ 78 مؤسسة.

 

 

إفرازات إغلاق وتحجيم العمل الخيري الإسلامي في فلسطين:

 

لقد أدى غياب وتغييب مؤسسات العمل الخيري في فلسطين إلى بروز  العديد من المظاهر في المجتمع الفلسطيني بعضها ظاهر للعيان والآخر تحت الكواليس وبعيد عن الأنظار، وأبرز تلك المظاهر:

 

• ضعف مظاهر التدين وتراجعه في الشارع الفلسطيني بشكل لافت، مثل الزي الشرعي «الجلباب» بالنسبة للإناث، وانتشار أزياء فاضحة خاصة بين الناشئة لم يعهدها المجتمع الفلسطيني سابقا.

 

•  ضعف الإقبال على مراكز تحفيظ القرآن الكريم بسبب ضعف القائمين عليها وندرة حملات التشجيع لها وملاحقة المدرسين فيها.

 

• ازدياد حفلات الغناء والمجون التي تقام في الجامعات والمراكز الشبابية دون السماح بنقدها أو تنظيم  ما يوازيها من حفلات إسلامية ملتزمة.

 

• انتشار الدعارة ولاسيما في البيئات الفقيرة بسبب ندرة المساعدات للأسر المحتاجة التي فقدت مصدر معيشتها جراء إغلاق مؤسسات العمل الخيري.

 

• انتشار العلاقات المشبوهة بين طلبة الجامعات بسبب ضعف العمل الإسلامي في الجامعات الذي كان ينفذ أنشطة وفعاليات ممولة من الجمعيات الخيرية، مثل تشجيع ارتداء الحجاب وتوزيع الكتب الدينية ومساعدة الطلبة الفقراء وتنظيم إفطارات جماعية برمضان وتوزيع وجبات الإفطار.

 

وخلاصة الأمر: أن المؤسسات والجمعيات الخيرية والتطوعية التي لها أثرها على الشارع الفلسطيني والمقدسي بالخصوص، التي تحسست حاجاتهم وآلامهم، وعملت على تثبيتهم على أرضهم، أريد لها أن تكون ضحية من ضحايا الاحتلال؛ لإذلال هذا الشعب وجعله بلا مقومات للحياة والاستمرار.

 

 

فبينما تبلغ المؤسسات التطوعية في الكيان اليهودي 40 ألف مؤسسة.. قلص عدد الجمعيات الخيرية في ظل السلطة الفلسطينية إلى ما دون المائة وبعضها تراخيص من غير نشاط، ولجان الزكاة حُصرت في 11 لجنة مركزية فقط!!  ومجزرة تدمير القطاع الخيري انشطارية!! كما أن أشلاء ضحايا القصف اليهودي متناثرة!!

 

فمشروع ضرب العمل المؤسسي الفلسطيني مشروع بدأته بريطانيا في ظل انتدابها على فلسطين، وأكملت المسيرة دولة الاحتلال اليهودي، وعملت بمكر وخداع ودهاء لسلب أهل فلسطين المؤسسات والهيئات والجمعيات ، وما زال مسلسل إغلاق المؤسسات المدنية والتطوعية والخيرية والثقافية والعلمية والمؤسسات الفردية وغيرها مستمرا. 

 

الاحتلال اليهودي عمل بكل جهد ليكون المجتمع الفلسطيني بأكمله واقعاً تحت الفقر والإفقار وهدر كل حقوقه الفردية والجماعية.. وهذا ما يستدعي التمكين للمؤسسات الفلسطينية، والضغط على السلطة الفلسطينية لتقديم رؤيتها الواضحة وموقفها من العمل المؤسسي على وجه العموم، والخيري  والإغاثي على وجه الخصوص فلا حياد عن بناء المؤسسات الفاعلة والمتجددة وتفعيل الحراك الشعبي، وكل ذلك مع الحفاظ على الثوابت سابقة الذكر .

 

 

التوصيات:

 

لا بد من دور عربي وإسلامي يرتقي إلى التخصصية والمنهجية لمواجهة المخططات اليهودية.. ومع كل العراقيل فما زلنا نملك الكثير، ولنبدأ بأنفسنا ولنغير نظرة المجتمعات العربية الضيقة للعمل الخيري؛ فلا بد من نشر الوعي بأهمية العمل الخيري والتطوعي، وكشف أهداف ربطه بالممارسات الإرهابية، ومعالجة النظرة الدونية من بعض فئات المجتمع والتي يلمسها العاملون في القطاع الخيري والإغاثي بشكل واضح .

 

ودراسة عقلية القوى التي تقف ضد العمل الخيري الإسلامي بكل أشكاله وأدواته، وتحليل طبيعة الاتهامات الموجهة ضد العمل الخيري والمؤسسي، والرفض التام لربط العمل الخيري بالإرهاب، وأن تولي الشعوب بداية العمل الخيري والعاملين فيه الثقة والدعم المعنوي والمادي، وهذا يستدعي العناية الفائقة باختيار المسؤولين للعمل في الجمعيات الخيرية بما يشكل إضافة مع تحقيق الاستفادة القصوى من الفاعلين في أوساط الشعب الفلسطيني.

 

وأن تولي الحكومة الفلسطينية والحكومات العربية والإسلامية العمل المؤسسي الثقة والاهتمام والدفاع كما حصل مع جمعية إحياء التراث في الكويت حين اتهمتها الولايات المتحدة بالإرهاب، ووقف الجميع في الكويت من قيادة وحكومة وبرلمان وشعب ضد هذا الاتهام، بل وفرت الحكومة لها لجنة محامين للدفاع عنها مما عرقل القرار بحمد الله ومنّه.    

 

والعمل على توفير الحصانة لرموز العمل الخيري ومؤسساتهم وتقديم العون لها لتخفف عن الحكومة مهام لا تستطيع أن تتجاوب معها، ومشاركة الجهات الحكومية والقطاع التجاري في حملات ومشاريع الجهات الخيرية والمؤسسات المجتمعية؛ مما يعقد الأمر على من أراد أن يتهم ويضيق على تلك المؤسسات.

 

وتشكيل لجنة قانونية لحماية العمل الخيري بمؤسساته ومنشآته وإنجازاته لتجنب الاتهامات المعلبة، وتشكيل مجالس تضم المؤسسات الخيرية لتتكاتف الجهود والتواصل للدفاع عن المؤسسات التي تتهم والعمل على استمرار عملها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك