رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 7 أغسطس، 2010 0 تعليق

العمــــل الخيـــــري في فلســـــــــــــــــــــطين.. تحديات وآمال (2)

الحديث عن العمل الخيري في فلسطين حديث ذو شجون تختلط فيه العزة بالألم، والفقه بالتاريخ، وعظمة السلف وما اقترفته أيدي الخلف؛ حديث عن تاريخ عظيم لم تشهد له البشرية مثيلاً، بلغ فيه المسلمون ذروة السمو والإخلاص لله تبارك وتعالى، أقاموا أوقافا لكل وجوه الخير التي تعدت حاجة الإنسان إلى حاجة الحيوان والنبات.. تكافل ورعاية وحضارة لم يعرفها غرب ولا شرق حتى اليوم.

وقد كان أول الأوقاف وأعمال الخير في بيت المقدس هو المسجد الذي بناه أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ حيث كان المسجد يتسع لثلاثة آلاف من المصلين، وجاء في «أحسن التقاسيم للمقدسي» أن من عناية عثمان بن عفان - رضي الله عنه- في القدس أنه أمر في خلافته بوقف قرية سلوان المجاورة للقدس ذات العيون والحدائق على ضعفاء المدينة المباركة .

 

تفريغ القدس من المؤسسات الفلسطينية لماذا؟!

تعد القدس من أكثر المناطق والمدن في فلسطين التي تم تفريغها من المؤسسات الفلسطينية عبر الكثير من القرارات والإجراءات التي اتخذتها مؤسسات الاحتلال بذرائع وحجج هدفها: "طمس العمل المؤسسي والمدني والاجتماعي الفلسطيني في القدس"!!

والمؤسسات التي لم يصبها داء الإغلاق، أسهم الجدار العازل في إخراجها من القدس قسراً!! ونقلت مقراتها من القدس وضواحيها لتستطيع تحقيق ولو الجزء اليسير من أهدافها التي أنشئت من أجلها، بعد أن منع أعضاؤها من الوصول للقدس ممن لا يحمل هوية مقدسية.

وفي الوقت نفسه أسهم الممولون الغربيون لعدد من المؤسسات والمراكز الأهلية المقامة في القدس، في تقديم الإغراءات لنقل المقرات والعمل في مدن الضفة وبالذات في رام الله، بحجة أن الجمهور المستفيد موجود فيها، وصعوبة وصول الأعضاء لها!!

وبعضهم يحمّل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير جزءا من مسؤولية عدم الحفاظ على وجود المؤسسات الفلسطينية في القدس؛ بسبب تسريع عملية نقل بعضها إلى المدن الأخرى، ورفع الدعم والموازنات لتلك المؤسسات مما أسهم في إغلاق بعضها، وإهمالها في عدم متابعة الإغلاق قضائياً وقانونياً برفع القضايا وتوكيل المحامين من أجل إعادة إحيائها، وتزامن كل ما سبق مع رفض الاحتلال إعطاء أية تراخيص جديدة لإقامة مؤسسات فلسطينية في القدس.

فالكيان اليهودي مارس منذ احتلاله لمدينة القدس أبشع الإجراءات والاعتداءات على الأوقاف الإسلامية، بدءا من تدمير حارة المغاربة الوقفية التي كانت تضم 135 بيتاً وأربعة مساجد والمدرسة الأفضلية وأوقاف أخرى. 

وطالت الاعتداءات قبور الأموات، فأقاموا متحفا أسموه: "متحف التسامح"!! على أرض مقبرة: "مأمن الله" التاريخية التي تضم رفات الصحابة والصالحين والفاتحين.

وسبق ذلك تدمير أكثر من 1200 مسجد في المناطق التي احتلوها عام 1948م، وحولوا ما تبقى منها إلى بارات ومطاعم ومراقص وبيوت للخنا والفجور الذي يجيدونه.

 

ماذا أراد اليهود لهذا الشعب ؟!

أرادوا لهذا الشعب أن يستجدي "رغيف الخبز" وأضحت معاناته محل سخرية المسؤولين اليهود؛ فقد نشرت الصحافة العبرية ما قاله (دوف فايسغلاس) في لقاء لقيادة حزب كديما: "سنجعل الفلسطينيين يضعفون دون أن يموتوا"؛ فانفجر المشاركون ضحكا!!

وتساءل بعض كتاب اليهود: لماذا تحرص القيادة اليهودية على إفهام الشعب الفلسطيني أن الحصول على الطعام ولوازم الحياة يلزمه العودة إلى رشده والقبول بكل ما تريده القيادة اليهودية!!

ومحصلة المعاناة في قطاع غزة  أن: أسرتين من بين كل ثلاث أسر تعانيان الفقر، وفي الضفة أسرة من بين كل ثلاث أسر تعاني الفقر والعوز .

 

أهداف الحملة اليهودية ضد المؤسسات الخيرية والتطوعية:

لا شك أن الحملة على المؤسسات الخيرية والاجتماعية والصحية في مدن الضفة الغربية هي حملة غير مسبوقة وتستهدف أمورا عدة، نذكر منها:

أولاً: هي حملة قريبة وإلى حد كبير من الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد المؤسسات الخيرية الإسلامية في العالم أجمع واتهامها جزافاً والعمل على إصدار الأحكام ورفعها إلى مجلس الأمن الدولي ليقرها عالمياً، وإن لم تمرر تلك القرارات  فإن بنوكنا العربية ستقوم بالواجب حتى من غير قرار، وتتخوف من التحويلات لجمعيات خيرية لا ذنب لها ولم تدرج ضمن قائمة الإرهاب الظالمة!

ثانياً: ما حدث في الكثير من المدن الفلسطينية من إغلاق مدارس ومؤسسات خيرية وصحية وتعليمية وإعلامية إلى حد مصادرة حافلات المدارس وأجهزة الحاسوب، واقتحام بلدية نابلس ومصادرة محتويات تلفزيون «آفاق» هو رسالة من قادة اليهود بأن مشروعهم مستمر، وأن أيديهم ستطول من تريد من الأفراد والمؤسسات  والممتلكات، وأن سيادة السلطة الفلسطينية في الضفة هي سيادة وهمية يراد منها فقط ضرب أي مشروع مقاوم للاحتلال وحفظ الأمن لليهود فقط!!

ثالثاً: الكيان اليهودي يعد العمل الخيري لفلسطين خطراً لابد من بتره؛ لأنه يمثل الرباط العقدي والنصرة الواجبة بين المسلمين، فقطع الصلة بين أبناء هذه الأمة عبر ما يقدمونه من دعم مادي ومعنوي لإخوانهم في أرض فلسطين ، هدف يهودي لابد من تحقيقه خلال الفترة الحالية لعزل أهل فلسطين عن نصرة إخوانهم في العقيدة، ولا شك أن إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني، القصد منه هو إيصاله إلى درجة الإحباط والاستسلام التام، لزعزعة أركانه ووجوده على أرضه وتمسكه بعقيدته ومقدساته .

رابعاً: وهدف اليهود من هذا التضييق إبقاء الفلسطينيين أذلاء على أبواب الاحتلال يستجدون لقمة عيشهم ولا يفكرون في كرامتهم وعزتهم، أما الشعب العربي والإسلامي المتحرق لدعم الشعب الفلسطيني بكل السبل، والذي يجد نفسه عاجزا أمام نكبتهم اليومية ولا يجد غير ماله ليجود به على إخوانه الفلسطينيين، فإن المطلوب منه الآن التخلي عن ذلك القليل الذي يقدمه، فلا مؤسسات يمكن دعمها والتعامل معها!!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك