العليم الحليم
(عبدالغني) و(عبدالحليم) من الأسماء غير الشائعة عند الكويتيين.
في الفصل الماضي كان اسم أحد طلبتي (عبدالحليم) وكان له نصيب من اسمه، فقد كان هادئ الطبع، كثير الصمت، شديد الذكاء، جلسنا مرات عدة نتحاور في مكتبي.
- هل تعلم كم مرة ورد اسم الله (الحليم) في كتاب الله؟
- كلا.
- ورد (الحليم) بتصرفاته إحدى عشرة (11) مرة، واقترن بـ(الغفور) ست مرات، وبـ(العليم) ثلاث مرات، وبـ(الغني) مرة واحدة، وبـ(الشاكر) مرة واحدة.
- هل كان الاسم الأول أو الثاني مع هذه الأسماء؟
- مع (العليم، والغفور، والشاكر) كان الاسم الثاني، أما مع (الغفور) فقد أتى قبله مرتين (الحليم الغفور) وبعده أربع مرات (الغفور الحليم) حسب مقتضى الآية.
كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة والنصف وبدأ الهدوء يدب إلى ممر القسم.
- ما الآيات التي اقترن فيها (الحليم) بـ(العليم)؟
- اعطني دقيقتين وسأقرؤها لك.
ضغطت على مفاتيح الحاسوب أمامي، وفي أقل من دقيقتين كانت الآيات على الشاشة.
- ها هي ذي.
{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴿12﴾}(النساء: 12).
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا }(الأحزاب: 51).
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ }(الحج: 58 - 59).
- إن اقتران الاسمين في آية الحج ظاهر المقصد؛ وذلك أن الله وعدمن قتل في سبيله من المهاجرين الجنة وهو سبحانه (عليم) بمن هاجر، يريد وجه الله، ومن هاجر لغير ذلك، وهو سبحانه (حليم) على هؤلاء وعلى عصاة خلقه، لا يعاجلهم بالعقوبة، بل يؤجلهم ويمهلهم لعلهم أن يصلحوا نياتهم وأعمالهم ويرجعوا إلى الله.
- وماذا عن آية سورة النساء؟
- ختم الله آية الميراث بقوله سبحانه: {والله عليم حليم)، وكما قيل فإن اسم الله (الحليم) فيه تحذير بأن هناك من يستحق العقوبة، ولكن الله لا يعاجله بالعقوبة، بل يؤجل له حتى يرجع ،في التفسير أن «الإضرار في الوصية من الكبائر» فمن فعله، والله يعلم من فعله، يستحق العقوبة، ولكن الله يؤجل ويمهل ليتوب العبد، ويحذر غضب (الحليم) سبحانه، ففي ذكر (الحليم) وعيد للعصاة، وفي تفسير الطنطاوي.
(والله عليم حليم) تذييل قصد به تربية المهابة في القلوب من خالقها العالم بأحوالها، إي والله (عليم) بما تسرون وما تعلنون وبما يصلح أحوالكم، وبمن يستحق الميراث، ومن لا يستحقه، وبمن يطيع أوامره، ومن يخالفها (حليم) لا يعجل بالعقوبة على من عصاه، فعليكم أن تستجيبوا لأحكامه حتى تكونوا أهلاً بمثوبته ورضاه.
وفيه تنبيه إلى أن الله يعلم ما في قلوب العباد، فينبغي على العبد أن يراقب الله بقلبه كما يراقبه بعمله، فلا يضمر ما لا يرضي الله، فإن هو فعل ذلك، فقد استحق العقوبة، ولكن الله لا يعامله بها؛ لأنه سبحانه هو (الحليم).
لاتوجد تعليقات