رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 18 يوليو، 2010 0 تعليق

العلاقات الإنسانية في المؤسسات الخيرية (3-3)

 

العلاقات بين الزملاء فيالمؤسسات الخيرية:

إن أهم ما يميز العلاقة بين زملاء العمل في المؤسسات الخيرية أن تلك العلاقة تقوم على مبدأ الأخوة في الله، فتجمع هذا الحشد من الشباب على مهام وأعمال خيرية عظيمة تسمو بالمسلم إلى المهمة الأصيلة في تعمير الأرض بالخير، ونشر التوحيد في أرجائها،  والذي يعد من أسمى الغايات التي قد يجتمع عليها مثل هذا الحشد، وهذه الغايات من المهام الجِسيمة في حياة البشرية لا يقدر عليها المسلم بمفرده، وإنما تتآزر جهود المؤمنين وطاقاتهم مجتمعة لتحقيقها.

فالأخوة الإيمانية هي الوحيدة التي تستطيع تنظيم مثل هذه التجمعات وضبطها؛ لتحقيق تلك الأهداف والغايات النبيلة، وإن هذا الشعور الذي يعلو فوق كل الحواجز والعلائق الأرضية، شعور عظيم يقطف ثماره كل من تخلق به سواء كان رئيسًا أم مرؤوسًا، وفي هذا إلماحة إلى فساد قلوب أولئك الذين يفرقون المسلمين الموحدين على أساس ولاءات عصبية، وجنسيات وتابعيات مقيتة، تفتت الأمة وتمزقها، وتضع الحدود التي تفصل بين أبنائها وتهدم أسس العمل الخيري الذي ما قام إلا على تأصيل وتثبيت مثل هذه المشاعر والأخلاق السامية.

ولقد وردت نصوص كثيرة في بيان فضل الأخوة في الله، والتحابب فيه، ليس المجال لذكرها هنا، ولكننا سنقف على بعض الحقوق التي بدورها تسهم في علاقات متميزة وتواصل فعال بين الزملاء في المؤسسسات الخيرية وداخل إطار العمل التي حث عليها الشرع انطلاقًا من المبادئ السابقة:

(1) طيب الكلام والبشاشة ورد السلام والفرح باللقاء:

طيب الكلام وحسنه بين الزملاء، مدعاة لجلب المحبة ودوامها، وفي هذا يقول المولى عز وجل : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البقرة:83)، ووصف عباده الصالحين بأنهم طيبو الكلمة فقال عز وجل: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} (الحج: 24)، وقال النبي[: «ثلاث يصفين لك ود  أخيك:  تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه» الحاكم (5815) وهو حسن لغيره.

(2)  خفض الجناح ولين الجانب والتواضع وإقالة العثرات:

خفض الجناح ، ولين الجانب ، وإظهار المودة للمؤمنين من دعائم العمل الجماعي؛ يقول الله سبحانه وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29)، فالتواضع بين الزملاء سواء كان رئيسا أم مرؤوسا يفتح القلوب وينشئ الألفة ، ويديم المحبة؛ قال رسول الله[: «إن اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» أبو داود بسند حسن (4250).

(3) السعي بالشفاعة الحسنة :

قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} (النساء:85)، والشفاعة تقوية لطلب صاحب الحاجة، يطلب شفيعا له ذا مكانة عند من حاجته عنده،؛ لأنه مجهول لديه ، أو لأنه مذنب تجاهه فيصلح ما بينهما، أو لغير ذلك من أسباب كثيرة يصعب حصرها وأمثلتها كثيرة في مجال العمل.

(4) بذل النصيحة والمشورة  بين الزملاء:

قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر: 1-3)، ورأس النصائح وأنفسها هي ما ورد في الآية الكريمةٍ «الحق والصبر»، فالنصيحة بالتوحيد والثبات عليه ، والنصيحة بالمنهج الحق والالتزام بالسنة والهدي النبوي، والصبر على ذلك كله هي من أغلى النصائح وأنفسها، وواجب على الموحدين بذلها فيما بينهم .

(5) التعاون والتآزر فيما بين الزملاء على البر والعمل الصالح:

فالمؤمنون بنيان واحد، يشد بعضه بعضاً؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2)، وقال رسول الله[: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» (البخاري:2266)، ويدخل في هذا الباب كل تعاون وتكاتف لفعل الخير والطاعة، ومن ذلك مساعدة الزملاء في تقديم ما ينفع من الأفكار والمشاريع الخيرية التي تخدم العمل العام ككل، ولا يقتصر فقط على القسم الذي يعمل به.

(6) ستر المسلم لأخيه المسلم:

روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي[: «من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة».

فمن حق المسلم على أخيه المسلم أن يستره ولا يفضحه، والله تعالى يكافئه من جنس عمله فيستره يوم القيامة، وجاء في حديث آخر أن الله يستره في الدنيا والآخرة .

وستر المسلم لأخيه المسلم يعتبر من مكارم الأخلاق، فإذا اطلع المسلم على خطيئة  أو نقيصة وقع بها فعليه أن ينصح أخاه سرًا، وإن لم يرجع عن ذلك الخطأ يخبر المسؤول المباشر فقط ولا يشيع ذلك بين باقي الزملاء، ويكون نيته في ذلك الحفاظ على زميله من الوقوع في الخطأ خاصة إذا كانت تلك الحقوق من الحقوق العامة التي ترتبط بها مصالح المسلمين الكبرى.

(7) إحسان الظن وسلامة الصدر:

ومن حسن المعاشرة بين الزملاء إحسان الظن بهم، وحمل ما يصدر عنهم من كلام على أحسن المحامل، وقد نهينا عن ظن السوء فإنه أكذب الحديث، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول[: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَ؛ّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيث، وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا، وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» البخاري  رقم (4747) .

وأخيرًا: إليك أخي الحبيب الوصايا الذهبية للعلاقات الإنسانية:

(1) اعمل على تكوين علاقات متنوعة وحافظ عليها:

تمتع بعلاقات طيبة متعددة مع الرؤساء والزملاء والعملاء والأصدقاء وحافظ عليها فهي رصيد لك.

(2) ركز على العلاقات لا الشخصيات:

في علاقاتك مع الآخرين، وركز على نوعية العلاقة بغض النظر عن شخصية طرف هذه العلاقة.

(3) طبق نظرية المنافع المتبادلة:

لكي تستمر العلاقة مع الآخرين يجب أن تكون هناك منافع متبادلة بين أطراف هذه العلاقة؛ بحيث لا يشعر أحد الأطراف أنه وقع في موضع الضحية.

(4) تجاهل المضايقات الصغيرة:

كُفّ عن التركيز على التوافه من الأمور، وركّز على الأمور المهمة التي تؤثر على العلاقة.

(5) ضع لنفسك علامة تحذير:

كن مراقبًا لنفسك فهل بدأت تتصرف بسلبية أو بإيجابية تجاه الأشخاص أو المواقف، وهل يؤثر ذلك على علاقتك بهم أم لا؟

(6) اختر مستشاريك بعناية:

أنت بحاجة مستمرة إلى دعم من حولك، ولكن يجب أن تختار أشخاصًا يتصفون بالحكمة والموضوعية حولك يرشدونك ويوجهونك تستنير بآرائهم وأفكارهم.

(7) كيف تبتعد عن المشكلات:

تعود على قضية الانسحاب من الموقف، ولا تفسره ضعفًا، وإنما سمّه حلا للخلاف، وتجنب الوقوع ضحية.

(8) تنازل في الوقت المناسب:

يعدّ التنازل من أجل حماية مستقبلنا وعلاقتنا ذكاءً اجتماعيًا؛ لأنه يعد مكسباً لك، عندما يكون هو الوسيلة الوحيدة لاستعادة العلاقة.

(9) موقفك أثمن ما لديك فحافظ عليه:

تساعد نوعية المواقف في تقوية وتوطيد العلاقة بين الزملاء أو العكس، فكلما كانت مواقفك إيجابية كان ذلك دليلا على قوة شخصيتك ومثاليتك والعكس صحيح، واعلم أن كسب الرجال أفضل من كسب المواقف.

وختامًا: يجب التعامل مع زملاء العمل باعتبارهم أناسا يمتلكون أحاسيس ومشاعر وأفكاراً وطرقاً مختلفة عن بعضهم، ولنتعامل بمبدأ: «ما تزرعه تحصده»، فإذا زرعت ورداً جنيت ورداً، وإذا زرعت شوكاً فلك أن تتحمل ما يأتيك من الألم والمصاعب!!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك