رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 13 يوليو، 2010 0 تعليق

العلاقات الإنسانية في المؤسسات الخيرية (1-3)

 يظن كثير من الناس أن المجتمع الإنساني داخل المؤسسة الخيرية مجتمع مثالي بكل المقاييس، ولاسيما فيما يتعلق بالقيم والأخلاقيات التي تحكم العلاقات بين أفراده سواء العلاقة بين الزملاء أم العلاقة بين الرئيس والمرؤوس.

ومن المفترض أن هذا المجتمع هو نموذج للمجتمع الإسلامي النموذجي الذي تحكمه ضوابط الشريعة وقيمها، وأن القائمين عليه لديهم كافة الصلاحيات لولي الأمر الذي ولاه الله على فئة من الناس، قلّت تلك الفئة أم كثرت، وأن الضوابط والقوانين الإدارية المنظمة للعمل ما هي إلا لتسيير العمل وتنظيمه وفق القوانين والإجراءات الإدارية للدولة.

فهل واقع العلاقات الإنسانية داخل المؤسسسة الخيرية على هذا المستوى الذي يظنه كثير من الناس؟ 

والمتأمل في واقع بعض مؤسسات العمل الخيري يجد بونًا شاسعًا بين هذا الواقع وما يجب أن تكون عليه تلك العلاقة، فكثير من القيم الأخلاقية التي من المفترض أن تحكم تلك العلاقة من الأخوة الصادقة وسلامة الصدر والرحمة والتكافل وغيرها من العلاقات سواء بين الزملاء أم بين الرؤساء والمرؤوسين أو العكس غابت عن واقع هذه المجتمعات.

قبل الحديث عن أهمية العلاقات الإنسانية ودورها الفاعل في التنمية لا بد من التعرض لأسباب هذه الظاهرة التي من أهمها:

• غياب القناعة الكاملة لدى المسؤولين عن أهمية هذا الجانب في رقي العمل المؤسسي وتقدمه.

• عدم وجود نظام دقيق للتوظيف والاختيار يقوم باختيار الكفاءات التي لديها حب وتقدير للعمل الخيري فضلا عن تمتعها بالأخلاق والقيم الإسلامية والحب للمنهج الذي تقوم عليه هذه المؤسسة أو تلك.

• التركيز على أهمية المهارات الفنية وقيمتها، وتجاهل قيمة ما يسمى بمهارات الذكاء الاجتماعي والأخلاقي وأهميته.

• غياب التوعية المنهجية من قبل المؤسسة بأهمية هذه العلاقات بين العاملين وضرورتها سواء كانوا رؤساء أم مرؤوسين.

• فشل بعض المسؤولين في تقديم النموذج المثالي والقدوة الحسنة للقائد في تلك المؤسسات.

هذه بعض الأسباب في ظني التي أوجدت هذا القصور والنقص في العلاقات الإنسانية داخل المؤسسة الخيرية. 

ولا أظن أن أحداً من الناس يجادل في أهمية العلاقات الجيدة، ودورها الفعال في جميع مجالات الحياة على مستوى الشعوب والأفراد والمؤسسات؛ ولذلك فالحديث عن أهمية العلاقات يعد من نافلة القول، ولكن الحديث عن العلاقات الإنسانية في بيئة العمل له خصوصية بذاته ولاسيما في مؤسسات العمل الخيري الذي كما ذكرنا تحكمه ضوابط وقيم الشريعة الإسلامية التي ما جاءت إلا لتعزز مكارم الأخلاق وترفع من قيمة الإنسان وشأنه.

ومعلوم أن كثيراً من التصرفات التافهة غير المقصودة قد تتسبب في إفساد الكثير من العلاقات، وبالرغم من أن هذه التصرفات غير مقصودة إلا أنها تدل على عدم الإحساس والشعور بالطرف الآخر وعدم التقدير لأهمية المكان الذي تشرف هؤلاء بالانتماء له وقيمته.

ولما كان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كان من الواجبات الشرعية للقائمين على إدارة المؤسسات الخيرية تنمية  علاقات إنسانية جيدة ومتميزة داخل المجتمع الوظيفي بالمؤسسة من خلال الوسائل المختلفة من دورات تدريبية أو محاضرات أو نشرات، وأهم من ذلك كله القدوة الحسنة لقيادات تلك المؤسسات الذين يقع على عاتقهم العبء الأكبر في هذا الشأن.

والعلاقة بين جودة الأداء المؤسسي وجودة العلاقات الإنسانية علاقة طردية؛ حيث إن العلاقات الجيدة تحقق الأهداف التالية:

(1) تضمن تحقيق الرضا الوظيفي للعاملين.

(2) تثير الدوافع للعمل والأداء الجيد.

(3) تخفف وطأة الآلية المفرطة في العمل.

(4) تجدد من الأساليب الروتينية التي تضفي على العمل الملل.

(4) تمنح فرصاً لبذل الجهد والإنجاز المتميز والابتكار.

(5) ترفع من الروح المعنوية التي تثير الدوافع للعمل والإنتاج.

(7) تبعد الاضطرابات النفسية, أو التشاحن, أو الحقد, أو الحسد, فالكل متساو في الحقوق والواجبات .

(8) تولد الشعور بالانتماء والولاء للعمل الخيري  .

(9) تملأ الجو العام للعمل  بالأخوة والمودة, والألفة, والمحبة, والتعاون, والصدق, والأمانة..إلخ .

(10) تمنع التسيب , أو المجاملة داخل بيئة العمل .

وقد حدد ديننا الحنيف أهم المبادئ التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية التي لا بد أن يراعيها القائمون على رأس المؤسسات الخيرية لبناء علاقات إنسانية متميزة داخل بيئة العمل:

(1) التواضع: قال الله تعالى: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} (الشعراء: 215)، وهي سمة لا بد من توافرها في القائمين على رأس العمل الخيري.

(2) التشجيع : قال الله تعالى {ولا تنسوا الفضل بينكم} (البقرة:237)، فالمدير الجيد لا بد أن يختار من أساليب التشجيع ما يناسب موظفيه مراعيًا في ذلك الفروق الفردية، وربما يلاحظ بعض الناس غياب هذا المبدأ بصورة واضحة، فالتركيز يكون دائمًا على الأخطاء والسلبيات دون التركيز على الإيجابيات والنماذج المتميزة.

(3) التعاون : قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة: 2)  فلا بد للمدير أن يشجع العمل الجماعي وإشعار الموظف بأن له شأناً، وأنه عضو أساس في المؤسسة.

(4) الشورى: قال تعالى: {وشاورهم في الأمر} (آل عمران: 159) وللشورى أهمية عظيمة في المجال الخيري؛ حيث إن أسلوب الشورى يضفي على الإدارة  جو العلاقات الإنسانية بتقوية رابطة الألفة والمحبة بين القائد والعاملين وتحقيق الراحة والرضا والطمأنينة؛ مما يؤدي إلى سرعة تقبل القرار والعمل على تنفيذه بالصورة المطلوبة .

(5) العدل : قال الله تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} (الأنعام:152) فالموضوعية والبعد عن التحيز من أهم سمات العدل لدى المدير.

(6) القدوة الحسنة : قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (الأحزاب: 21)، وكان الرسول[ أحسن الناس خلقاً حيث ألف بين القلوب وجمع الناس من حوله بتلك الأخلاق؛ فلا بد للمدير والمسؤول أن يكون قدوة لمرؤوسيه في كل أفعاله وتصرفاته ولاسيما في علاقاته الإنسانية بهم.

(7) المسؤولية : قال الرسول الله[ : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فالشعور بالمسؤولية يؤدي إلى الإحساس بالإيثار وحب الآخرين .

(8) الرحمة : قال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} (الفتح:29) فالرحمة بين العاملين في المجال الخيري تعد أهم ركائز العلاقات الإنسانية؛  عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله[: لا يرحم الله من لا يرحم الناس البخاري.  وللحديث بقية إن شاء الله. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك