رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 5 أغسطس، 2010 0 تعليق

الطريق إلى الموظف المثالي في مؤسساتنا الخيرية 9 والأخيرة

 

 

التقييم والمتابعة

أيها القارئ الكريم، ها هي ذي رحلتنا أوشكت على الانتهاء؛ حيث وصلت إلى محطتها الأخيرة على طريق الوصول إلى الموظف المثالي، ومحطتنا هذه من أهم المحطات التي توقفنا عندها؛ لأنها المحصلة لما سبق الحديث عنه، فالتقييم والمتابعة لأي عمل مهما صَغُر أو كَبُر وقياس مدى تحقق الأهداف التي وضع من أجلها، من أهم أسس الإدارة الحديثة، ومن خلاله يتم رسم السياسات ووضع الأهداف والرؤى المستقبلية للمؤسسة، والحكم على قدرة الموظفين على تحقيق تلك الأهداف والسياسات.

وتعد عملية التقييم والمتابعة عنصرًا مهمًا لاستقامة العملية الإداريَّة؛ حيث يتم قياس أداء العاملين وسلوكهم أثناء فترة زمنية محددة ودورية، وتحديد كفاءة الموظفين حسب الوصف الوظيفي المحدد لهم من خلال الملاحظة المستمرة من قبل المسؤول المباشر، ويترتب على ذلك إصدار قرارات تتعلق بتطوير أدائهم من خلال حضور برامج تدريبية، أو قرارات تتعلق بترقيتهم أو نقلهم، وفي أحيان أخرى الاستغناء عن خدماتهم.

ومفهوم التقييم أو المتابعة أصل من أصول شريعتنا الإسلامية؛ حيث يستخدم مرادفًا له في المفهوم الشرعي مصطلح «الرقابة».

ولقد حرص الإسلام؛ على تنمية هذا المفهوم باستمرار، وأكد القرآن الكريم هذا المعنى في آيات كثيرة منها على سبيل المثال قول الله تعالى: {يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إنَّ الله كان عليكم رقيبًا}  (سورة النساء: 1)، فقد ذكر المفسرون في قوله تعالى: {واتقوا الله الذي تسآءلون به} أي وأنتم يسأل بعضكم بعضًا أداء الحاجات، فالتقوى ملازمة للعمل، والرقابة في أثناء هذا الأداء.

وفي السُنّة النبويّة نجد أمثلة كثيرة لهذا المفهوم من سيرة النبي [ وسيرة صحابته رضوان الله عليهم؛ ففي صحيح مسلم: عن أبي حميد الساعدي قال: «استعمل رسول الله [ رجلاً من الأسد يقال له: ابن اللتبية قال عمرو وابن أبي عمر: على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي ؛ قال: فقام رسول الله [ على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي؟ أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟! والذي نفس محمدٍ بيده لا ينال أحدٌ منكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ثم قال: اللهم هل بلغت. مرتين».

  وكان أبو بكر يمارس الدور الرقابي بنفسه على عمّاله، فعندما جاءه معاذ ابن جبل من اليمن قال له أبو بكر ]: ارفع لنا حسابك. وذكر الطبري أنه كان يراقب ويتابع ولاته مراقبة شديدة، فكان لا يخفى عليه شيء من عملهم.

وأمّا عمر ] فقد طوّر آلية الرقابة والمتابعة الإدارية؛ إذ كان مهتمًا بهذا الأمر أشدَّ الاهتمام، فقد قال يوما لجلسائه: «أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته فعدل، أكنت قضيت ما علي؟ قالوا: نعم، قال: لا، حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا».

وفي المفهوم الإداري يعرف تقييم الأداء على أنه نظام يستخدم لقياس الأداء الوظيفي للعاملين من خلال مقارنة الأداء الفعلي بالمقاييس والمعايير المحددة مسبقاً، ويهدف هذا التقييم إلى أمور عدة منها:

(1) إطلاع المدراء ومتخذي القرار على مستوى أداء الموظفين في المؤسسة.

(2) معرفة مدى مساهمة الموظفين في تحقيق أهداف المؤسسة ومدى ملاءمة الموظف للوظيفة التي يشغلها بشكل موضوعي وعادل.

(3) إشعار الموظفين بالمسؤولية وإعلامهم أنه سيتم تقدير جهودهم، وأن القرارات التي تتخذ بشأنهم من ترقية ونقل وغيرهما تتم وفق معايير وضوابط محددة.

(4) مساعدة المدراء على اتخاذ قرارات بشأن تحسين أداء الموظفين وتطويره، واقتراح المكافآت المادية والمعنوية بناءً على مستوى الأداء وتميُّزه؛ مما يساعد على رفع الروح المعنوية وتقليل معدل دوران العمل.

(5) المساعدة على التعرف على السلبيات والإيجابيات في أداء الموظفين، فيتم تحديد الاحتياجات التدريبية الفعلية التي تطور وتعالج السلبيات وتدعم وتقوي الإيجابيات.

ويعد الهدف الرئيس من عملية تقييم الأداء هو إعطاء العاملين تغذية عكسية عن مدى كفاءتهم في القيام بواجباتهم الوظيفية وكذلك توجيههم في تطوير أدائهم مستقبلاً.

 ومن هنا يتضح لنا مدى أهمية تقييم الأداء في تطوير أداء الموظف والوصول به إلى الكفاءة المطلوبة والمثالية التي نريد.

وتعد عملية التقييم والمتابعة من أهم مهام القائد المتميز؛ حيث يؤكد علماء الإدارة أنه: «لا قيادة ناجحة بلا متابعة فاعلة»، فمن خلال المتابعة يستطيع القائد معرفة مواطن الخلل فيصلحها، ومواطن التميز فيدعمها ويثبتها، وهذه المتابعة صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قال الله تعالى: {الَّذِين إِن مكَّناهم فِي الأرضِ أقَاموا الصلاةَ وآتوا الزكَاةَ وَأمروا بِالْمعروفِ ونهوا عنِ الْمنكَرِ ولِلَّهِ عاقِبةُ الأمورِ} (الحج: 41)

ومع ما للرقابة الذاتية من أهمية إلاَّ أن كثيرًا من النفوس تحتاج إلى رادع خارجي، ويروى عن عثمان ] قوله: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، أي إن هيبة السلطان والخوف من عقوبته ترتدع أكثر من المواعظ لكثير من الناس لضعف إيمانهم، ولا يتأتى هذا إلا إذا شعر هؤلاء أن أعمالهم التي يؤدونها وسلوكياتهم وتصرفاتهم يتم تقييمها ومتابعتها من قبل أرباب العمل؛ فيتولد لديهم هذا الشعور بالأهمية.

والسؤال الذي يطرح نفسه دائمًا في كل محطة نقف عندها: ما واقع هذا المفهوم في مؤسساتنا الخيرية؟ وللإجابة عن هذا السؤال قمت بعمل استطلاع رأي لأهم خمس جمعيات خيرية هنا في الكويت، فوجدت وللأسف الشديد غياب مفهوم التقييم والمتابعة عن قاموس العمل الإداري في تلك الجمعيات..!!

فهل يعقل أن مؤسسات ضخمة لديها كم هائل من الموظفين وأفرع ولجان في كل مكان في الداخل والخارج، ليس لديها نموذج معتمد لتقييم أداء موظفيها وتقارير دورية عن أدائهم وسلوكياتهم وكفاءاتهم المهنية؟

إذًا على أي شيء يتم اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بمسيرة الموظف داخل المؤسسة، سواء ترقيات أم جزاءات أم مكافآت أم حتى الفصل النهائي من المؤسسة؟

أعتقد كما يعتقد كثيرون غيري أنَّ بعض أو أغلب تلك القرارات أو أغلبها تتخذ بصورة فردية من المسؤول المباشر دون أي معايير سواء إدارية أم فنية، وربما يحكم تلك القرارات المزاجية في أحيان كثيرة.

ونحن لا نتجنى على أحد ولا نتهم أحدًا بعينه، وإنَّما هي الحقيقة التي لا يماري فيها أحد وكثير من الدلائل والوقائع تؤكد ذلك..!!

ولعل السبب في غياب التقييم عن المؤسسات الخيرية أنه يعد من العمليات الإدارية المعقدة التي تحتاج إلى نوع خاص من الاهتمام، بل إلى لجان خاصة لوضع المعايير والضوابط المناسبة لها ولاسيما في مؤسسات العمل الخيري، فضلاً عن أنها تصيب المدراء بالتوتر والإحباط؛ حيث ذكر لي بعضهم أنهم حاولوا أكثر من مرة تنفيذ هذا التقييم إلا أن التجربة تبوء دائمًا بالفشل.

لذلك فإن أهم الخطوات الفاعلة لتطبيق هذا المفهوم في مؤسساتنا الخيرية من وجهة نظري تتم من خلال النقاط الآتية:

(1) الاهتمام ثم الاهتمام: يجب على المسؤولين إدراك أهمية التقييم فيبذلون الوقت والجهد والمال لتنفيذ هذا المشروع؛ حتى ينعكس ذلك على أداء العاملين؛ لأن استشعار العاملين أن الإدارة لا تولي هذا الأمر اهتمامًا كافيًا، يدفعهم إلى الخمول والتوقف عن بذل المزيد من الجهد.

(2) التدريب والتعليم: قاعدة مهمة يجب أن تنطلق منها المؤسسة لتنفيذ هذا المفهوم على أرض الواقع وحتى يستطيع المسؤولون التعرف الكامل على آليات التقييم الفعال للموظفين.

(3) التعرف على خبرات وتجارب الآخرين: لا شك أنه من المفيد التعرف على تجارب الآخرين للاستفادة من خبراتهم ولاسيما إذا كانت المؤسسة تطبق هذا المفهوم لأول مرة.

(4) وضوح المعايير لكل من المديرين والموظفين: فالتقييم من أهم المحفزات للموظفين، ومن حق الموظف أن يعرف على أي شيء يتم تقييمه حتى يكون التقييم مُنصفًا ومحفزًا في الوقت نفسه.

ختامًا: لا شك أن المحطات التي توقفنا عندها لا تكفيها تلك الصفحات، وإنما هي إشارات وإضاءات وضعناها أمام المسؤولين في العمل الخيري لعلها تلفت انتباههم إلى أهميتها وضرورة الأخذ بها؛ لأننا في أمس الحاجة إلى بناء نموذج مثالي متكامل للعمل المؤسسي في مؤسساتنا الخيرية التي أصبحت غَرَضًا لسهام الحاقدين في الداخل والخارج؛ فلابد من بذل الجهود وشحذ الهمم والطاقات لبناء موظفين مثاليين يشكلون لبنات هذا البناء الذي ننشد، وحتى نستطيع الحفاظ على هذا الثغر العظيم من كيد الأعداء والماكرين.

وإلى أن نلتقي في رحلة أخرى نستودعكم الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك