رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 21 يوليو، 2010 0 تعليق

الطريق إلى الموظف المثالي في مؤسساتنا الخيرية 1

 

 

الموظف المثالي عملة نادرة وكنز ثمين يتعب كثير من أصحاب الأعمال في الحصول عليه ولاسيما في هذا الزمن الذي  تغيرت فيه كثير من الموازين وعز فيه الإخلاص،  فقليل من الناس ممن رحم الله يقوم بتأدية عمله على الوجه الأكمل، وكثير منهم يؤدي عمله بطريقة روتينية طابعها الملل والكلل من أي مجهود لا يوازي ربع ما يتسلمه أو نصفه في آخر الشهر من مال، وقليل أيضًا من هؤلاء الذين يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم.

ويحزن المرء كثيرًا حين يجد هذا الواقع في مؤسسات العمل الخيري التي من المفترض أنها تمثل النموذج المثالي للعمل المؤسسي الإسلامي المنظم في العصر الحالي، ويستشعر المرء ذلك حين يدخل إلى إحدى المؤسسات الخيرية ويجد الضجر والضيق على وجوه كثير من العاملين فيها، بل يحزن أكثر حينما يسمع من أحدهم كلمة ذم أو مقت في المنهج الفكري والدعوي الذي تتبناه تلك المؤسسة؛ نظرًا لما قد يراه من سوء معاملة – من وجهة نظره – من بعض قيادات هذه المؤسسة، وتجده يعمم كلمات النقد والذم للملتزمين بهذا المنهج مما يوقعه في إثم عظيم لا يدرك خطورته إلا حين يلقى الله عز وجل.

وأتساءل كما يتساءل غيري: أين الخلل؟ وكيف يمكن للمؤسسة أن تحقق أهدافها ورسالتها ومثل هذه النوعية من العاملين هي التي تشكل الصورة الذهنية لها في المجتمع؟

• هل الخلل في المؤسسة التي فشلت في اختيار الموظف المناسب الذي يحقق رسالتها وأهدافها؟

• أم الخلل في المؤسسة التي لم تستطع إيصال رؤيتها ورسالتها وأهدافها بوضوح إلى هذا الموظف وفشلت في تربيته على القيم الأخلاقية والمهنية التي قامت عليها؟

• أم الخلل في الموظف نفسه الذي أجبرته ظروف العمل على الوجود في هذا المكان من أجل لقمة العيش ولم يعِ شرف المكان الذي انتمى إليه؟

يحزن المرء كثيرًا حين يجد بونًا شاسعًا بين الصورة الذهنية للعمل الخيري المتمثل في هذه المؤسسة وبين الصورة الذهنية التي يُرى عليها بعض الموظفين أو كثير منهم فيها!

هذا التناقض الغريب بين الصورتين أرقني كثيرًا لا لشيء إلا لحبي الشديد لهذا العمل المبارك، هذا العمل الذي يعد الشامة التي تزين جبين أمتنا في الوقت الراهن في ظل فشل كثير من المؤسسسات الرسمية في تقديم النموذج المثالي الشامل والمعاصر لعظم هذا الدين وسموه وسماحته.

أكتب هذا المقال بقلب محب لا أنتقد فيه أحدًا بعينه، وإنما هي إضاءات سريعة وخطوات عملية ترشدنا إلى كيفية الوصول إلى هذه الفئة النادرة التي فقدنا كثيرًا منها في مؤسساتنا الخيرية.

ونقول بداية: إن الإسلام لم يغفل بحال من الأحوال الاهتمام بهذا الجانب؛ حيث بين رسول الله[ أن من علامات الساعة «الفساد الإداري» المتمثل في تنصيب غير المؤهلين، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما النبي[ في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله[ يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال[: «أين السائل عن الساعة؟» قال: هأنا يا رسول الله، قال: «إذا ضُيِّعَت الأمانة فانتظر الساعة»، قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».

وعليه فمن الأمانة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والرجل المناسب هو المؤهل لشغل وظيفة ما، وقد دلت آيتان في القرآن أن الرجل المناسب أو المؤهل هو من يتمتع بصفتين- بصرف النظر عن نوع الوظيفة- وهما: الديانة والكفاءة، أو كما سماهما الله: "القوة والأمانة" – في سورة القصص- و:"الحفظ والعلم" – في سورة يوسف- قال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص: 26)، والأكفاء هم الذين يستطيعون القيام بالعمل بإجادة وإتقان، وتقوم المؤسسات والشركات بوضع مواصفات ومعايير معينة للشخص المناسب المتقدم للوظيفة؛ لضمان توظيف الكفء في هذه الوظيفة، وهو ما يُعرَف بـ"الجدارة"، ومن تولى وهو غير كفءٍ كان ما يفسد أكثر مما يصلح.

ويصف علماء الإدارة هاتين الصفتين بالآتي:

قدرة الموظف على إنجاز الأعمال الموكلة إليه بدقة واحتراف.

وأمانته في إنجازها على الشكل الأمثل الذي يطلبه صاحب العمل.

هاتان الصفتان الرئيستان هما ما يبحث عنهما كل رب عمل، ولقد جمع بينهما القرآن الكريم بإعجاز عجيب كما ذكرنا؛ حيث جعلهما ركيزتين أساسيتين اعتمد عليهما في تلخيص صفات الأفضلية في الموظف المثالي.

والصفتان متلازمتان؛ لأن القوي قد لا يؤدي أعماله بكفاءة إن لم يكن أميناً مع أنه قادر عليها، وكذلك الأمين لا يمكن أن ينجح في أداء عمله إن لم يمتلك القدرة والمهارة على أدائه جيداً بالرغم من صدقه وأمانته.

لذلك علينا عند اختيار العاملين ألا نكتفي بكونهم ثقات أو أمناء، وإنما لا بد من صفة القوة، أي القدرة والخبرة والاحترافية، وكذلك لا يمكننا تولية الخبير دون النظر إلى مدى صدقه وأمانته وإخلاصه .

وقد جمع علماء الإدارة مقومات النجاح والتميز للموظف المثالي التي هي مزيج من المهارات والمعرفة الوظيفية والذكاء الوجداني والمعرفة والدراية بالعمل، في خمس مهارات أساسية تبنى عليها جميع المهارات الأخرى وهي:

< يستطيع بناء كفاءته ومهارته المهنية بصفة مستمرة.

< يتعامل مع رئيسه معاملة جيدة ويشاركه.

< لديه القدرة على بناء علاقات داخلية وخارجية قوية.

< يتوافق مع ثقافة المؤسسة ورسالتها.

< يزيد دائمًا من معرفته ودرايته بطبيعة الأعمال التي يقوم بها.

فالموظف الناجح والمتميز يجب أن يؤدي الأعمال تأدية ممتازة نابعة من كفاءته ومهارته المهنية، ويجب أن يكون ماهرًا في التواصل مع الموظفين وبيئة العمل، وأن يبني علاقات جيدة معهم، والأهم من ذلك يجب أن يعمل بطريقة تخدم أهداف المؤسسة من خلال التوافق مع ثقافتها ورسالتها، لا ما يراه هو فحسب؛ فكل عمل ناجح لا قيمة له إن لم يكن يخدم أهداف المؤسسة ورسالتها، كذلك يجب أن يعلم أنه يعمل في مؤسسة غير ربحية ولابد له من زيادة درايته ومعرفته بطبيعة هذا النوع من الأعمال الذي يختلف كليًا عن طبيعته في المؤسسات غير الربحية.

هذه المقومات والمعايير الأساسية لوصفة النجاح والتميز يجب أن يكون كلا الطرفين: الموظف والمؤسسة على وعي كامل بها، وسيكون لنا معها وقفة تفصيلية إن شاء الله فيما بعد.

فالمؤسسة إن لم تكن لديها هذه المعايير واضحة تمامًا وتأخذها مأخذ الجد في اختيار موظفيها فإنها تكون قد فشلت في الخطوة الأولى لهذا التزاوج بينها وبين الموظف لبناء المنظومة الإدارية المتميزة للعمل الخيري الذي تتبناه.

 فالاختيار السليم هو نقطة الانطلاق على الطريق الصحيح للنجاح والتميز في مؤسساتنا الخيرية، وسيكون محطتنا الأولى على هذا الطريق في العدد القادم إن شاء الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك