رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 31 يوليو، 2010 0 تعليق

الطريق إلى الموظف المثالي في مؤسساتنا الخيرية (7)

 

 

الدعم والتحفيز (7 - 1)

لا شك أنَّ المحطة السابقة التي توقفنا عندها كانت انطلاقة قويَّة ومُحفِّزة لهذا الموظف الذي نؤمل فيه أن يصل إلى المثالية المنشودة، ولعلنا استطعنا بعون الله إذابة جبل الثلج الذي يقف عائقًا أمام تفهم بعض المسؤولين في العمل الخيري لأهمية التدريب بوصفه عنصراً أساسياً في الارتقاء بمؤسساتهم، ونحن حين نتكلم عن التدريب فإننا نتكلم عن أهم المحفزات التي تؤثر تأثيراً فاعلاً في مسيرة هذا الموظف، فالتحفيز وهو محطتنا الحالية التي نتوقف عندها بمنزلة الوقود الذي يحرك دافعية العاملين للبذل والعطاء، فالخيرون يتحفزون لعمل ما يعتقدونه أكثر ارتباطاً بمصلحة دينهم؛ مما يدفعهم إلى إنجازات عظيمة وأعمال إنسانية كبيرة.

ومن المهم جدًا عند الحديث عن التحفيز إدراك حقيقة مهمة، وهي أنك لا تستطيع أن تحفز الآخرين، ولكنك تستطيع فقط أن تؤثر على ما يحفزهم، كالمثل القائل: إنك تستطيع أخذ الحصان إلى الماء ولكنك لا تستطيع إجباره على الشرب، فالمدير لا يستطيع أن يحفز مرؤوسيه ولكنه يستطيع أن يوجد لهم المؤثرات التي تدفعهم وتحفزهم على إتقان الأعمال وإنجازها.

والحديث عن التحفيز أمر في غاية الأهمية؛ لأنك لا تكاد تجد عملاً من الأعمال إلا وهو مبني على التحفيز؛ لذلك ومع أهمية هذا الموضوع فسنفرد الكلام عنه في حلقتين، الأولى نخصصها للكلام عن دلالاته من القرآن الكريم والسنة النبوية، ونكمل في العدد القادم الكلام عنه من الناحية الإدارية حتى نستطيع إعطاءه حقه من البحث بإذن الله.

وبداية نقول: إن التحفيز من المبادئ الإسلامية الأصيلة، فالمنهج الإسلامي يحث على تحفيز الأفراد لإنجاز الأعمال على أفضل وجه ممكن سواء في الأعمال الدنيوية أم في الأعمال الأخروية، فالجنة والنار ما خلقهما الله جل وعلا إلا لذلك؛ فالجنة من المحفزات الإيجابية التي تدفع إلى العمل والمسارعة إلى الخيرات، والنار من المحفزات السلبية التي تدفع أيضًا إلى العمل ولكن مع الخوف من اقتراف السيئات والمنكرات.

نماذج من التحفيز في القرآن الكريم:

القارئ لكتاب الله تعالى والمتدبر في آياته، يجد الكثير من الآيات التي تستخدم أسلوب التحفيز والتي تحث الناس على القيام بأفعال معينة، أو ترك أمور بعينها في مقابل أن يحصلوا على فوائد دنيوية وأخروية، وليست أخروية فقط.

ومن ذلك قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96).

وأيضا قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (نوح: 10 - 12).

إذًا التحفيز على أمور دنيوية وأخروية موجود في كتاب الله تعالى، فضلا عن الآيات التي تتحدث عن عاقبة المؤمنين من النعيم المقيم عند الله تبارك وتعالى بأن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ولهم، ولهم.

وكذلك قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} (الكهف: الآية30)؛ حيث إن الأجر هنا يشمل سائر المزايا التي يمنحها الله لعباده الصالحين سواء كانت مادية أم معنوية.

وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (الزلزلة: 7-8). وهنا دلالة على نوعين من أنواع الحوافز هما: الحوافز الإيجابية (الثواب)، والسلبية (العقاب)، فالله عز وجل يَعِد الذين يفعلون الخير بأن لهم ثوابا كبيرا، والذين يعملون الشر بأن لهم عذابا عظيما.

أما النماذج من السنة النبوية فكثيرة منها على سبيل المثال:

الرسول[ يمنح الأوسمة في غزوة ذِي قَرَد:

وذلك في قَوْله[: «… كَانَ خَيْرَ فُرْسَاننَا الْيَوْم أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرَ رَجَّالَتنَا سَلَمَة» جزء من حديث رواه الإمام مسلم.

وفي هذا الحديث يقول الإمام النووي رحمه الله: «هَذَا فِيهِ اِسْتِحْبَاب الثَّنَاء عَلَى الشُّجْعَان وَسَائِر أَهْل الْفَضَائِل ولَا سِيَّمَا عِنْد صَنِيعهمْ الْجَمِيل؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرْغِيب لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فِي الْإِكْثَار مِنْ ذَلِكَ الْجَمِيل، وَهَذَا كُلّه فِي حَقّ مَنْ يَأْمَن الْفِتْنَة عَلَيْهِ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوه» شرح النووي على مسلم.

وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله[: «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» سنن ابن ماجة، وقال أبو سعيد: «‏‏‏إذا استأجرت أجيرًا فأعلمه أجره» سنن النسائي.

ويطالب الإسلام بالاتفاق على الأجر قبل بدء العمل مع وجوب الوفاء الفوري به؛ حتى يصبح مفعولاً حافزًا على مواصلة العامل لعمله بكفاءة.

وعن أبي قتادة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله[: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ ‏سَلَبُهُ». وهذا من تحفيزه المادي[ للجنود على الثبات والإقدام وتحقيق النصر.

- وقد كان من مبادئ النبي[ في التحفيز «التخيير» كما حدث في غزوة حنين حين قال: «ألا فارس يحرسنا الليلة؟»، وفي غزوة الأحزاب: «ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟».

ومن وسائله[ في التحفيز «الابتسام»؛ فعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه- أنه قال: «ما حجبني رسول الله[ منذ أسلمت ولا رآني إلا وضحك»، فمن منا يذكر أحدًا من المسؤولين ما رآه إلا تبسم في وجهه؟! هذا التفعيل الذي كان يمارسه النبي[ هو من صميم هذا المفهوم للتحفيز والتأثير؛ إذ إنه مرحلة أرفع قدرًا وأعمق أثرًا من مرحلة التأثير المباشر المتمثل في الأمر والنهي، فالمرحلة الأولى هي الفاعلية بمعناها القاصر: «أعطيك سمكة» والمرحلة الثانية هي المعنى الكامل للفاعلية: «أعلمك الصيد».

مع التحفيز ترتفع معدلات الإنجاز لدى الأفراد:

وهذا ما حدث مع المسلمين في غزوة بدر، عندما خرج رسول الله[ إلى الناس فهيأهم وحرضهم، وأعطى للتحفيز وقته الكافي؛ فهو أعلم الناس بحرج موقف جيش قوامه ثلث عدد جيش العدو.

فرفع[ معنويات الجنود، وغير حالتهم النفسية والمزاجية، وانعكس ذلك علي حالاتهم الفسيولوجية، حفزهم[ بقوله : «والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا، مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة» رواه مسلم.

فأدبر الخوف من قلوبهم، وارتفع معدل الإنجاز الذي وصل معدله إلى 300% تقريبا؛ إذ استطاع أربعة عشر وثلاث مئة مقاتل أن يصمدوا في وجه ألف، بل وألحقوا بهم الهزيمة المذلة.

- كما أن الرسول[ أتقن فن التحفيز والتشجيع من خلال الأوصاف المتميزة التي أطلقها على صحابته الكرام، فأبو بكر «الصديق» وعمر «الفاروق» – رضي الله عنهما- كما ذكر محمد أحمد عبد الجواد في كتابه "أسرار التميز الإداري والمهاري في حياة الرسول[».

وكما يذكر الدكتور مصطفى أبو سعد في دوراته أنه لم يجد أحدًا أجاد فن المدح كما أجاده النبي [، فلا تكاد تجد أحدًا من أصحابه إلا ونعته النبي[ بوصف جميل، فيقول[:  «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأشدهم حياءً عثمان، وأقضاهم علي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبيّ بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح». رواه الترمذي، وصححه العلامة الألباني رحمه الله.

لقد استخدم النبي[ مع كل شخص ما يناسبه من عوامل التحفيز من خلال معرفة مفتاح شخصية كل منهم، حتى إنه - عليه الصلاة والسلام - استعمل الحوافز المادية مع بعضهم كما حصل في توزيع غنائم حنين، واستعمل[ الحوافز المعنوية كما حصل مع جعفر بن أبي طالب عندما قال: «ما أدري بأيهما أنا أفرح بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر»، كما استخدم - عليه الصلاة والسلام - الفخر والشهرة مع أبي سفيان في فتح مكة، فقال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» البخاري.

لقد كان لرسول الله[ أكبر الأثر في توجيه صحابته وتحفيزهم على العمل بكفاءة، وبذلك نجده[ قد وضع هذه الأسس قبل أن يكتب فيها أحد بأربعة عشر قرناً من الزمان!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك