رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 3 أغسطس، 2010 0 تعليق

الطريق إلى الموظف المثالي في مؤسساتنا الخيرية 8

 

 
الدعم والتحفيز

ذكرنا في العدد السابق أن النبي[ رسخ أسس الإدارة ومبادئها، وفن قيادة الآخرين وتحفيزهم من خلال مواقفه مع أصحابه رضوان الله عليهم، فكل موقف كان يرسخ مبدأً جديداً في كيفية إنجاز الأعمال بنجاح وتميز دون إهدار لكرامة الآخرين وحقوقهم، ودون التقليل من المهام الموكولة للآخرين.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ونحن نتكلم عن الموظف المثالي في مؤسساتنا الخيرية: ما واقع التحفيز في تلك المؤسسات؟ وهل يعي المسؤولون أهميته بوصفه أداة فاعلة من أدوات التطوير الإداري أم لا؟

لعل واقع كثير من تلك المؤسسات وللأسف الشديد يعطينا إجابات سلبية تنبئ عن تجاهل واضح لهذا المبدأ، فمن خلال استطلاع آراء عدد من العاملين في المؤسسات الخيرية، نجد الشكوى من تجاهل هذا المبدأ وأن التركيز دائمًا يكون على السلبيات والزلات، فضلا عن اجتهاد كثير من المسؤولين في وضع القوانين التي في نظرهم صارمة للحفاظ على الانضباط والنظام داخل المؤسسة، دون مراعاة لمشاعر الموظفين واحتياجاتهم، وكما ذكرنا فإنك تستطيع أن تجبر الموظف على الالتزام بتلك القوانين، ولكنك لا تستطيع أن تملك قلبه ليعطيك أقصى طاقته وإنتاجيته وهو سعيد بهذا البذل والعطاء، كما أنك تستطيع الذهاب بالحصان إلى الماء ولكنك لا تستطيع إجباره على الشرب منه.

ولن أمل من تكرار أن على أي مسؤول سواء في مؤسسة ربحية أم في مؤسسة خيرية إدراك أن العاملين بشر معجونون من عواطف ومشاعر، وهي التي تتحكم في تصرفاتهم وأمزجتهم، وتحتاج هذه العواطف والمشاعر إلى شحن وتحفيز من حين لآخر، ولعل الكلمات والمشاعر الطيبة تكون أكثر عمقاً وفاعلية من الاجتهاد في وضع قوانين وضوابط صارمة في الخروج والدخول والتنقل داخل المؤسسة، وكأنك في ثكنة عسكرية وليس في مؤسسة خيرية! إن التضييق الذي يمارسه بعضهم على الموظف ظنًا منه أنه يحقق الانضباط والالتزام ما هو إلا سياسات تصيب الموظف بالإحباط وفقدان الثقة في نفسه وفي المؤسسة التي ينتمي إليها، وليس معنى ذلك أننا ندعو إلى التسيب والانحلال، ولكن هناك فرق بين تطبيق القانون من خلال الشراكة والثقة المتبادلة وبين تطبيقه من خلال سوء الظن والطعن في النوايا.

لقد أصبت بالإحباط والقهر حينما أخبرني موظف في إحدى المؤسسات الخيرية أنه حين تقدم لطلب مساعدة زواج من تلك المؤسسة قوبل طلبه بالرفض، ولأسباب واهية أخبره المسؤول أنه لن يحصل على تلك المساعدة، إلا أن رئيس القسم الذي يعمل به تعاطف معه وقدم له الدعم بصفه شخصية.!!

هذا الموقف أثر بي كثيرًا ووضعني أمام تساؤلات كثيرة، فلا أدري كيف استطاع هذا المسؤول أن يجد لنفسه مسوّغاً لهذا التصرف سواء من الناحية الشرعية أم من الناحية الإدارية أم من الناحية الإنسانية...؟!

هذا الموقف بعيد كل البعد عن كل المعايير الإنسانية والإدارية فضلاً عن المعايير الإسلامية التي في الأصل تحكم قوانين تلك المؤسسة، كما أنه بعيد كل البعد عن مفهوم التحفيز الذي يسعى إليه كل من جلس في مقعد القيادة، وأخذ بزمام أي مؤسسة أو مجموعة من البشر.

 إن التحفيز أيها الإخوة ببساطة يعبر عنه في عالم الإدارة بأنه: «وصول الأتباع إلى حالة من الشغف والسعادة والسرور بأعمالهم مع السعي الدائب لتحقيق الأهداف»، فهل يتحقق هذا في مؤسساتنا الخيرية.. وهل مثل هذا الموظف يمكن أن يتحقق عنده هذا الشعور؟؟!!

إن قدرة القائد ترتكز على تحفيز أتباعه من خلال قدرته على إشباع حاجاتهم الأساسية، وتلك الحاجات متنوعة وعديدة، وتتركز في أربع حاجات رئيسة وهي:

1.   الحاجة إلى الحب والعاطفة.

2.   الحاجة إلى التقدير والاحترام.

3.   الحاجة إلى توظيف الطاقات.

4.   الحاجة إلى الشعور بالمسؤولية.

وكلما كان القائد قادرًا على إشباع تلك الحاجات كان تحفيزه لأتباعه مؤثرًا، وتحركهم نحو الهدف سريعًا وفاعلاً.

ويعتقد بعض المسؤولين أن الحوافز المادية من أهم الدوافع التي تحرك العاملين نحو تحقيق الأهداف.

فهل صحيح أن التحفيز المادي وحده هو الذي يجعل العاملين يؤدون عملهم بإتقان وإخلاص وكفاءة أعلى؟ وهل تكفي الحوافز المادية في تنمية روابط الثقة بين المسؤولين والمرؤوسين؟!

لقد أثبتت الإحصائيات والدراسات التي أجريت على كبرى الشركات والمنظمات أن الحوافز المادية تقع في رتبة متأخرة عن بقية الحوافز، ويقع التقدير والاحترام على رأس هرم الحوافز الفاعلة.

وللأسف الشديد ما زال بعض المدراء يعتقدون أن الخوف والقوانين الصارمة عاملان مساعدان للتحفيز، وأنهما يساعدان على إنجاز المهام إنجازاً أسرع مع تحقيق نتائج أفضل، مع أن العكس هو الصحيح.

صحيح أن استخدام السلطة والعقاب سوف يؤدي إلى نتائج سريعة، لكن أي نوع من النتائج؟ في الواقع أن النتيجة الوحيدة سوف تكون الارتباك، التوتر، مع الإحباط في تنفيذ الأهداف المرجوة.

وهناك الكثير من السياسات والسلوكيات التي تعوق عملية التحفيز وتصيب الموظف بالإحباط وانخفاض المعنويات نوجز أهمها في النقاط التالية:

(1) رواتب غير مجزية:

- هل الرواتب التي تحددها لمرؤوسيك تتوافق مع قيمتهم في سوق العمل؟

- متى كانت آخر مرة رفعت فيها أجورهم؟ لاحظ أن الرواتب غير المجزية سوف تخلق لدى مرؤوسيك حافز عدم البقاء؛ لذلك فإنهم سوف يتركون العمل مع أول فرصة دون تردد.

(2) الإذلال وسوء المعاملة :

- هل أنت معتاد أن توجه النقد اللاذع لمرؤوسيك أمام الآخرين؟

- هل تنهرهم بصوت عال أمام الآخرين؟

تذكر أن سوء معاملتك لمرؤوسيك أيًا كان نوعه يعد واحدًا من الأسباب الرئيسية لخفض مستوى تحفيزهم.

(3) الآمال الكاذبة :

- هل حدث أن وعدت أحدهم بترقية وخلفت وعدك؟ أو مثلا وعدته بمكافأة ولم تفعل؟

أمعن التفكير وسوف تجد أن ذلك يخلق نوعًا من فقد الثقة بينك وبين مرؤوسيك مما يقلل من تحفيزهم.

(4) الروتين:

- هل دائمًا ما تعهد بالمهام نفسها للموظفين أنفسهم؟

- وهل اعتاد مرؤوسوك على أداء نوعية الأعمال بصورة متكررة؟

عليك أن تلاحظ أن الإنسان يحتاج دائمًا إلى التجديد وإلى تعلم مهارات جديدة؛ حيث يعد الروتين أحد أهم الأسباب التي تضع الإنسان في منطقة الراحة والتبلد التي تؤدي إلى خفض مستوى التحفيز.

(5) الأهداف المتعارضة :

- هل يحدث أن تقول شيئًا ثم تعود فترجع عما قلته؟

اعلم أن تعارض الأهداف يسبب الارتباك والفوضى، كما أنه يثير نوعًا من فقدان الثقة والشك في قدراتك بوصفك مديراً، وهذا يؤثر بالطبع على تحفيز المرؤوسين.

(6) توجيه اللوم:

- هل تلقي اللوم دائمًا على مرؤوسيك عندما تتعرض لأي نوع من أنواع الفشل؟

الاعتياد على إلقاء اللوم على الآخرين يقودك إلى اتباع أسلوب ضعيف في الإدارة؛ مما يعمل على عدم تحفيز الموظفين.

(7) المحاباة:

- هل تعامل كل مرؤوسيك على أنهم سواسية؟ أم إنك تفضل بعضهم على البعض الآخر؟

المحاباة تفتح الباب للقيل والقال وتنشر الشائعات بين موظفيك، وهذا بالطبع يضعف من تحفيزهم.

(8) سلوكك الشخصي:

- هل أنت من ذلك النوع من الناس الذي قليلاً ما يرسم الابتسامة على وجهه؟

- هل تلقي بالتحية عندما تقابل الآخرين؟

لاحظ أن سلوكك الشخصي قد يكون عاملاً مهمًا لإضعاف مستوى تحفيز مرؤوسيك؛ فالطريقة التي تعاملهم بها وتتقرب بها إليهم التي تتحدث بها إليهم، كل هذا يمكن أن يتسبب في إضعاف تحفيز مرؤوسيك.

ختامًا: فإن التحفيز من أهم ما يبحث عنه الإنسان، وينتظره من الآخرين؛ لذلك من الضروري أن يكون لدى كل مسؤول ولاسيما في مؤسساتنا الخيرية القدرة على تحفيز أتباعه واستثارة دوافعهم بطرائق وأشكال مختلفة كما فعل النبي[، فعلى قدر نجاح المسؤول في تحفيز الآخرين يستطيع كسب احترامهم وثقتهم ومحبتهم وولائهم وإنتاجهم. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك