رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د صلاح هارون 29 نوفمبر، 2010 0 تعليق

الطريـــق إلى النـــفـس المطمئــنة (2)



في اللقاء الماضي تعرفنا على أسباب الاضطرابات النفسية من خلال آية الابتلاء، وفيما يلي النفحات الإيمانية المستنبطة من الآية الكريمة: يقول الله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف} (البقرة: 155).

خلق الله الإنسان وجعله في الأرض للاختبار والابتلاء، فالخير ابتلاء والشر ابتلاء والصحة ابتلاء والمرض ابتلاء، ولتحقيق الأمن النفسي ذكر الله تعالى لفظة «بشيء» ولم يقل أشياء، فسبحانه من كريم حليم  رؤوف  بعباده. فما معنى الخوف؟ قال الإمام الغزالي: «الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع المكروه في الاستقبال»، فالتألم أثر الخوف وتوقع المكروه سبب.

وتكمن الخطورة في التوقع وليس في الحاضر لأن المسلم إذا انشغل بحاضره وفكر فيه بجد واجتهاد لما أُصيب بالهلع والفزع.

فإن المصيبة إذا وقعت نزل معها لطف الله، فإذا توقعناها قبل الوقوع لفزعنا وساعتها تركنا للشيطان مساحة للعب في عقولنا. والسؤال المهم الذي نطرحه الآن: من أي  شيء يخاف المسلم؟ سؤال صعب واسمع الإجابة المعهودة التي تتمثل في قولنا نحن نخاف من الله! هل فعلا نحن نخاف من الله؟ فإذا كنا نخاف من الله فلماذا هذا الكم الهائل من الفساد والرشوة والقتل والبلطجة والإدمان وغيرها من الموبقات التي ترتكب في كل لحظة نعيشها على وجه الأرض؟ وعندما تتأمل كل ما سبق ستجد نفسك متحيراً باحثاً عن السبب، وأرى -والله أعلم- أننا نخاف من ثلاثة أمور هي التي أدت إلى كل  هذه الاضطرابات:

1- الخوف من الرزق!!

من المؤسف أن أسألك: من الرزاق؟ لأن الإجابة واضحة ولكنها وللأسف إجابة نظرية فقط، فلو آمنا بان الله هو الرزاق لما انتشرت كل الجرائم التي أشرت إليها سابقاً؛ ولذلك نجد الكثير من الآيات التي وضعت لنا معالم الطريق لتحقيق الطمأنينة في قضية الرزق التي تُعد الشغل الشاغل لكل بني البشر على وجه الأرض ولذلك قال الله عز وجل: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}  (هود:  6) هذه الآية وحدها كافية في القطع بأن رزق الله مضمون لكل متحرك على الأرض بل في الأرض؛ فضلاً من الله  تعالى  ألزم به نفسه حتى إنه ساقه مساق الواجبات عليه مع أنه سبحانه لا يجب عليه شيء فقال: {عَلَى اللَّهِ}. ولتأكيد هذا المعنى قال سبحانه :{فِي الأَرْضِ} ليشمل هذا ما نعرفه مما يدب على الأرض وما يستقر في داخلها مما لا نعرفه ولا يعلمه إلا الله، ولذلك قال بعدها: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} فهذه المعاني العظيمة التي يكتسبها المؤمن بإيمانه هي التي تساعده على تخطي عقبة الشره المادي والطمع فيما في أيدي الآخرين، والرضا بما قسمه الله للعبد .

وتحت تفسير الآية ذكر الفخر الرازي في تفسيره للآية السابقة: أن الله عز وجل أرسل موسى لبنى إسرائيل، ودار هذا الحوار:

قال الله عز وجل لموسى: أمامك صخرة فاضربها، فضربها بعصاه فانفلقت إلى نصفين، ثم أمره أن يضربها ثانية فانفلقت ثلاث فلقات، ثم أمره فضربها للمرة الرابعة فانفلقت أربع فلقات، فإذا  بدودة في فمها طعام تأكل، الله أكبر، فقالت الدودة كلاماً رائعاً يطمئن كل نفس خائفة على رزقها:

سبحان من يرى مكاني، ويسمع كلامي ويرسل إلي الرزق من فوق عرشه بين الصخور ولا ينساني، الله أكبر كبيراً. دودة خرجت من الصخرة تعلمنا جميعاً أن الله هو الرزاق. فلابد للمسلم أن يطمئن على رزقه وليعلم علم اليقين أن رزقه يبحث عنه!!

  فالخوف من الرزق هو الذي يدفع السارق إلى السرقة مع أنه لو صبر قليلاً لأخذ ما سرقه من حلال لكنه استعجل رزقه فحصل عليه من حرام، والخوف من الرزق هو الذي جعل الدول الكبرى تستحل ثروات الدول الصغرى، والخوف من الرزق هو الذي جعل القاتل يقتل لأجل الحصول على ما يريده من المقتول، بعض الناس يعتقد أن الرزق مال فقط وهذا خطأ ووهم كبير؛ وذلك لأن كل ما يحيط بالإنسان رزق فالملبس رزق، والمشرب رزق، والولد رزق، والهواء رزق، والماء رزق، فهل شكرنا الله على كل هذه النعم وغيرها؟؟ فهل تعلم أخي القارئ ما هي أعظم نعمة أنعمها الله علينا بعد الإسلام ؟ أرجو أن تفكر رويداَ قبل أن تجيب؛ لأن الإجابة سهلة وصعبة في الوقت نفسه؛ لأنها نعمة يجهلها كثير من الناس مع أنهم يستخدمونها مع كل شهيق وزفير، وتتمثل هذه النعمة في الطلب التالي:

إذا قلت لك : أرجو منك أن تسقيني شربة ماء، فهل ستأتي لي بقلم لأشرب منه؟! الإجابة: لا، ولكنك ستأتينى بكوب الماء لأشرب منه، فهل حمدنا ربنا على نعمة الفهم هذه؟ فنعمة العقل هي من أعظم النعم التي وهبها الله لكل بني البشر حتى المجنون يظن في نفسه أنه أعقل الناس .

نملة تعالج مشكلة البطالة!

وقضية الرزق شغلت كل الناس حتى رأينا الفقير يشتكي فقره والغنى لا يرضى بغناه ويحتاج للمزيد، وكلاهما مخطئ لأنهما يظنان أن الرزق مال فقط، وسأسرد قصة عجيبة أوردها الإمام ابن القيم في كتابه: «شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل» أن سيدنا سليمان عليه السلام أقام حوارا مع نملة وكان الحوار كالتالي :

سليمان : كم يكفيك من الطعام في السنة؟

النملة : ثلاث حبات من الحنطة .

سليمان : فأمر بإلقائها في قارورة وسد فم القارورة وجعل معها ثلاث حبات حنطة وتركها سنة بعد ما قالت، ثم أمر بفتح القارورة عند فراغ السنة فوجد حبة ونصف حبة

سليمان : أين زعمك؟ أنت زعمت أن قوتك كل سنة ثلاث حبات.

 النملة :  نعم ولكن لما رأيتك مشغولا بمصالح أبناء جنسك حسبت الذي بقي من عمري فوجدته أكثر من المدة المضروبة، فاقتصرت على نصف القوت، واستبقيت نصفه استبقاء لنفسي فعجب سليمان من شدة حرصها.

 أليست البطالة أحد عوامل الاضطرابات النفسية والسياسية والاجتماعية؟ فهاهي ذي النملة تضع لنا حلاً لمشكلة البطالة، فما علينا إلا أن نسعى ونعمل ونجتهد في أعمالنا حتى ولو كان العمل بسيطاً فعلينا أن نبدأ ونسعى .

السعي أولاً ثم الدعاء

 هل تغضب منى -عزيزي القارئ- إذا قلت لك إننا أمة التواكل مع أننا في الأصل أمة التوكل، وهاهي ذي النملة تعلم ملايين العاطلين عن العمل في كل بلاد الدنيا كيفية الجد والاجتهاد، ومن عجيب هدايتها أنها تعرف ربها بأنه فوق سمواته على عرشه كما رواه الإمام أحمد في كتاب (الزهد) من حديث أبي هريرة قال: خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون، فإذا هم بنملة رافعة قوائمها إلى السماء تدعو مستلقية على ظهرها فقال ارجعوا فقد كفيتم أو سقيتم بغيركم. ولهذا الأثر طرق عدة، ورواه الطحاوي في (التهذيب) وغيره، وقال الإمام أحمد: حدثنا أنه خرج سليمان بن داود يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك ورزقك، فإما أن تسقينا وترزقنا وإما أن تهلكنا، فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.

ومن حرصها أنا تكد طوال الصيف وتجمع للشتاء علما منها بإعواز الطلب في الشتاء وتعذر الكسب فيه وهي على ضعفها شديدة القوى فإنها تحمل أضعاف أضعاف وزنها وتجره إلى بيتها .

إنها الإرادة التي يجب أن نتعلمها من النمل. وفى اللقاء القادم بمشيئة الله نستكمل الطريق الى النفس المطمئنة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك