الشيخ أحمد محمد مسلم إمام وخطيب جامع نيــــــــروبي الكبير لـ «الفرقان»: عيون الغرب على كينيا والحركات التنصيريـــة على أشدها في البلاد
درس في كينيا حتى الثانوية ثم في عام 1971 التحق بجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان في كلية الدراسات الإسلامية ليتخرج فيها بقسم أصول الدين والفقه الإسلامي... إنه الشيخ أحمد محمد مسلم إمام وخطيب جامع نيروبي الكبير، عاصمة كينيا والذي التقته «الفرقان» في القاهرة ليدور معه حديث شامل عن أوضاع المسلمين هناك واشتداد حملات التنصير المنتشرة في البلاد، كذلك التناحرات السياسية بين القبائل الكينية.
كما تطرق الحوار إلى الأزمة المشهورة التي على إثرها رحلت الحكومة الكينية الداعية عبدالله الفيصل والذي بسببه شهدت العاصمة الكينية احتجاجات ومعارك بسبب إلقاء القبض عليه حيث كان في جولة دعوية. وكشف الشيخ مسلم عن مدى حقد الفيصل على الدعوة السلفية والهجوم على مشايخها وانقلابه على المملكة السعودية بعد أن كان لها الفضل في تعليمه والإعاشة بها، مشيداً مسلم بابن باز والألباني والعثيمين رحمهم الله، مقرّاً بعلمهم ومدى إسهاماتهم في خدمة الدعوة الإسلامية.. وإلى تفاصيل الحوار.
- نود في البداية إلقاء مزيد من الضوء على مشكلة احتجاز الداعية عبدالله الفيصل في مطلع هذا العام من قبل الحكومة الكينية وترحيله إلى جاميكا وما ترتب عليه من أعمال عنف شهدتها البلاد في حينها.
- عبدالله الفيصل أريد أن أقول أولاً وقبل أي شيء أنه من جاميكا فهو رجل جاميكي، وليس بين كينيا وجاميكا أي نفور من أي نوع، فقبل مجيء الشيخ عبدالله الفيصل إلى كينيا سبقه جاميكي اَخراسمه د/ بلال فيليب وقد جاء كينيا، وتجول فيها وألقى المحاضرات ورحب به الكينيون المسلمون والنصرانيون، فرحبنا به قادماً وودعناه بالزهور والمعانقات وكان قد أسلم على يديه عدد من غير المسلمين في كينيا، ولكن الحكومة فيما يتعلق بالفيصل قامت باعتقاله وأصدرت قراراً لترحيله.
- لماذا؟!
- الأمر عندي لا يرجع إلى هضم الحقوق ولا إلى بغض الإسلام من قبل حكومة كينيا، ولكن الأمر في الواقع يرجع إلى ارتكاب الحماقات من قبل الداعية عبدالله الفيصل، ومنها تحريض الناس بعضهم ضد بعض، وليس أدل على ذلك من أن الرجل رفضت جاميكا أن يمر من أراضيها كما رفضت نيجيريا أيضاً التي فيها مسلمون أكثر من كينيا.
ثم نحن المسلمون أصحاب العدالة المطلقة، ننصف القاصي قبل أن ننصف الداني.. ونتسائل : ما طبيعة موقف كينيا من عبدالله الفيصل هذا، كينيا قررت ترحيله إلى بلده، فهل يعتبر ترحيل أحد إلى بلده جرم؟!.. القراَن يأمرنا بأن نقاتل الذين يقاتلوننا في الدين أو يخرجونا من ديارنا.. هذا ما أخرج من داره بل أعيد إلى داره.. هل هذا جرم؟!
السلف الصالح
- ولكن أنت كداعية إسلامي وخطيب وإمام أكبر جوامع العاصمة الكينية وأعرف عنك تأسيك بمنهج السلف الصالح.. هل كانت هناك مناطق محظورة تراها في دعوة الفيصل؟
- نعم، هناك نقطة أخرى هامة، شاع بين الناس متواتراً أن الرجل الفيصل تكفيري، كفر علماء الأمة الإسلامية وكفر قادة الدول الإسلامية، ففي أحد شرائطه كفر الشيخ عبدالعزيز بن باز وكفر الشيخ محمد بن صالح العثيمين وكفر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، فالتكفير لا يأمر به الإسلام، ومن كفر أخاه كما جاء في صحيح مسلم باء الكفر إلى أحدهما.
فأنا شخصياً حسب علمي لهؤلاء المشايخ أن من كفرهم يكفر لا محالة؛ لأن المقبول عندي أن يكفر الفيصل ولا يكفر المشايخ السابق ذكرهم.
- إذن، على أي تيار تحسبه؟
- لا أملك الآن ما يمكنني ربطه بأي جهة فربما ما يطلقون عليه سلفية جديدة، ولكن أنا أنسبه إلى الشباب المتحمس الجديد وهم خوارج هذا الزمان، فقد علمت أنه درس بالسعودية ولم يكمل دراسته، وانقلب على السعودية فيما بعد.
- لماذا؟
- لأن بعض الشباب يطلبون المساعدات المادية وتتأخر عنهم.
- هل تعد كينيا من الدول الأفريقية المستهدفة والتي فيها مطامع غربية؟
- الموقف أن كينيا بلد مهم، عيون الغرب عليها وينظرون إلى كينيا على أنها منطقة استراتيجية كدعوات دينية واستراتيجية ونشاطات سياسية، فالحركات التنصيرية فيها تقوى من الدول الغربية ولكنها إلى الآن لم تفلح في شيء يرضيها (يرضي هذه الدول)، فهي التي تحرض الأفارقة المسيحيين ضد مسلمي كينيا، ولا يختلف اثنان على أن الإسلام يدخل في أعماق قلوب الأفارقة بمحاسنه وسماحته وبتقبل الفطرة لهذه المحاسن والإقبال على اعتناق الإسلام في كينيا كبير جداً،رغم قلة جهود الدعاة وعدم تنسيق حملاتهم مع قلة المال في أيديهم، ويعترف النصرانيون المنصرون بهذه الحقيقة حتى أن أحدهم كتب كتاباً سماه باللغة الإنجليزية «تحريك الجبال» ويعني بهذا الاسم زعزعة عقيدة المسلم من قلبه.
- ما الأسباب؟
- من السهولة بمكان أن تقنع غير المسلم بمحاسن الإسلام ؛ لأن كل الناس في جميع أديانهم يريدون أن يدعوا أنهم يعبدون إلهاً واحداً مع أن طقوسهم الدينية تتنافى مع عقيدة التوحيد وعبادة إله واحد، فالمسيحي لا بد أن يقول الإله الأب.
أوضاع المسلمين
- ماذا عن أوضاع المسلمين في كينيا؟
- ليس هناك إحصائيات دقيقة تقدر سكان كينيا، اليوم يصل عدد السكان إلى أكثر من 40 مليون نسمة ونسبة المسلمين حوالي 30% ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم بهذا.
- ما السبب؟
- المجاذبات السياسية في كل شيء حتى في الشراء والبيع، يجب أولاً الأخذ في الاعتبار حقيقة واحدة مرة ينفر من ذكرها الناس وهي الانتماءات القبلية، والمنافسات القبلية موجودة وتحاول الكتل السياسية قتلها أو كتمها ووهذه حقيقة ثانية مرة، فالقبلية ممكنة وأمر الرسول [ أن ندعها فالمنافسة كبيرة في كينيا بين القبائل، فمثلا تجد عندنا قبيلة لا ترضى أن تكون تحت قبيلة، ورغم ذلك فقد قطعنا شوطا كبيرا نحو إخماد نيران فتنة القبلية، فالوئام قائم دائماً الآن بين قبيلتي « كيكويو» و«لؤو» والرئيس كيباكي من قبيلة « كيكويو» وأودينجا من قبيلة «لؤو» وهناك قبيلتان لهما ثقلهما السياسي في المجتمع الكيني وهما «كالينجن» و»أكامبا» ففي تطاحنات هذه القبائل تستخلص الأوضاع السياسية الكينية.. فهذه القبائل تتنافس على السلطة.
- لماذا؟
- لأن الناس دأبوا على أنه إذا تربعت قبيلة على عرش السلطة حابت أفرادها على غيرها.
- وهل تعد الأوضاع مستقرة ؟
- الأوضاع مستقرة في كينيا حالياً ونحن أهون من غيرنا.
- هل هناك فعلاً تدريب للصوماليين تشهده كينيا من قبل حركة الشباب والتي لها اتهامات بصلتها بتنظيم القاعدة؟
- لم ألمس أنا وجوداً لهذا الأمر فلا أستطيع أن أثبت أو أنفي.
حملات التنصير
- حملات التنصير سارية على قدم وساق في القارة الأفريقية، تساعده في ذلك بعض القوانين والقرارات الأممية.. ما موقع كينيا من هذه الحملات؟
- حملات التنصير على أشدها وعلى خيبتها وأعني أن هذه الحملات مدعومة من الكتلة الغربية الغنية، ولكن سهامها لا تزال طائشة لا تحقق الهدف، وأعتقد أن عنصر التزام المسلم بدينه ظاهرة لها أثرها البالغ في نفوس الطرفين، فالمسلم يصلي خمس مرات في اليوم، والمسيحي ينتظر يوم الأحد، علاقته بربه يوم واحد، أما المسلم فينفذ تعاليم كتاب القراَن، أما النصراني فيسمح لنفسه أن يلغي تطبيق بعض شرائع دينه وأبرز مثال على ذلك قضية التعامل مع البنوك الربوية، فاليهودية تحرم الربا في سفر الخروج والنصرانية تحرم الربا في إنجيل لوقا، ولكن المسلم وحده هو الذي يتمسك بتحريم الربا، بينما اليهودية والنصرانية لا تريا في ذلك غضاضة. الإسلام يدعو إلى حجاب المرأة، والأديان السماوية الأخرى تدعو إلى ذلك أيضاً، ولكن الدفاع عن الحجاب اليوم أمر محصور في المسلمين والمسلمات، أضف إلى ذلك أن المسيحيات يظهرن في بعض المناسبات وهن متحجبات، مثال ذلك ما نراه في مراسم الدفن، فنرى نساء المسيحيات متحجبات.. فلماذا التحجب في الجنائز ؟! أرى أن ذلك مسألة نفسية، فالحزن يذكرهن بدينهن الذي تخلين هن عنه، فهذه الحملات وراءها تدخلات غربية مادية.
- وما السبب في ذلك؟
- الغرب دائماً يخاف من الإسلام وقد جعل الإسلام يحل محل روسيا بعد تفككها، فالغرب يعتبر الإسلام حجر عثرة في طريق كل ما يريدونه في الدول الأفريقية، فالذي يأملونه هو إزاحة هذه الحجر من طريقهم، فهو يشكل لهم عقبة كأداء.
دور أميريكي
- هل هناك دور أمريكي في ذلك؟
- أقول: جهات وأستطيع أن أحدد ولكن وجود هذه الجهات أمر مؤكد لا غبار عليه.
- ما هو شكل العلاقة بين المسلمين والنصارى في كينيا؟
- يمكن القول إن العلاقة بين أفراد الشعب العاديين علاقة لا بأس بها، ولكن القيادة الكنسية المبرمجة من الغرب ترى أن عليها واجب إثارة السخط ضد المسلمين.
- كيف يقابل المسلمون ذلك؟
- كنت أود أن يقابلوا هذا الواقع بشيء من الحكمة حتى لا يصيبوا قوماً بجهالة ويصبحوا على ما فعلوا نادمين، وأعني بذلك ألا يهاجموا المسيحيين جملة وتفصيلاً فليسوا سواء.. هذا الموقف سيمكننا من تقريب هؤلاء المسيحيين الذين لا يضمرون ضد المسلمين حفائظ تريدها قيادتهم وذلك لإيصال الدعوة إليهم, وهذا واقع قائم بالفعل.
أهم الفتاوى
- ما أهم الفتاوى التي يسأل عنها مسلمو كينيا وحال اللغة العربية هناك؟
- هناك إقبال على تعلم اللغة العربية حتى من غير المسلمين، وفيما يتعلق بالمسائل الدينية التي يكثر السؤال عنها في كينيا هي هذه القضايا العصرية ؛ لأن المسلم يريد اليوم أن يجمع بين العيش في عصره والالتزام في دينه، فالمسائل العقدية والمسائل المتعلقة بالجهاد وعن مبررات الجهاد لا يتنافى مع حرية الأديان.. إلى ما هنالك من قضايا عصرية معروفة.
- أخيراً، هل تعد كينيا بلداً مستهدفاً؟
- الحمد لله عرف المسؤولون الكينيون أن هناك قاعدة تحرص على مثل هذه الأفاعيل، وأن الإسلام لا يأمرهم بما يفعلون، فالإسلام الذي يقول: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} لا يمكن أن يسمح لأحد أن يرمي بقنبلة في وسط الناس دون تمييز بين مجرمهم وبريئهم.
لاتوجد تعليقات