رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 7 أغسطس، 2023 0 تعليق

الشريعة الإسلامية وحماية الأطفال في الحروب والنزاعات المسلحة

تقرير للأمم المتحدة:

 نصف الأطفال ضحايا الاتجار بالبشر - الشريعة الإسلامية وحماية الأطفال في الحروب والنزاعات المسلحة 

 

الأطفال من أكبر الفئات معاناة في دوامة الصراعات والنزاعات المسلحة التي يشهدها العالم المعاصر من خلال الانتهاكات الجسيمة لأبسط الحقوق الإنسانية، وقد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الدولية كافة في حماية هذه الفئة والعناية بها في أثناء النزاعات المسلحة؛ لأن حاجة هذه الفئة إلى الحماية والأمن والرعاية حاجة ملحة باستمرار؛ لأنها تكون غير قادرة على إدراك الأشياء من حولها أو التعبير عن الخطر المحدق بها، لذلك كانت حقوقها محل اهتمام الشريعة الإسلامية التي كانت سباقة إلى تحريم الاعتداء على المدنيين وعدم مقاتلتهم والتعرض لهم كما جاء في القرآن الكريم {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين}.

      ولقد أوجب الإسلام على أتباعه الرأفة بالضعفاء والإحسان إليهم حتى وإن كانوا من جنس الأعداء والخصوم، فوصية النبي -[- لجنوده في أثناء توجههم للقتال كانت خير دليل على هذا المعنى: «لاتَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلا طِفْلا، وَلا صَغِيرًا، وَلا امْرَأَةً وَلا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين».

أولاً: حكم مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة

       اهتمت الشريعة الإسلامية بمرحلة الطفولة، وذكرتها صراحة في القران الكريم في قوله -تعالى-: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُم}، فلقد حظي الطفل في الشريعة الإسلامية بالرعاية والاهتمام منذ أن كان نطفة في بطن أمه إلى أن خرج إلى الوجود بشرا سويا، ونال مكانة مرموقة محافظ عليها بنص القرآن الكريم والسنة النبوية، فلم تترك الشريعة مرحلة من المراحل إلا وحددت فيها الحقوق التي تكفل مصالحه وتحفظ حياته، وقررت عدم مسؤولية الأطفال عن أفعالهم حتى يبلغوا مرحلة الحلم؛ لذلك فهم غير مطالبين بالتكاليف.

 

 

عدم إجازة القتال للأطفال صغار السن

      ولقد فصلت الشريعة الإسلامية في حكم مشاركة صغير السن في النزاعات المسلحة بحكم لا استثناء فيه، ويتمثل في عدم إجازة القتال للأطفال صغار السن؛ حيث حددت الشريعة الإسلامية السن القانوني لمشاركة الأطفال في الحروب، فنجد أن ابن عمر -رضي الله عنهما- يعرض نفسه على النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أحد، حرصاً على الجهاد في سبيل الله، فما كان من النبي -[- أنه لم يجزه، حرصًا عليه، ورحمة به لحداثة سنه، ويحكى لنا هذه القصة ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «عرضت على النبي وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني»، ولم يكن ابن عمر - رضي الله عنه - وحده الذي كان حريصًا على الجهاد، بل نجد أيضًا زيد بن ثابت وأسـامة بن زيد والنعمان بن بشـير وزيد بن أرقم وأبو سعيد الخذري، كلهم لم يجزهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حرصاً عليهم ورحمة بهم لحداثة سنهم، فرضي الله عنهم أجمعين، و قال الإمام النووي -رحمه الله تعليقا على هذا الحديث-: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أجاز له القتال ليس لأنه بلغ الحلم بهذا الحديث، بل يمكن أنه أجازه للقتال لقوة رآها به لم تكن موجودة عند عرضه عليه في المرة الأولى.

الصبا من أسباب المرحمة

     يقول الإمام أبو حنيفة «إن الصبا من أسباب المرحمة طبعا؛ فإن كل طبع سليم يميل إلى الترحم على الصغار لقوله - صلى الله عليه وسلم - «من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا، ليس منا» ويعد الصغر سببا للعفو وإسقاط كل تبعة وضمان، وكتب عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - إلى عماله أن افرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال، وإن المتأمل في هذه الروايات يرى مدى الحماية التي قررتها الشريعة للأطفال؛ بحيث إنه لا يجوز إشراكهم في القتال إلا إذا بلغوا السن المحددة، وكانت لهم القدرة على ذلك.

ثانيًا: قواعد حماية الأطفال في أثناء النزاعات المسلحة

      فضلا عما ذكر من أحكام تتعلق بحظر مشاركة الأطفال وتجنيدهم في أثناء النزاعات، أقرت قواعد الشريعة الإسلامية أحكاما إضافية لتعزيز الحماية والرعاية، فقد وردت نصوص وأحكام شرعية تقضي بمنع استهدافهم خلال العمليات الحربية، أو قتلهم أو نقلهم أو ترحيلهم إلى خارج المناطق المحتلة أو إبعادهم عن أسرهم؛ حيث حددت الشريعة السمحاء قواعد ثابتة لا يجب الخروج عنها في التعامل مع فئة الطفولة وضرورة كفالة حمايتها في النزاعات المسلحة.

(1) النهي عن قتل الأطفال في الحروب

     كان للإسلام السبق في التمييز بين المقاتلين وغيرهم من المدنيين الذين لا يقاتلون، فقد نصّت الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة على وجوب رحمة الضعاف زمن الحرب وعدم التعرض لهم، وخصت بالذكر المرأة والصبي والشيخ الفاني، وهؤلاء -في العادة- هم من العزّل في الحروب، لا يقدرون على المقاتلة ولا يطيقونها؛ لذلك فالإسلام راعى هذا الاعتبار فيهم، رحمة ورأفة بهم، ولا يجوز قتلهم، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغضب أشد الغضب إذا علم أن جنده قتلوا صبيا أو طفلا، ولقد بلغه قتل بعض الأطفال فبلغ يصيح في جنده «ما بال أقوام جاوز بهم القتل حتى قتلوا الذرية،ألا لا تقتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية»، وعن ضمرة بن حبيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل النساء والصبيان والشيوخ.

وصايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقادة الجيش

      فوصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقادة الجيش في الغزوات والسرايا كافة عدم قتل النساء والولدان والشيوخ الهرمين؛ فمن وصاياه - صلى الله عليه وسلم - ما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: كنت أحمل سفرة أصحابي، وكنا إذا استنفرنا نزلنا بظهر المدينة، حتى يخرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: انطلقوا بسم الله، وفي سبيل الله تقاتلون أعداء الله في سبيل الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا.

      وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصا على أن يمتثل أصحابه -رضي الله عنهم- بهذه الوصايا؛ لذلك كان ينكر على من اعتدى على النساء والذرية في زمن الحرب؛ ففي الصحيحين وغيرهما عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - مقتولة؛ فأنكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قتل النساء والصبيان.

لا يجوز قتل النساء والصبيان

     وقال الحافظ ابن حجر معلقا على هذا الحديث: لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال، حتى ولو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان، أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان، لم يجز رميهم ولا تحريقهم، وقال الشافعي: إذا قاتلت المرأة جاز قتلها، وقال ابن حبيب من المالكية: لا يجوز قتلها إلا إذا باشرت القتل وقصدت إليه.

تأكيد مبدأ عدم التعدي على الأطفال

     وحذا الخلفاء الراشدين حذو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التأكيد على مبدأ عدم التعدي على الأطفال ومقاتلتهم؛ فها هو ذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يوصي أمراء الجُند في أثناء توجههم للقتال:»لا تقتلوا امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هَرما، ولا تقطعوا شجرا مُثمرا، ولا تُخرِّبُنَّ عامرًا، ولا تَعقرنَّ شاةً ولا بعيرًا إلاَّ لمأكله، ولا تُغرقُنَّ نخلًا ولا تحرقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبُن».

(2) النهي عن التفريق بين الأطفال وأسرهم

     أقرت أحكام الإسلام قواعد سامية لحماية الأطفال في أثناء النزاعات المسلحة؛ فقد كفل الفقه الإسلامي إجراءات خاصة من خلال النهي عن عدم التفريق بين الأم وولدها، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وامتثالا لهذا الحديث جمع الصحابي الجليل أَبو أَيوب الأنصاري - رضي الله عنه - بين سبية وولدها دون استئذان الأمير، وفي مسند أحمد قصة تبين ذلك فعن أبي عبدالرحمن الحلبي قال: كنا في البحر-أي غزاة -وعلينا عبدالله بن قيس الفزاري -أي أميرا -ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فمر صاحب المقاسم وقد أقام السبي، فإذا امرأة تبكي، فقال أبو أيوب ما شأن هذه؟ قالوا فرقوا بينها وبين وليدها، قال فأخذ بيد ولدها حتى وضعه في يدها، فانطلق صاحب المقاسم إلى عبدالله بن قيس الأمير فأخبره، فأرسل إلى أبي أيوب قال: ما حملك على ما صنعت؟ قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة».

 

 

 

انتهاكات جسيمة في واقعنا المعاصر

     المتتبع للواقع المعاصر يجد انتهاكات جسيمة في حق الأطفال في مناطق عديدة من العالم، التي لم يستطع المجتمع الدولي أن يمنع الضرر الواقع على أطفاله خصوصًا في فلسطين والعراق وسوريا وبورما…، تلك المخاطر والانتهاكات التي تتمثل في القتل، أو التشريد، أو اللجوء والنزوح، أو التجنيد الإجباري، أو الحرمان من الأسرة، وهو ما يدفعنا إلى مطالبة المجتمع الدولي بضرورة العمل على توفير الحماية اللازمة للأطفال من خلال ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب خصوصًا ضدهم، وإيجاد آلية مناسبة لجعل الأطفال في مناطق آمنة في أثناء النزاعات المسلحة، وتأمين الرعاية الصحية للأطفال في أثناء تلك النزاعات لتجنبيهم التداعيات التي تصيبهم من أمراض وسوء التغذية مع ضرورة تأمين الدعم النفسي والاجتماعي، والعمل على منع ظاهرة الجنود الأطفال سواء عبر التجنيد الإجباري أم بالقوة أم الطوعية.

 

خلو العصور الإسلامية من الانتهاكات ضد الأطفال

     ومن الجدير بالذكر أننا لم نشهد أي انتهاكات لحقوق الأطفال في أثناء عصر الوحي والتشريع، والعصور الإسلامية الزاهرة بعده، عكس واقعنا اليوم الذي هو بعيد كل البعد عما تقرره النصوص والاتفاقيات الدولية، وما هو حاصل من انتهاكات جسيمة، عجز المجتمع الدولي عن إيجاد آلية تجعل الأطفال في مناطق آمنة في أثناء العمليات القتالية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك