رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر 5 فبراير، 2024 0 تعليق

السير إلى الله

إن المؤمن في هذه الحياة سائر في طريق، وطريقه هذا له مقصود وغاية، وهو طاعة ذي الجلال ورضا الكبير المتعال، متحققاً ومتيقناً بأنه عبدٌ لله -تبارك وتعالى- وأنَّ واجبَه في هذه الحياة تحقيق العبودية لله -عز وجل-، فهو يسير في هذه الحياة ليعرف ربه ومولاه، وليتعرف عليه -جل وعلا- من أسمائه الحسنى وصفاته العليا ودلائل جلاله وكماله وعظمته وكبريائه، وأنه الرب العظيم الخالق الجليل الذي بيده أزمَّة الأمور ومقاليد السماوات والأرض، ثم يُتبِع المؤمن السائر هذه المعرفة بتحقيق العبودية لله؛ فيخلص دينه كله لله {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:162-163).

      وطريق المؤمن السائر له بداية ونهاية، أما بدايته فهو هذه الحياة، لا يزال المؤمن سائراً في حياته إلى الله -عز وجل- من منزلةٍ إلى منزلة ومن عبوديةٍ إلى عبودية ومن طاعةٍ إلى طاعة، إلى أن يأتي الأجل وتحضر المنية {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحجر:99)، أما منتهى السير فهو جنة {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران :133)، ففي الجنة محط الرحال ومرتع الآمال، وفيها هناءة السائرين ولذتهم أجمعين، في نعيمٍ مقيم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله -جل وعلا- لهم - كما جاء في صحيح مسلم - : «تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ -عز وجل»، نسأل الله الكريم لذة النظر إلى وجهه، والشوق إلى لقائه، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة. وهذا السير لابد فيه من محركات ليسير المؤمن وليقوى سَيْره إلى الله -عز وجل-، وقد بيَّن العلماء -رحمهم الله تعالى- أن لهذا السير محركات ثلاث؛ وهي في قلب المؤمن الصادق ألا وهي: المحبة، والرجاء، والخوف؛ فهذه الأمور الثلاث محركات للقلوب، أما المحبة فهي التي تجعل المسلم يتجه إلى الصراط المستقيم، ويعزم على السير فيه، وتكون قوة سيره بحسب قوة هذه المحبة، وأما الرجاء فهو القائد للمؤمن في سيره، وأما الخوف فهو الزاجر. وقد جمع الله -جل وعلا- هذه الأمور الثلاث في قوله -سبحانه-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}(الإسراء:57). وللسير أعمال لابد منها ولابد من تحقيقها ولابد من عناية من السائرين بها، وهي: فرائض الإسلام وواجبات الدين، والقيام بأنواع العبودية لله -جل وعلا-، مع التجنب للآثام والبعد عن الحرام خوفاً من عقاب الملك العلام -سبحانه. ولم يتقرب متقرب إلى الله بشيء أحب إلى الله -عز وجل- من فرائض الدين وواجباته، ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله -عز وجل-: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ؛ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك