رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د/ وليد بن محمد بن عبدالله العلي 1 أغسطس، 2010 0 تعليق

الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق (1)

 

 
أكثر من (100) فائدة استنبطها الإمام ابن قيم الجوزية

إن الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- قد خلف بعد وفاته للأمة تراثا تليدا، وعلما فريدا، فمن وفقه الله تعالى لورود مائه المعين، والاستسقاء والنهل من زلال علمه الذي لم يأسن ولم يتغير طعمه بل هو لذة للشاربين: فقد أخذ من ميراثه بعد موته بحظ وافر، وتعزى به عن مصابه بفقده وكان لكسره جابر.

وأثناء قراءاتي لمجموعة مصنفات الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى الماتعة النافعة، ومطالعتي لمؤلفاته الرائعة الشائعة - التي أكرمني الله تعالى بارتضاع العلم منها حولين كاملين، إرادة إتمام الرضاعة التي تقر بها العين - كنت أرتب الفوائد، وأهذب الفرائد، وأقرب الشوارد، وأطالعها بعين البصيرة، بعد النظر إليها بعين البصر القريرة.

وكان من جملة ما مرَّ بي من هذه الفوائد التي اتسمت بالإمتاع والإقناع، والإفادة والإجادة، والتحقيق والتدقيق، والتهذيب والترتيب: الفوائد التي استنبطها من قصة يوسف عليه السلام.

فإلى درر تقريراته، ولآلئ استنباطاته المودعة في هذا المقال الذي جلبت إليك فيه نفائس في مثلها يتنافس المتنافسون، وجلَّيت عليك فيه عرائس إلى مثلهن بادر الخاطبون.

 

الفائدة الأولى:

الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} (يوسف: 4).

- لما تمكن الحسد من قلوب إخوة يوسف عليه السلام: أري المظلوم مآل الظالم في مرآة: {إني رأيت أحد عشر كوكبا} (بدائع الفوائد 189/3).

 

الفائدة الثانية:

الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين} (يوسف: 5).

- إن أعظم النعم: الإقبال على الله والتعبد له والانقطاع إليه والتبتل إليه، ولكل نعمة حاسد على قدرها، دقت أو جلت، ولا نعمة أعظم من هذه نعمة؛ فينبغي إخفاؤها فأنفُس الحاسدين المنقطعين متعلقة بها، وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد، وألا يقصد إظهارها له.

وقد قال يعقوب ليوسف: {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين}.

وكم من صاحب قلب وجمعية حال مع الله قد تحدث بها وأخبر بها؛ فسلبه إياها الأغيار، فأصبح يقلب كفيه، ولهذا يوصي العارفون والشيوخ بحفظ السر مع الله، وألا يطلعوا عليه أحدا وأن يتكتموا به غاية التكتم، كما أنشد بعضهم في ذلك:

من سارروه فأبدى السر مجتهدا

       لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا

وأبعدوه فلم يظفر بقربهم

       وأبدلـــــوه مكان الأنـــــــس إيحاشا

لا يأمنون مذيعا بعض سرهم

       حاشا ودادهم من ذلكـــــــــم حاشا

والقوم أعظم شيء كتمانا لأحوالهم مع الله، وما وهب الله لهم من محبته والأنس به وجمعية القلب عليه، ولاسيما للمبتدئ والسالك، فإذا تمكن أحدهم وقوي وثبت أصول تلك التي أصلها ثابت وفرعها في السماء في قلبه، بحيث لا يخشى عليه من العواصف؛ فإنه إذا أبدى حاله وشأنه مع الله ليقتدى به ويؤتم به: لم يبال، وهذا باب عظيم النفع، وإنما يعرفه أهله (بدائع الفوائد 3/9-10).

 

الفائدة الثالثة:

الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين} (يوسف: 8).

- تأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله: {إذا حسد}؛ لأن الرجل قد يكون عنده حسد ولكن يخفيه ولا يرتب عليه أذى بوجه ما، لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئا من ذلك ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله، فهذا لا يكاد يخلو منه أحد، إلا من عصمه الله.

وقيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ قال: «ما أنساك إخوة يوسف».

لكن الفرق بين القوة التي في قلبه من ذلك وهو لا يطيعها ولا يأتمر بها، بل يعصيها طاعة لله، وخوفا وحياء منه وإجلالا له أن يكره نعمه على عباده، فيرى ذلك مخالفة لله، وبغضا لما يحب الله، ومحبة لما يبغضه، فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك، ويلزمها بالدعاء للمحسود، وتمنى زيادة الخير له، بخلاف ما إذا حقق ذلك، وحسد ورتب على حسده مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح، فهذا الحسد المذموم، هو كله حسد تمنى الزوال (بدائع الفوائد 2/202).

 

الفائدة الرابعة:

الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون} (يوسف: 15).

- حذف كثير من الأجوبة في القرآن الكريم لدلالة الواو عليها؛ لعلم المخاطب أن الواو عاطفة، ولا يعطف بها إلا على شيء، كقوله تعالى: {فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب}، وكقوله تعالى: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها}.

وهذا الباب واسع في اللغة (بدائع الفوائد 1/186).

 

الفائدة الخامسة:

الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {وجاءوا أباهم عشاء يبكون} (يوسف: 16).

- قال الشعبي: «شهدت شريحا وجاءته امرأة تخاصم رجلا، فأرسلت عينيها وبكت، فقلت: يا أبا أمية، ما أظن هذه البائسة إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن إخوة يوسف {جاؤوا أباهم عشاء يبكون} (الطرق الحكمية ص20).

 

الفائدة السادسة:

الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} (يوسف: 18).

- {فصبر جميل}: لا جزع فيه.

قلت: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونور ضريحه- مرارا يقول: «ذكر الله الصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل، فالصبر الجميل: الذي لا شكوى فيه، والهجر الجميل: الذي لا أذى معه، والصفح الجميل: الذي لا عتاب معه» انتهى (بدائع الفوائد 100/3).

 

الفائدة السابعة:

الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين} (يوسف: 20).

- قال الإمام أحمد: بعشرين درهما (بدائع الفوائد 97/3).

 

الفائدة الثامنة:

الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف: 21).

- قال ابن مسعود رضي الله عنه: «أفرس الناس ثلاثة: العزيز في يوسف؛ حيث قال لامرأته: {أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا}.

وابنة شعيب، حين قالت لأبيها في موسى: {استأجره}.

وأبوبكر في عمر رضي الله عنهما، حيث استخلفه.

وفي رواية أخرى: «وامرأة فرعون، حين قالت: {قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا}» (مدارج السالكين 507/2 ونظير هذا الكلام في هذا المقام في: الطرق الحكمية ص24).

 

الفائدة التاسعة:

الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين} (يوسف: 22).

 - إنه سبحانه ذكر فضله ومنته على أنبيائه ورسله وأوليائه وعباده بما آتاهم من العلم، فذكر نعمته على خاتم أنبيائه ورسله بقوله: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما}.

وقال في يوسف: {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين} (مفتاح دار السعادة 239/1-240).

- قال الحسن: «من أحسن عبادة الله في شبيبته: لقّاه الله الحكمة عند كبر سنه، وذلك قوله: {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين}».

ومن هذا قال بعض العلماء: تقول الحكمة: مَن التمسني فلم يجدني: فليعمل بأحسن ما يعلم، وليترك أقبح ما يعلم، فإذا فعل ذلك: فأنا معه وإن لم يعرفني (مفتاح دار السعادة 1/508).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك