رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د/ وليد بن محمد بن عبدالله العلي 5 أغسطس، 2010 0 تعليق

الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق (4)

نواصل في هذا العدد الفائدة السادسة عشرة:

- قول امرأة العزيز: {فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم}.

فوصفت ظاهرة بالجمال، وباطنه بالعفة؛ فوصفته بجمال الظاهر والباطن؛ فكأنها قالت هذا ظاهره، وباطنه أحسن من ظاهره.

وهذا كله يدلك على ارتباط الظاهر بالباطن قدرا وشرعا (التبيان ص 252).

- النور في الحقيقة: هو كمال العبد في الظاهر والباطن.

ولما كان ليوسف الصديق من هذا النور النصيب الوافر: ظهر في جماله الظاهر والباطن؛ فكان على الصفة التي ذكرها الله في كتابه (مختصر الصواعق المرسلة: 2/407 - 408).

- قالت امرأة العزيز للنسوة لما أرتهن إياه ليعذرنها في محبته: {فذلكن الذي لمتنني فيه}، أي: هذا هو الذي فتنت به وشغفت بحبه، فمن يلومني على محبته وهذا حسن منظره؟! ثم قالت: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم}.. أي: فمع هذا الجمال فباطنه أحسن من ظاهره؛ فإنه في غاية العفة والنزاهة والبعد عن الخنا.

والمحب وإن عيّب محبوبه فلا يجري لسانه إلا بمحاسبته ومدحه (روضة المحبين ص 242).

- من لم يشاهد جمال يوسف لم يعرف ما الذي آلم قلب يعقوب:

من لم يبت والحب حشو فؤاده

لم يدر كيف تفتت الأكباد

(بدائع الفوائد: 3/203).

الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} «يوسف: 33».

 

الفائدة السابعة عشرة:

كان يقرأ: {السجن أحب إلي} (بدائع الفوائد: 3/95).

قلت: أي كان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - يقرأ بفتح السين من: {السجن} وهي القراءة المتواترة التي انفرد بها يعقوب الحضرمي، وقرأ الباقون بكسر السين.

 

الفائدة الثامنة عشرة:

{أصب} أصل الكلمة من الميل، يقال: صبا إلى كذا، أي: مال إليه، وسميت الصبوة بذلك لميل صاحبها إلى المرأة الصبية، والجمع: صبايا، مثل: مطية ومطايا، والتصابي: هو تعاطي الصبوة، مثل التمايل وبابه.

والفرق بين الصبا والصبوة والتصابي: أن التصابي هو تعاطي الصبا، وأن تفعل فعل ذي صبوة، وأما الصبا: فهو الميل نفسه، وأما الصبوة: فالمرة من ذلك مثل الغشوة والكبوة، وقد يقال على الصفة اللازمة مثل القسوة، وقد قال يوسف الصديق - عليه السلام-: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} (روضة المحبين ص 40).

 

الفائدة التاسعة عشرة:

العرب تسمي الفحش والبذاء جهلا، إما لكونه ثمرة الجهل؛ فيسمى باسم سببه وموجبه، وإما لأن الجهل يقال في جانب العلم والعمل؛ قال الشاعر:

ألا لا يجهلَنْ أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ومن هذا قول موسى لقومه وقد قالوا: {أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} «البقرة: 67».

فجعل الاستهزاء بالمؤمنين جهلا، ومنه قوله تعالى حكاية عن يوسف أنه قال: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} «يوسف: 33» (مفتاح دار السعادة: 1/244).

 

الفائدة العشرون:

قال يوسف الصديق: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} «يوسف: 33» أي: من مرتكبي ما حرمت عليهم.

وقال تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة}.

قال قتادة: أجمع الصحابة - رضي الله عنهم - أن كل من عصى الله فهو جاهل (مدارج السالكين: 1/504 - 505).

 

الفائدة الحادية والعشرون:

لا يأمن كَرّات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به وأقربهم إليه وسيلة: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} «الإسراء: 74»، وقال يوسف الصديق: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} «يوسف: 33» (مدارج السالكين: 1/197 - 198).

 

الجزء الثامن

تابع الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} «يوسف: 33».

الفائدة الثانية والعشرون:

قلت: هذا باب يقصد به باب من آثر العقوبة والآلام على لذة الوصال الحرام، وإنما يدخل منه رجلان:

أحدهما: من تمكن من قلبه الإيمان بالآخرة، وما أعد الله فيها من الثواب والعقاب لمن عصاه، فآثر أدنى الفوتين واختار أسهل العقوبتين.

والثاني: رجل غلب عقله على هواه، فعلم ما في الفاحشة من المفاسد، وما في العدول عنها من المصالح؛ فآثر الأعلى على الأدنى.

وقد جمع الله سبحانه وتعالى ليوسف الصديق - صلوات الله وسلامه عليه - بين الأمرين، فاختار عقوبة الدنيا بالسجن على ارتكاب المحارم، فقالت المرأة: {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونَنْ من الصاغرين قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} «يوسف: 33».

فاختار السجن على الفاحشة، ثم تبرأ إلى الله من حوله وقوته، وأخبر أن ذلك ليس إلا بمعونة الله له وتوفيقه وتأييده، لا من نفسه فقال: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} «يوسف: 33».

فلا يركن العبد إلى نفسه وصبره وحاله وعفته، ومتى ركن إلى ذلك تخلت عنه عصمة الله، وأحاط به الخذلان، وكان من دعاء أكرم الخلق على الله وأحبهم إليه: «يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك»، وكانت أكثر يمينه: «لا ومقلب القلوب».

كيف وهو الذي أنزل عليه: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} «الأنفال: 24».

وقد جرت سنة الله تعالى في خلقه أن من آثر الألم العاجل على الوصال الحرام، أعقبه ذلك في الدنيا المسرة التامة، وإن هلك فالفوز العظيم، والله تعالى لا يضيع ما تحمل عبده لأجله.

وفي بعض الآثار الإلهية: يقول الله سبحانه وتعالى: «بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي»، وكل من خرج عن شيء منه لله، حفظه الله عليه، أو عوضه الله ما هو أجل منه (روضة المحبين ص 457 - 458).

الفائدة الثالثة والعشرون

يوسف - صلوات الله عليه وسلامه - أُكِيدَ من وجوه عديدة:

أحدها: أن إخوته كادوه؛ حيث احتالوا في التفريق بينه وبين أبيه، كما قال له يعقوب - عليه السلام: {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} «يوسف: 5».

وثانيها: أنهم كادوه؛ حيث باعوه بيع العبيد، وقالوا: إنه غلام لنا آبق.

وثالثها: كيد امرأة العزيز له بتغليق الأبواب، ودعائه إلى نفسها.

ورابعها: كيدها له بقولها: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم} «يوسف: 25».

فكادت بالمراودة أولا، وكادته بالكذب عليه ثانيا؛ ولهذا قال لها الشاهد لما تبين له براءة يوسف - عليه السلام: {إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم}.

وخامسها: كيدها له؛ حيث جمعت له النسوة وأخرجته عليهن تستعين بهن عليه، وتستعذر إليهن من شغفها به.

وسادسها: كيد النسوة له حتى استجار بالله تعالى من كيدهن، فقال: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم} «يوسف: 34».

ولهذا لما جاء الرسول بالخروج من السجن قال له: {ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم} «يوسف: 50» (إغاثة اللهفان: 2/154 - 157).

 

الجزء التاسع

الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} (يوسف: 33).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك